رواسب البداوة تهدد ثروة الحرية في موريتانيا

رغم ما يعيشه الأنسان الموريتاني اليوم من حضارة وبذخ ومعاصرة لروح النهضة العاليمة وتفننه في محاكاة الغرب والمجتمعات الراقية، إلا أن رواسبا من البداوة ما زالت تغوص في أعماق شخصيته وتحول بينه وبين الاستفادة من منح الحضارة وذلك ما يظهر في سوء استخدامه لمبدأ الحرية والديمقراطية وحرية الرأي في دولة فتية لا تزال تعيش أيام شابها الأول.

إن الحرية هي مبدأ من مبادئ المسؤولية والعمل و أساس من أساسيات الحياة والتعايش ومظهر من مظاهر التحضر ووجه من أوجه اكتساب النظام الديمقراطي الحديث ودليل على ازدهار العلاقة بين الحاكم والمحكومين، وذلك ما يظهر جليا في أقلام الكتاب والصحفيين وعلى ألسنة السياسيين وخصوصا الخصوم المعارضين منهم عند الحديث عن نواقص النظام  ومآخذهم عليه.

لكنه لكل مبدإ حدود كما له بداية فحين تبلغ الحرية المساس من أعراض الناس أو التطاول على المقدسات أو تبلغ شخص الرئيس أو أحد رموز الوطن العليا  فإنها تنقلب إلى أظفار يجب تقليمها بسرعة حتى لا تودي بصاحبها قبل غيره.

وكثيرا ما نشاهد استخدامات خاطئة لمبدء حرية الرأي والمنهج الديمقراطي المنتهج في السياسة المحلية هنا في موريتانيا، ودائما ما يكون بطل الخروج على حدود الحرية هو أحد مثقفينا من بين الاعلاميين أو السياسين القدوة، وهو أمر يستوجب علينا إعادة صياغة مفهوم الحرية التي نتخبط في أكنافها يمينا وشمالا حتى أصبحنا نبذرها كثيرا ونفسد استخدامها كما نفعل بالماء والكهرباء و بغالب ثروتنا الطبيعية،.

فلا يكاد يمر علينا يوم من الحياة إلا ويطالعنا أحد السياسيين المبرزين بخرجة لم يك أحد يتوقع أن تخرج من فم مواطن جاهل فكيف بها من لسان مثقف يعرف حدود الكلام ومقاصده، ويبلغ به الأمر أن يتطاول وبكل جرأة على أعراض الناس ويحز بكلماته في ما يشاء من رموز البلد وكأننا نعيش فوضى عارمة أوجاهلية أولى أولا يحكمنا غير الرغبة والمصلحة، ولا وازع يقف بيننا مع اي حدود.

إننا من هذا المنبر نطالب بإعادة صياغة مبدأ حرية الرأي المتاحة للمثقف الموريتاني فقد بدا أنه مازالت روح البداوة وأخلاقيات الانتقام المباشر تتحكم في شخصية الانسان الموريتاني ولم يصل بعد للمكانة التي تخوله أن يمنح ما يمتلكه الشعوب العاليمة من الحرية والديمقراطية حتى يبدي رأيه، فهو لا يزال أسرع إلى البربرية والجاهلية والمبالغة في البوح بلا حدود ولا احترام لأي مكانة.

وحري بنا أن نعلم أن حصانة البرلماني أو الاعلامي أو أي مسؤول لا تبلغه من المكانة أن يتعالى على رموز الوطن وقيمه ولا أن يتجاوز حدود الحرية ولا أن يحز بلسانه ولا بقلمه في أعراض الناس فلا تتيح المكانة ولا المنصب ولا الحسب لأي كان أن يرمى بشرره على الآخر تحت أي ردة فعل فنحن بلد مسلم ومسالم ولنا قيود وقدوة ويحضرنا الآن الشهر الكريم له آدابه.

إن منسوب الحرية التي منحها هذا النظام القائم هي ثروة كبيرة لكننا أبناء الوطن مازلنا نجهل استخدامها الصحيح وما زلنا نسرفها وعلى الرئيس نفسه أن لا يترك الحبل على الغارب لكل من هب ودب في تناولها، وأن يجعل لها حدودا ومساحة ترعى احترام رموز الوطن ومقدساته وتحفظ أعراض الناس وتسعى لنبذل الفتن والشحناء وزرع روح الأخوة والتسامح والتعايش السلمي حتى تؤتي الحرية أكلها وتتناسب مع روح البداوة والتلقائية والفضوية التي تسود مجتمعنا الكريم.

ديدي نجيب

خميس, 25/06/2015 - 21:49

          ​