قراءة في مفهوم العبودية ومحاولة الإسقاط على تظاهرة ال29

طالما شكلت الحياة ميدانا حقيقيا للتنافس في كل شيء.. هي حيّز مكاني وظرف زماني، حرص الكائن البشري دائما أن يشغلهما أو يستغلها بما يمكّنه من تحويل آرائه إلى أوامر، حاضره إلى تاريخ وطموحاته إلى واقع....

 

من هذا المنظور وبإطلالة بسيطة على تاريخ هذه البشرية نرى تجسُّدَ هذه الحقيقة واقعا امتلأت أو عجّت به كتب المؤرخين... فمصطلح "عبد" ليس جديدا على التاريخ، ولا يمكن للمستقبل أن ينكره أو يتجاهله بأي حال من الأحوال، قد تختلف اليافطة أو الشعار الذي تُدرج تحته تلك الأفعال الوحشية لكن المقصد واحد والجريمة هي ذاتها....

 

وأنا أكتب هذه الكلمات وتحت أهازيج وطبول المناهضين لما أطلقوا عليه " العبودية" ــ وأنا أولهم طبعا ــ واختزلوه في جنس معين أو لون محدد.. تستوقفني كلمة "عبد"، ما دلالتها اللغوية، وكيف سجلها التاريخ في طياته، وبأي حبر أو مداد كتبها؟ تُرى هل كتبها بالأسود ــ فقط ــ لانعدام البث الملوّن أنذاك أم أنه سطرها باللون الأبيض كذلك والعيب في أعيننا نحن لأنها تجد صعوبة في تهجي الأحرف البيضاء؟؟!!نحن إذا أمام معادلة تاريخية، جغرافية، لغوية من الدرجة الرابعة.. وطبقا للنظام المعمول به في الرياضيات فإنه بما أن:ــ الحقيقة اللغوية ثابتةــ الدالة التاريخية دوريةــ ميدان تعريفها الجغرافي معروففسنحتاج لدراسة الدالة في مجال واحد ــ هو معدل الدورة ــولكي يسهل علينا الحل فسنعتبر القرن الماضي هو المجال الذي سندرس فيه الدالة..وبنظرة سريعة على واقع الأحداث في هذه الفترة الوجيزة، نلتقط حقائق تكاد تكون هي المقدمة لكل كتاب طبع في تلك البرهة الزمنية..ــ القانون الأمريكي المجرِّم للعبودية في الولايات المتحدة والناصّ على ضرورة تساوي العرقين(الأبيض والأسود) والموقّع في 1864، لم ينعكس بعد على حياة السود هناك؛ فلا زالت أماكن البيض محفوظة في المقاعد الأولية والمريحة في الباصات، ولا زال الأسود متصلبا واقفا لا يحق له الجلوس(علما أن هذا القانون ظل على الورق 99 سنة قبل أن يبدأ الأمريكيون في تقبله رويدا رويدا)...

 

 

ــ في دول الخليج نبصر هنالك ما يطلق عليه "البدون"... ظلت هذه المجموعة ولا تزال مشردة في مسكنها لكي لا أقول وطنها.. اليومُ ينقضي عليهم أمام الإدارات للمطالبة ليس بإسقاط النظام ـ فمن يجرؤ هناك؟! ـ وإنما فقط بأوراق تثبت انتمائهم لهذا الحيّز الجغرافي أو تلك البقعة من الأرض..ــ في الشرق الأوسط نرى الشيوخ والعجائز وجدوا أنفسهم مضطرين للبحث عن التنفس في أكواخ الجبال، لا لذنب اقترفوه بل فقط لأنهم أكراد أو أرمن.._ في المغرب العربي(عدا موريتانيا) يحدثنا الواقع بلغة التاريخ عن تهميش وتمييز واضح وجلي ضد الأمازيغيين هناك..ــ في أوروبا حدّث ولا حرج، فالشعوب هناك ميزت حتى بين عدسات العيون..ــ في أدغال إفريقيا يحكي لنا الحاضر قبل الماضي عن قتل هذا لأخيه وتلك لابنتها أو أختها، فقط لأن لسانها لا يعبّر ــ عن الأشياء ــ بطريقتها هي أو لكنتها هي تحديدا...والقائمة تطول...إذا العبودية مورست في كل مكان وليست حكرا على الموريتانيين.. هي نتاج تخلف وجهل ومحقها أو سحقها لا يتأتى بالطرق التي جاءت بها.. فهي ليست ضد جنس أو عرق معين وأكبر مثال على ذلك ما تناولناه آنفا...

 

لنقلب الصفحة الآن ونعود إلى حيث توقف بنا الزمن.. والنبتعد قليلا عن الرياضيات، فلا مجال لها هنا الآن.. فالرياضيات تقول لنا أن اجتماع السالبان ينتج عنه موجب، لكن كيف اجتمعا ومن الذي جمعهما حتى:ــ يجد أوباما مكانا له في البيت الأبيضــ تُدرّس اللغة الكردية في مدارس تركيا بعد أن كان نطقها يشكل مفتاح الطريق للإختفاء وراء الشمســ يصبح من بين رجال الحكومة في إيطاليا(ليست إلا مثالا) رجل أسودــ يحصل الآلاف من البدون على على الجنسية في كثير من دول الخليجــ تصبح الأمازيغية لغة رسمية في المغرب ويستمع الأمازيغيون لما يحدث في العالم يتكلم بلسانهم على التلفزيون الرسمي للبلاد.

 

 

أما في موريتانيا الحبيبة فالاختلاف بَيَّن، ولا يمكن الإسقاط هنا.. صحيح كان هناك تمييز عنصري أو بالأحرى استعباد لفئة معينة من الشعب" لحراطين"، نَتَجَ عن نفس الأسباب التي جعلت للأبيض الأمريكي أفضلية على الأسود هناك، التركي على الكردي، السوري على الأرمني...كل هذا يحيلنا إلى أن التمييز العنصري أو العبودية لا علاقة لها بلون أو عرق معين، هي إذا "حرب القوي مع الضعيف" أو بتعبير آخر "علاقة القوي بالضعيف وفق معيار العلم"...لكن منذ نهاية القرن الماضي ـ تحديدا في تسعينياته ــ  بدأ الشعب الموريتاني يتخلى عن فكرة الاستعباد.. ساهم في ذلك ــ إلى جانب أسباب أخرى ــ ظهور مارتن لوثر كينغ الموريتاني،أقصد هنا السيد مسعود ولد بلخير.. فقد ناضل هذا الرجل ـ بقلب صادق ـ من أجل هذه الشريحة.. فله كل الاحترام والتقدير ...

 

غير أنه وفي الآونة الأخيرة ظهرت مسيرات ومظاهرات ضد العبودية أو الاضطهاد في موريتانيا,, نعم يحق لهؤلاء التظاهر متى شاءوا وضد ما شاءوا، لكن في المقابل ألا يحق لنا التساؤل عن بعض النقاط المُحيِّرة في هذه المسيرات أو المظاهرات؟؟مالذي يريده هؤلاء بالضبط؟ المساواة؟من هو رئيس غرفة البرلمان الحالي؟ والذي قبله من أين أتى؟ ألا يوجد وزراء، ولّات، حكام، نواب، رجال أعمال من الطراز الرفيع يمثلون هذه الشريحة في المجتمع الموريتاني؟هل هناك مدارس للسود وأخرى للبيض في بلاد الشناقطة(كما كان عليه الحال في أمريكا مثلا)؟ هل هناك معايير للاكتتاب في مسابقات الدولة تمنع على من لونه أسود الولوج لإداراتها؟ربما هذه الفئة تستحق أكثر كغيرها من فئات ومكونات المجتمع، لكن يبدو أنها أخطأت الطريق..لكن السؤال الأكبر هنا والمحيَّر أكثر هو: لماذا ساندت المعارضة هذه التظاهرة العرقية والتي لن توصل لأي شيء(حسب رأيي المتواضع)، اللهم إن كانت مطالبهم هي إعادة رسم الخريطة أو حرب أهلية!، في وقت تركها مسعود تسير إلى الجحيم؟؟ أم أن الأمر يتعلق بفرصة للظهور ولو من خلف اللافتات للمساومة على مصير الدولة الأمني مقابل مكاسب سياسية؟؟؟

 

جعفر أحمد

خميس, 15/05/2014 - 11:56

          ​