ذلك الشيئ الذي يسكننا ونعيشه

إن الحادثية التي نعيشها نحن البشر هي ما يعطي للإنسان حدود اجتماعه بالآخر؛ فلن يبلغ الانسان من الرقي والتمدن والصعود في سلم الحضارة، مبلغا يعوضه مكان الآخر في حياته، ما دام يتمتع بشعوره وعقله وصحته الجسمية والنفسية.

ذلك أن "بشرية" الانسان لا تتحقق له إلا باضطراره وخضوعه لتلك الاشياء التي تخفيها طبيعته، وتعبّر عنها لغته، وتنزعج منها جماعته، ويعيّره بها السخفاء والسفهاء.

كما أن الذي يحقق "إنسانيته"كبشر ليس شكله ولا لغوه فقط، وإنما معايشته وإلفه وحنينه لأبناء جلدته،فقد يخالف الشكل المضمون؛ فجمال المهى وقامة البطريق وجسم القرد وصوت الببغاء، كلها مظاهر تشبه الانسان بالحس وتخالفه في المعنى.

كما أن اللغة التي تميزه عن غيره ليست للمتكلم وإنما للمستمع، ومن أجل ذلك يحصل التواصل، فهي ملك المجتمع ومن خصائص الجماعة البشرية.

إن قيمة الآخر في حياتنا تتجاوز الضرورة والحاجة إلى طبيعة تحدث بالصدفة دون أن نشعرها.

لكن الحادثية تبقى هي الدليل على كل تلك الخصائص البشرية التي تربطنا ببعضنا لنكون مجتمعا وفق بعض العلاقات والانظم الاجتماعية المترتبة على العادات والتقاليد السائدة في المجتمع.

كما أن الحادثية هي باب الذات ومربط الفرس في تحليل وفهم ماهية الشيئ الذي يسكننا ونعيشه، وأعني "الانسان"..

قيمة الحادثية أعظم من اضطرارات نجربها يوميا ونعرف عنها الكثير لكنها باب لمعرفة الانسان من جهة أقرب لحقيقته الراسخة.

ولا يخفى علينا أن الحادثية نعمة تمنحنا قدرات كبيرة على فهم هذا الجسم الجميل الذي نسكنه خلال حياتنا هذه، وبها درب يعيدنا للتأمل لنصعد في رتب المعرفة ونتجاوز الحقائق البيولوجية البديهية عن الانسان.

اثنين, 23/11/2020 - 10:07

          ​