التصريح بالممتلكات في إطار محاربة الفساد : رواندا نموذجا / محمد امربيه رب الشيخ ماء العينين

ترتبط رواندا في أذهان الكثير من الموريتانيين بالحرب الأهلية و إبادة التوتسي، و إن كان هذا صحيحا، فأيضا رواندا، بعد مصالحة وطنية و منذ سنوات، قطعت أشواطا كبيرة في محاربة الفساد حتى أصبحت مثالا يحتذى به في افريقيا.

اردت اليوم أن أدرس معكم جانبا من الحرب على الفساد في رواندا و المتعلق بالإجراءات المتبعة في مجال التصريح بالممتلكات من قبل المسؤولين و محاولة مقارنتها مع الإجراءات المتبعة في موريتانيا.

 

من المعروف أن الفساد غالبا ما يكون سريا حتى إن مؤشر منظمة الشفافية العالمية في هذا المجال يسمى مدركات الفساد أو المدركات الحسية للفساد لأن عمليات الفساد لسريتها ليست متوفرة بأرقام و أدلة، أكثر ماهي مدركات حسية و بالتالي يعتبر حصر ومراقبة التغييرات التي من الممكن أن تطرأ على ثروة و ممتلكات المسؤولين و المسيرين للشأن العام من أهم ركائز محاربة الفساد.

 

في رواندا توجد هيئة تسمى مكتب وسيط الجمهورية و هي هيئة دستورية و الجهة الأكثر أهمية في مجال محاربة الفساد. من بين مهام المكتب الكثيرة و المتنوعة، تلقي و فحص تصاريح الممتلكات لمسؤولي الدولة.

 

التصريح بالممتلكات لا يخص فقط رئيس الجمهورية و المسؤولين الكبار للدولة بل أكثر من ذلك بكثير. يقدر أن هناك حوالي 5000 مسؤول يصرحون بممتلكاتهم لمكتب وسيط الجمهورية ! ، من بينهم : الرئيس، الوزراء، القضاة، ضباط الجيش و الشرطة، مديري الشركات العمومية، مدير الخزينة العامة، مدير الضرائب و جميع وكلاء تحصيل الضرائب، المديرين و رؤساء المصالح في جميع مرافق الدولة، رئيس لجنة الصفقات العمومية و جميع أعضاء لجان الصفقات، مسؤولو إدارة الأراضي، مديرو المدارس العمومية ...إلخ.

 

طبعا التصريح لا يكتفي بالشخص فقط بل أيضا أفراد عائلته و ليس فقط عند التعيين أو انتهاء المهام، بل كل سنة ليتمكن المكتب من مقارنة تصريح العام الجاري مع العام السابق.

يحتوي التصريح من بين أمور أخرى على مصدر الممتلكات، تاريخ الامتلاك، قيمة الأصول و وقت اقتنائها. جميع التصاريح سرية و لا يمكن أن يطلع عليها سوى رئيس المحكمة العليا أو وكيل النيابة في حالة متابعة المسؤول في قضايا فساد.

 

في موريتانيا ما يتعلق بالتصريح بالممتلكات يوجد في القانون رقم 054-2007 الصادر بتاريخ 18 سبتمبر 2007 ، حسب علمي القانون شبه معطل و هذا حال كثير من القوانين، خصوصا التي لم تصدر بعد حصول قناعة من السلطات المحلية بأهميتها، بل اصدرت تماشيا مع توصيات لجهات دولية مثل الأمم المتحدة. لا يمكننا في المحافل الدولية تفسير عدم إصدار قانون في الشفافية المالية أو محاربة الفساد، لكن في نفس الوقت، غياب قناعة راسخة لدينا بأهمية هذه القوانين، يحول دون تطبيقها لتبقى حبرا على ورق.

 

المهم، هذا القانون يلزم كثيرا من المسؤولين بالتصريح بممتلكاتهم أمام هيئة الشفافية المالية للحياة العامة. الأعضاء الرئيسين للهيئة هم رئيس المحكمة العليا، رئيس محكمة الحسابات، و رئيس المجلس الإسلامي الأعلى. عدد المسؤولين المطالبين قانونيا بالتصريح بممتلكاتهم أقل من رواندا بكثير، لكن يظل عددا لابأس به. لكن هل يصرح كل هؤلاء المسؤولين بممتلكاتهم أمام هيئة الشفافية المالية، حقيقة لا أعرف . ! التصريح في موريتانيا ليس إلزاميا كل سنة كما هو في رواندا، بل كل سنتين أو إذا طرأت زيادة معتبرة في ممتلكات المسؤول.

 

نلاحظ أن الفوارق بين القانون في رواندا و في موريتانيا ليست كبيرة جدا، لكن المشكلة تكمن في تفعيل القانون وأيضا في إمكانية التأكد من صحة التصاريح.

لن يكفي تفعيل القانون، لأنه ببساطة ليست هناك إمكانية من التأكد إن كان التصريح بالممتلكات الذي قدمه المسؤول صحيحا أم أن الأخير صرح فقط بجزء من ممتلكاته.

 

على سبيل المثال من الممكن اليوم شراء عقار بقيمة 100 مليون أوقية و إبرام عقد بيع عرفي عن طريق "الإمام الموثق"، إذا قام مسؤول من الدولة بالقيام بهذه العملية كيف يمكن أن نتأكد أن ثروته زادت ؟، هذه العملية غير مسجلة. أذكًرُ أن المادة 956 من المدونة التجارية تفرض استخدام الشيك أو الحوالة المصرفية في كل معاملة تجارية تزيد قيمتها على 100 ألف أوقية قديمة. هذه المادة أيضا غير مُفعّلة. مازال بالإمكان اليوم سحب 100 مليون أوقية من البنك و شراء عقار أو سيارات دون أن تكون هذه العملية موثقة وهذا يجعل شبه مستحيل حصر ممتلكات الأشخاص و معرفتها إذا دعت الحاجة لذلك في إطار، مثلا، تحقيقات في ملفات فساد.

تبقى أيضا تكاليف التوثيق لدى الموثقين المعتمدين كبيرة مما يحتم على البعض اللجوء للعقود العرفية. حتى العقود الموثقة مع العلم أنها تسجل لدى المحكمة، تظل هذه المعلومات غير مرقمنة مما يصعب عمليات البحث عنها عند الحاجة.

في الأخير ما لم تفعل القوانين وخصوصا توضع وسائل و آليات تمنع إمكانية التصريح الكاذب لن نتمكن من محاربة الفساد بشكل فعال. كل الممتلكات يجب أن تكون مسجلة و مرقمنة و مربوطة بالرقم الوطني.

اثنين, 21/09/2020 - 13:02

          ​