جريمة الرق وثقافة احترام القانون

افتتاحية موقع حزب الصواب

المصادقة على قانون جديد يقر عقوبات أكثر صرامة على ممارسي جريمة الرق وممارسيها ويعتبرها "جريمة ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم" خطوة مهمة في طريق استئصال داء فتاك، يمكن أن تضاف وتعزز ما سبقها من خطوات قانونية على طريق محاربة ممارسةٍ هي الأكثر وحشية وازدراء بالإنسان.

وكان آخرها حين تم اعتبار الرق جريمة إنسانية وتثبيت ذلك في ديباجة أعلى وثيقة قانونية وأخلاقية في البلاد هي دستور 2011 ، وقبل ذلك تم الوصول في مسار نضالي متواصل إلى سن قوانين تجريم الرق في 2007، ليضاف الاثنان إلى الأمر القانوني الذي صدر عن اللجنة العسكرية في 9 نفمبر 1981، وقرار إلغاء العبودية سنة قبل ذلك، 5 يونيو 1980 إلى جانب ترسانة القوانين الموروثة من العهد الاستعماري: المرسوم الصادر في 27 ابريل1848، الذي يلغي الرق في جميع المستعمرات الفرنسية، والمرسوم الصادر في 12 دجمبر 1905، المعاقب لكل من يمارس جريمة الرق ب سنتين إلى خمس سنوات سجن، و غرامة 500 إلى 1000 فرنك مع المنع من الحقوق المدنية المحددة في المادة 42 من القانون الجنائي. لكن هل يكفي سن القوانين وحدها لمواجه جريمة بحجم الاسترقاق وتقليص حجم مخلفات ظاهرة متجذرة منذ عشرات القرون؟ خصوصا في مجتمع تتقاسمه عقليات التخلف والجمود الحضاري مع نوازع الطامعين الأجانب وحاملي شعارات المزايدة والتنطع في الداخل؟ وهل يكفي سن القوانين في مجتمع اغلبيته الساحقة وفي مقدمتها ضحايا ممارسة الاسترقاق يفتقرون إلى الحد الأدنى من الثقافة والتعليم، وتسود الفئات القليلة المتعلمة منه ثقافة الاستهزاء بالقانون والاستهتار به، و الإصرار المتنامي على نشر (الوعي) النقيض لاحترام القانون والتعريف به ومتابعة تنفيذه.

 إن سن القوانين وتطويرها والمصادقة عليها عملية ضرورية لتطوير المجتمع والمساعدة على خلق آليات ضبطه الجيد وفق قيم العصر ومُثُلِه كما هو الحال مع القانون الأخير لكنها سيبقى أمرا غير ذي بال إذا لم ترافقه الإجراءات الكفيلة بتنفيذه وجعله ممارسة لدى الناس وعقيدة لدى الجهات التي يطلب منها السهر على تنفيذه، وينبغي أن تكون البداية مع وضع آليات متوسطة وبعيدة المدى في إعداد سياسات واستراتيجية لترسيخ مفهوم احترام القانون لدى الأجيال الحالية واستثمار جهد أضافي في المؤسسات التربوية والهيئات الاجتماعية والمدنية لشرح القوانين المتعلقة بالاسترقاق وتنفيذها ومنع التلاعب بها.كما أن ملفا بحجم الاسترقاق ومخلفاته ينبغي أن يكون ضمن الورشات الكبرى التي تشارك فيها بقوة وحزم الكتل والأحزاب التي هى الوجه المتحرك للفكرة القانونيـة، ويطلب منها ترسيخ الوعي بأهمية النظم والقوانين فى الحياة الاجتماعية قبل أن تكون مجرد أداة للمساهمة فى الحياة السياسية، والتعبير عن المشاعر والامال والأفكار الكامنه لدى قطـاع من المواطنين، هو في هذه الحالة ضحايا الاسترقاق الذين يجب أن يشغلوا بال الوطنين الصادقين واهتماماتهم اليومية، و يتبنون مشاكلهم الكثيرة ويفضحون الممارسات الظالمة التي يتعرضون لها ونقل (النضال) لصالحهم من الفنادق الفاخرة والسفرات والأضواء الكاشفة إلى العيش معهم في قراهم وأحيائهم ونقل الوعي الصحيح إليهم من خلال الجهد النضالي الذي يستمد قوته من عدالة ونبل هذه القضية وكون حلها على قواعد العدالة والإنصاف وجبر الضرر هو المدخل الوحيد لموريتانيا موحدة ومستقرة ينعم الجميع بمزايا الانتماء إليها ويتقاسم الجميع خيراتها الوفيرة التي تكفيهم وتغنيهم عن سؤال الغير والطمع فيما عند بخلاء ما وراء البحار والمحيطات، الذين كانوا دوما الظهير الأول للإقطاع والرجعية وممارسي الاسترقاق والمتشبثين به.

اثنين, 17/08/2015 - 10:17

          ​