واقع المواقع

تشهد الساحة الإعلامية الموريتانية منذ حين موجة من الحرية و الانطلاق لم يسبق لها مثيل في البلد، حيث أصبح بإمكان الإنسان البسيط أن يوصل رأيه بالصوت والصورة إلى قمة الهرم بسهولة وسرعة فائقة، موجة انتهزها كل من هب ودب ، لاعتلاء محراب البوح، جاعلا منها منصة للتقرب والظهور، مرتديا أثوابا إعلامية جديدة، تخفي شكله ومستواه المهني وهدفه المنشود، وتمكنه من الجلوس بين النخبة في خفية وأمن من الرقابة القانونية والخلق المدني المتحضر، ومتمسكا بآثار البيئة، ومحافظا على بصمات الجهوية، والعرق و الميولات الذاتية.      
فرغم جلوسه اليوم على مقعد متحرك ،وأمام شاشات عالمية عملاقة، تحمل أحدث برامج التقنيات الحديثة، لا يزال الموريتاني يتخبط  تائها، في مواجهة تيار الحضارة الجارف، مرتجلا بقدراته الذهنية الفائقة ،وبعبقرية البداوة الصافية، أنماطا من الأنظمة الوهمية، تمكنه من السيطرة على واقعه المهني، وتهبه القدرة على المنافسة، ومجارات الخصوم ،ومعتمدا في مسيرته العملية على سياسة "الفوضى تخلق النظام "، فكان ميلاد  المواقع الالكترونية هو المحطة الأخيرة التي أوصلنا إليها قطار العولمة مدفوعا بحرية  الفضاء السمعي البصري، و هنا نقف وهلة لنتساءل عن واقع المواقع الالكترونية؟

هل هي وسيلة لتسهيل الخبر وجعله في متناول الجميع، بموضوعية ومهنية عالية ؟ أم أنها ألسن لاذعة، و سيوف قاطعة، في أيدي الثلة القادرة ؟  
أطل علينا منذ أعوام قليلة سيل العولمة  الجارف، فأزال الحدود التي كانت تحول بيننا و عالم الصورة ، وفتح الباب واسعا أمام المتعطشين للقول والتقول ، ونادى بأعلى صوته الرخيم، على الراغبين في الظهور و التمظهر، بالحق أوالكذب ، والتخمين والتوقع ،وأختلط الإعلام بعلم التنجيم و قراءة الطالع ، فنزل من سمائه الزرقاء، إلى قعر المحيط الجامد،   
من هنا وببساطة عالية يدرك البصر وتعي الأذن هذا الخطر الخفي الذي يدب في هدوء مهددا أعظم أبنية ثقافتنا و علاقتنا بالآخر واتصالاتنا على المستويين العالمي والدولي،ويتجسد ذلك في تطور علاقة الموريتاني بالصورة ،إنه لم يعد ذلك المتوحش المنعزل خلف الكثبان وفوق الكدا يلتقط الثمار ويسكن الأشجار،همه لقمة عيش بها تزوده الطبيعة،ويضمنها له الحيوان والماء،....بل أصبح أسير الجديد مفتنا بالصورة المتحركة غير مكتف بالصوت ولا بالحكاية الشفهية ،إنه يريد أن يعيش الخبر لحظة حدوثه وله الحق في ذلك ،لكنه وبفضل التطورات العالمية على مستوى المعلوماتية والتقنيات الحديثة ،قطع شوطا عظيما نحو الخبر والرأي، ويكاد يبلغ اليوم  آخر قمة في سلم  التعبير في ظلال الحرية  ، ذلك ما يعكسه واقع حقل الإعلام اليوم في موريتانيا !
فعلا لقد أصبح إعلامنا اليوم مهزلة مرتجلة بيد صبية أحداث سن يتقلبون بين مد الرقابة الضيقة وجزر الخبرة الهواية، حتى أنك لتتغاضى ببصرك حلما عن العناوين المدرجة في صفوف الصفحات ، ولم يقف الأمر عند حد الجرأة والتقول ،بل تجاوز ذلك نحو النسخ واللصق ، دون إحالة للمصدر ولا إشارة ولو ضمنية تعطي الخبر حق النشر والقراءة ،ويكتفون بصور تخدم الخبر وتهبه جسما آخر وحياة جديدة ،
وترى بعضهم يتلقف الشائعة من فم الشارع ويلبسها أثوابا قشيبة ، ويدخلها حماما التنظيف ،لتخرج في أبهى حللها المألوفة ، طازجة وخالية من الدسم ، وأحيانا من الكوليسترول، فتجد صداها مدويا في فضاء الأخبار الساخنة، وتقرؤها الآلاف المؤلفة، ويعجب بها السواد الأعظم، محاكية بذلك فخر المتنبئ أيام سيف الدولة الحمداني:
 وما الدهر إلا من رواة قصائدي          إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا
     وسار به من لا يسير مشمرا                 و غنى  به  من لا يغني مغردا 
                          
ديدي أحمد سالم                                    

اثنين, 01/02/2016 - 10:20

          ​