أفضل مونديال في التاريخ!

عندما سحق المنتخب الهولندي نظيره الأسباني 5/1 في أولى مباريات الفريقين في نهائيات المونديال وعندما اكتسح المنتخب الألماني نظيره البرازيلي 7/1 في الدور قبل النهائي، اتضح أن بطولة كأس العالم 2014 في البرازيل ليست مونديالا عادياً… بل بات يعتبر في نهايته الأفضل في تاريخ اللعبة.
وبينما وصل المنتخب الألماني للنهائي للمرة الأولى منذ 2002 وفاز بلقبه العالمي للمرة الرابعة، لكنها الأولى منذ 24 عاماً، وبلغ المنتخب الأرجنتيني النهائي للمرة الأولى منذ 1990، سقط المنتخب الأسباني الفائز بلقب مونديال 2010 في الدور الأول كما نال المنتخب البرازيلي صاحب الأرض صدمة هائلة بالهزيمة التاريخية في المربع الذهبي للبطولة.
ولم يشهد تاريخ بطولات كأس العالم خروجاً مهيناً لحامل اللقب مثلما حدث للماتادور الأسباني في المونديال البرازيلي، كما لم يسبق للمنتخب البرازيلي أن اهتزت شباكه بسبعة أهداف في أي مباراة دولية، لكنه تعرض للهزيمة القاسية على أرضه في أول مباراة بالمونديال يخوضها من دون مهاجمه الشاب نيمار الذي أصيب في مباراته أمام كولومبيا بدور الثمانية.
وودع المنتخب الأسباني المونديال من الدور الأول، بينما خاض المنتخب البرازيلي مباراة تحديد المركز الثالث وخسر أمام نظيره الهولندي صفر/3 قبل يوم واحد فقط من خسارة نظيره الأرجنتيني أمام ألمانيا في نهائي البطولة.
وكان استمرار المنتخب البرازيلي حتى اليوم قبل الأخير من فعاليات البطولة ضمانا لاستمرار أجواء المونديال في مدن البطولة، رغم الحزن الشديد على ضياع فرصة إحراز اللقب السادس. وبدلا من فوز أصحاب الأرض باللقب، كان الجيل الذهبي الحالي للمنتخب الألماني هو من رفع كأس البطولة ليكون التتويج العالمي الرابع للمانشافت، بعد الفوز 1/صفر على التانغو الأرجنتيني في النهائي على استاد «ماراكانا» في مدينة ريو دي جانيرو.
وكان الانتصاران الكبيران 5/1 و7/1 دليلا على أن العديد من الفرق المشاركة في المونديال ألقت بالحذر جانبا، ما ساهم في أن تعادل البطولة الرقم القياسي لعدد الأهداف التي تشهدها نسخة واحدة في بطولات كأس العالم، حيث شهد المونديال البرازيلي 171 هدفا بالتساوي مع بطولة 1998 في فرنسا. وتصدر الكولومبي خيميس رودريغز قائمة هدافي المونديال البرازيلي برصيد ستة أهداف، كما شهدت البطولة أكثر من مباراة أخرى شهدت عددا كبيرا من الأهداف، مثل فوز فرنسا على سويسرا 5/2 والجزائر على كوريا الجنوبية 4/2 وألمانيا على البرتغال 4/صفر.
وجاءت الأهداف الغزيرة في البطولة لترد بقوة على المشككين في إمكانية تسجيل أهداف عديدة في هذه البطولة، أو تقديم عروض هجومية قوية في ظل الظروف المناخية الصعبة في بعض المدن البرازيلية وطول مسافات السفر بين المدن والتي كان متوقعا أن تصبغ أداء المنتخبات المشاركة بالحذر أكثر من المخاطرة الهجومية.
وقال الفرنسي جيرار هوييه المدرب السابق لليفربول الإنكليزي، وعضو لجنة الدراسات الفنية للبطولة: «كأس العالم في البرازيل هي الأفضل من حيث المستوى والمتعة الكروية».
واتسمت المباريات السريعة بالقوة البدنية التي تراوحت بين عدد قياسي من الأخطاء المرتكبة بين لاعبي الفريقين المتنافسين تجاه بعضهم البعض في مباراة البرازيل وكولومبيا بدور الثمانية وإصابة نيمار مهاجم السامبا البرازيلية وحتى واقعة «عض» لويس سواريز مهاجم منتخب أوروغواي لجورجيو كيليني مدافع إيطاليا خلال مباراة الفريقين في دور المجموعات. وقرر الاتحاد الدولي للعبة إيقاف سواريز، الذي أنهك المنتخب الإنكليزي من خلال هدفيه اللذين قاد بهما المنتخب الأوروغواني للفوز على الإنكليز. وفرض الفيفا عقوبات مغلظة على سواريز ومنها إيقافه أربعة أشهر عن ممارسة اللعبة، بينما لم يحصل لاعبون آخرون حتى على إنذار رغم ارتكابهم أخطاء أكثر خطورة.

 


وأوضح الفيفا أن الحكام لم يشهروا أي إنذار في وجه أي لاعب بدعوى اقترابه من الكرة لدى تسديد المنافس الركلات الحرة، بعد استخدام «الرذاذ المتطاير» من الحكام لتحديد مكان الحائط البشري الدفاعي لدى تسديد المنافس للركلات الحرة. كما شهد المونديال البرازيلي بداية ناجحة لتطبيق تقنية خط المرمى في بطولات كأس العالم، ومن خلالها احتسب الحكم هدفا صحيحا لفرنسا في مرمى هندوراس.


ولم يكن هناك أي شك بشأن الهدف الذي سجله الهولندي روبن فان بيرسي برأسية مثيرة في مرمى أسبانيا والهدف الرائع للكولومبي رودريغز في مرمى أوروغواي في دور الستة عشر، والذي يعتبره كثيرون الهدف الأروع في المونديال البرازيلي.

 


كما أكدت أحداث البطولة مدى استفادة منتخبات أمريكا الجنوبية من إقامة البطولة في قارتهم حيث كان المنتخب الإكوادوري الوحيد من ستة ممثلين لهذه القارة الذي ودع المونديال من الدور الأول، بينما عبرت منتخبات البرازيل والأرجنتين وتشيلي وكولومبيا وأوروغواي دور المجموعات إلى دور الستة عشر.

 


وتضاعف الحماس الجنوب أمريكي بشكل مفرط ومبالغ فيه أحيانا مثلما حدث عندما حاول مئات من مشجعي تشيلي دخول المركز الصحفي باستاد «ماراكانا» رغم عدم حصولهم على تذاكر. وأوقفت السلطات البرازيلية هؤلاء المشجعين وحرمتهم من اجتياح الاستاد، مثلما انشغلت السلطات البرازيلية بالتحقيقات في الاشتباه في تورط بعض شركاء الفيفا في التربح من بيع تذاكر المونديال، الى درجة وصلت فيها الارباح في السوق السوداء إلى مليوني ريال برازيلي (910 ألف دولار) من المباراة الواحدة.

 


وسارت منتخبات اتحاد كونكاكاف (أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي) على نهج منتخبات أمريكا الجنوبية حيث شق المنتخب الكوستاريكي طريقه بنجاح هائل إلى دور الثمانية، وكاد أن يفجر فيه المفاجأة الأكبر على حساب الطاحونة الهولندية، لكن مغامرة الفريق انتهت عبر ركلات الترجيح. وكان المنتخب المكسيكي أيضا متقدما 1/صفر على الطاحونة الهولندية حتى الدقيقة 88 في دور الستة عشر قبل أن يخسر في الوقت القاتل.

 


كما حقق حارس المرمى الأمريكي تيم هاورد رقما قياسيا جديدا في مباريات كأس العالم من خلال تصديه لـ15 فرصة خطيرة خلال المباراة أمام بلجيكا في دور الستة عشر. وأكد تألق هاورد حارس مرمى إيفرتون الإنكليزي أنه على رغم الأهداف الغزيرة التي شهدتها البطولة، وصل أداء حراس المرمى لمستويات رائعة، حيث أدى الألماني مانويل نوير الفائز بالقفاز الذهبي لأفضل حارس في المونديال البرازيلي، دور الليبرو أحيانا، خصوصاً في المباراة التي فيها المانشافت بصعوبة على المنتخب العربي الوحيد المشارك في المونديال الجزائر.

 


لكن ما من فريق حافظ على مستواه العالي على مدار مباريات البطولة. وعلى سبيل المثال، استهل المنتخب الألماني مسيرته في البطولة بفوز كبير 4/صفر على البرتغال، لكنه تعادل بصعوبة في المباراة التالية مع نظيره الغاني 2/2 وفاز بصعوبة على المنتخب الأمريكي 1/صفر، كما احتاج الفريق إلى الوقت الإضافي ليفوز 2/1 على الجزائر في دور الستة عشر، بينما حقق فوزا تاريخيا 7/1 على المنتخب البرازيلي في المربع الذهبي ثم فاز على المنتخب الأرجنتيني 1/صفر في الوقت الإضافي للمباراة النهائية. وقال يواخيم لوف مدرب المنتخب الألماني: «أعتقد أننا حققنا الفوز باللقب عن جدارة. قدمنا أفضل أداء من بين جميع الفرق على مدار المباريات السبع التي خضناها في البطولة».


وكان المنتخب البرازيلي محظوظا للوصول إلى الأدوار النهائية في ظل التوقعات الهائلة الملقاة على عاتق الفريق من قبل 200 مليون مواطن، حيث احتاج الفريق إلى ركلة جزاء مثيرة للجدل لقلب تأخره بهدف إلى فوز ثمين 3/1 على نظيره الكرواتي في المباراة الافتتاحية للبطولة. كما أنقذت العارضة المنتخب البرازيلي في اللحظة الأخيرة من الوقت الإضافي في المباراة أمام تشيلي بدور الستة عشر لينتهي اللقاء بالتعادل ويحتكم الفريقان لركلات الترجيح التي حسمت الموقف لراقصي السامبا.


وكان المنتخب الإيطالي، الفائز بلقب المونديال أربع مرات سابقة، من الفرق التي قدمت عروضا أقل كثيرا من مستواه، وكذلك المنتخب الإنكليزي، ليودع الفريقان البطولة من الدور الأول. وكان تشيزاري برانديلي مدرب المنتخب الإيطالي واحدا من مدربين عدة تركوا منصبهم بعد خروج فرقهم صفر اليدين من البطولة. ولم يكن الأمر أفضل حالا للمنتخب البرتغالي، حيث ودع الفريق ولاعبه كريستيانو رونالدو، الفائز بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم عام 2013، البطولة من الدور الأول.
وفشل المنتخب الهولندي في هز الشباك على مدار 240 دقيقة خاضها في مباراتيه بدور الثمانية والمربع الذهبي، رغم أنه تصدر مجموعته في الدور الأول للمونديال بعدما أحرز عشرة أهداف في المباريات الثلاث أمام أسبانيا وأستراليا وتشيلي.

 


وجذبت منتخبات أفريقيا، مثل المنتخبين النيجيري والغاني، الاهتمام الإعلامي بشكل أكبر على الأحداث خارج الملعب وذلك رغم بلوغ المنتخب النيجيري للدور الثاني مثل نظيره الجزائري. وكان النزاع على المستحقات المالية هو بؤرة الاهتمام الإعلامي المسلط على بعض المنتخبات الأفريقية.


وفي المقابل، كان المنتخب الفرنسي الفائز بلقب مونديال 1998 مفاجأة سعيدة في المونديال البرازيلي، حيث استعاد الفريق اتزانه وارتباطه بالجماهير من خلال العروض القوية في الملعب والالتزام خارجه ليمحو بهذا الصورة التي انطبعت عن الفريق بعد مشاركته الكارثية في مونديال 2010 بجنوب أفريقيا، عندما نهشته المشاكل الشخصية والداخلية بين اللاعبين والجهاز التدريبي. لكن الفريق خسر في مواجهة الماكينات الألمانية بدور الثمانية واكتسب احترام الجميع.


وانطلق المنتخب الأرجنتيني عبر الأدوار المختلفة رغم عدم ظهور نجمه الشهير ليونيل ميسي بالمستوى الرائع المنتظر منه. وفاز الفريق بجميع مبارياته في البطولة بفارق هدف واحد أو عبر ركلات الترجيح وذلك أمام عشرات الآلاف من مشجعيه الذين حرصوا على السفر خلفه إلى مختلف المدن البرازيلية التي أقيمت فيها مبارياته.


وبينما لم يحرز المنتخب البرازيلي لقب البطولة، نظم هذا البلد بطولة رائعة بعد سنوات من الشكوك والتأخيرات والقلق بشأن عملية التنظيم وهو ما قد يصبح الآن دفعة جيدة تدعم تنظيم مدينة ريو دي جانيرو لأولمبياد 2016 كما يصعب هذا من موقف مونديال 2018 في روسيا الذي أصبح مطالبا بمستو أعلى من النجاح… لأن الانطباعات السائدة أن المونديال البرازيلي هو الأفضل في تاريخ اللعبة.

أحد, 20/07/2014 - 11:59

          ​