رصيد الخواطر..ربما ستروني في الزيارة المقبلة (14) / د.محمد محمود سيدينا

في البداية كان المؤسسون الأوائل -حسب بعض التفسيرات- حريصون على تجميع الناس لإستقبال قادة البلد في زياراتهم ... في ذلك الوقت كانت الساكنة قليلة و مشتتة في الفيافي و كان إيمانها بالدولة ضعيفا بل كان شعورها بوجود دولة جامعة شبه منعدم...

غير أن ظاهرة تجييش الناس و تنقلهم من ولاية الى ولاية بهدف إستقبال رئيس الجمهورية في زياراته... هذه الظاهرة أضحت عبئا ثقيلا على الدولة و على السكان أيضا... بل صارت تظاهرة للتملق و النفاق و البذخ و التسيب و أشياء أخرى سيئة...

ليس عيبا أن يتم إستقبال شعبي للرئيس من طرف الساكنة حيث يقوم بزيارة تواصل و تفقد بل هذا واجب... السيء هو تنقل الأطر و الموظفين غير المعنيين من أماكن عملهم لإستقبال رئيس الجمهورية.

***

في هذه الأيام تكتشف ساكنة تيرس الزمور- على غرار بقية الولايات في كل مناسبة- حقيقة أن ولايتهم غنية بالأطر و الوجهاء و رجال الأعمال و بالمنتخبين أيضا... يكتشفون ذلك و هم يستقبلون مواطني ترغ زينة هذه الأيام في كامل زينتهم و أبهتهم التي لا تخطئها عين... المؤسف في قصة هذا الإكتشاف أنه سيتبخر بعد حين حين يغادر هؤلاء الولاية في أثر فخامة رئيس الجمهورية دون وداع عائدين الى مساكنهم الفخمة في طيبة الذكر "تفرغ زينة" .

***

كنت مرة قد إقترحت التالي بالنسبة للمتخَبين في كل بلدة: إلزامهم بالبقاء مع السكان الذين انتخبوهم و إلزامهم عند مغادرة البلدة بوثيقة سماح من السلطات المحلية تبين المهمة التي خرجوا من أجلها و المدة التي سيقضونها خارج بلدتهم... هذا الإجراء سيسمح لهم بأن يعيشوا الإحساس الدائم بمعاناة مواطنيهم أو ربما يعيشون معهم الرفاهية إن كان الناس يعيشونها... و سيسمح أيضا للمواطنين بوجود وسطاء فريبين منهم يلجؤون إليهم لطرح مشاكلهم و نقلها لاحقا للجهات المعنية لعلها تجد لها حلا.

في الواقع و وفق المنطق البسيط جدا لا يوجد مسوغ لأن يعيش عمدة بلدية نائية -مثلا- في طيبة الذكر "تفرغ زينة" و مثله صاحب المجلس الجهوي و كذلك النائب الذي يمكن أن يسمح له بالمغادرة للمشاركة في الدورات البرلمانية ثم يعود لدائرته فورا.

***

لو كان لي من الأمر شيء- و الحمد لله على العافية- لأرسلت اليوم من يقف على معبر اتواجيل يدقق في أفواج المغادرين... فمن كان منهم منتخَبا أرجعته الى دائرته و من كان إطارا أو رجل أعمال ألزمته بدفع إشتراك شهري في مشروع توفير الخدمات الضرورية لساكنة ولايته و حماية بئتها المهددة بالإفساد.

هل ترون في هذا الإجراء تعسفا؟... كلا كلا... إنه إجراء يهدف الى إعطاء معنى لأن يكون أحدهم منتخبا أو إطارا أو رجل أعمال يتباهى بالإنتماء لولايته.

***

الخلاصة أيها السادة هي أن الفوضى لا تبني بها الدول و أن التمظهر و الإستعراضات البالونية ربما تعطي الإنطباع الزائف و لكنها لا تؤسس لحياة كريمة...

 و يبقى التذكير بأن أفضل ما يجب القيام به من طرف أي "إطار أو منتخب" دعما للرئيس و برنامجه هو أن يبقى في مكانه و أن يخدم مواطنيه و بلدته بجد و إخلاص... و خير الكلام ما قل و دل.

د. محمد محمود  سيدينا.

أربعاء, 04/11/2020 - 13:07

          ​