عذرا عزيزي نوفمبر.. فأنا لا أتطور..أحمدفال امحمد آبه

ها أنت تعود يا نوفمبر مجددا، مكررا نفس الزيارة التي بدأتها لي منذ 60 عاما.. وستتواصل إلى أن يشاء الله. ..

عذرا يا عزيزي.. لقد بت أخجل من لقائك، فقد تكررت إطلالاتك علي وأنا في نفس المكان، وعلى نفس الهيئة.. لن تلحظ فرقا كبيرا بين زيارتك هذه، وتلك التي مرت عليها عشر سنوات .. أنا كما أنا.. أراوح مكاني، لا أتقدم خطوة إلا لأرجع باثنتين إلى الوراء.. هل تصدق أنني حتى الآن، ورغم مرور 60 عاما على "ولادتي" ، ما زلت عاجزة عن إيجاد تعريف جامع مانع لشهادة الميلاد التي حصلت عليها في الهزيع الأخير من أيامك، ولا أعرف حتى الطريقة التي خرجت بها إلى الوجود ، وهل كان ذلك بولادة "طبيعية" أم "عملية قيصرية"؟.. أعلم أنه قد لا يكون عندك وقت للتفكير في هذه "السفسطة" التي تشغل بال "أولادي" و "أحفادك" منذ عدة سنوات، وأعلم أنني قد أثقلت عليك بذكرها، فأنت ضيف خفيف الظل تحل قليلا بداري ثم ترتحل، لكنك لا ترتحل حتى تدوس على جراحي العصية على الالتئام، وأنت حتما لا تتعمد ذلك، لكن حساسيتي المفرطة تجاه "هويتي" تجعلني أتقلب على صفيح ساخن كلما "جاء تشرين"، وظهرت علامات قدومك أيها "الغالي".. الغالي، رغم كل شيء.

أعرف أنك مررت في طريقك إلينا بعدة "بنات" لك في هذا العالم، ورأيت كيف يتطورن كل سنة، ويستقبلنك بـ"ثياب" غير التي رأيت عليهن السنة التي قبلها ووجوه نضرة، بينما تجدني أنا أسوء حالا مما تركتني ، في الغالب، أو على الأقل على نفس الحالة التي تركتني عليها ، لذلك سامحني يا عزيزي واغفر لي الأذى الذي تسببه لك رؤيتي على هذه الحال، فأنا أقدر مشاعرك وأحترمها، رغم أنني خيبت أملك كثيرا ، وأصبتك بالغثيان لاشك، أكثر من مرة، عن غير قصد طبعا..

لا تتصنع اللامبالاة، ولا تكتم عني شيئا فأنا عليمة بأسرارك ، وأعلم أنه لو كان بإمكانك تغيير مسار رحلتك لجعلتها تمر على بعد عشر سنوات ضوئية على الأقل مني، ولعلك تفكر الآن وتقول، لماذا اختاروني لأكون شاهدا على "ميلادك"؟ لماذا لم يختاروا ديسمبر أو أكتوبر أو شباط؟ .. لقد أخبروني، أيها الغالي، بأنك قلت لهم ذات مرة إنني لن أكون مثل بقية شقيقاتي، وإنك تتوقع لي مستقبلا باهرا، لكن لم تنشب أن خذلتك الأيام، وأرتك مني ما تكره. ... لقد ألهتني الحروب الداخلية، بيني وبين نفسي، وشغلني تحليل الماضي ونقاشه عن النظر إلى الحاضر والتطلع إلى المستقبل، حتى نسيت نفسي وتقاسمني "اللصوص" بينهم..

هل تذكر يا عزيزي نوفمبر تلك الصحراء القاحلة التي ألقيتني فيها وذهبت؟ إنها غنية بالحديد والذهب وكل أنواع المعادن، لكنني لم أستفد منها إلا الأمراض والفقر. .. وحتى البحر الذي كنت أخشاه في البداية ظهر لي أنه صديق يوثق به، لكن كائنات غريبة هاجمته منذ سنوات جعلتني أستوحش منه ولا أقربه، حتى ميتته التي هي حل لنا لا أنال منها ما يسد رمقي. ..

عزيزي.. أنا لا ألومك على شيء، فأنت لا ذنب لك، إنما أريدك فقط أن تدرك أنني قد لا أحتفي بك كما ينبغي، ليس تقليلا من شأنك، بل خجلا منك فقط.. خجلا من أن ترى العالم يتغير من حولي ويتطور، وأنا ما زلت عاجزة عن الحصول على "كهرباء" دائمة، وماء لا يجلب على الحمير كما كان يفعل أهل القرون الوسطى. . عاجزة عن توفير "سكانير" لتحديد عمق "دمغة" في رأس طفل... ما زلت "أسقط مارو والسكر" وأعتبر ذلك إنجازا تاريخيا لا مثيل له.. ما زلت يا عزيزي أنظر حولي فلا أرى أحدا ، ثم أجري في البيداء وأقول : "لله در أبي، ما أسرعني"، والحقيقة أن الجميع سبقوني بسنوات ضوئية.... ما زلت كما تركتني. .. لم أتغير، ولا أظنني أفعل، لكنني مع ذلك أحبك يا عزيزي نوفمبر .

كل شيء هنا يا عزيزي يسير إلى الوراء، ويتراجع، حتى "كرطونة امبسكيت" التي كانت، مع "ليبر من كرته"، تكفي ثلاثة معلمين يوما كاملا "ما اتلات اتسكت إيشير"، فقد نقص وزنها وحجمها، وفقدت نكهتها، ونفس الأمر ينطبق على "امبورو وسليا"، و"باسي والعيش"...إلخ.. وحدهم "الحمير" تضاعفت أعدادهم خلال السنوات الماضية، في العاصمة وفي الولايات الداخلية، وزاد الاعتماد عليهم في نواكشوط...

ولا بأس في أن أعطيك نبذة عن الحمير .. "الحمير" مفسدون، وهذا يعرفه أهل البادية، فـ"الحمار" يأكل كل أنواع الشجر، ويأكل "أكل مودع"، و"يكدم الأرض"، أي "إنتك الصدر من العروق" ويأتي على الأخضر واليابس، وسيان عنده الليل والنهار، فهول يأكل كلما واتته الفرصة، وعلى عكس الحيوانات الأخرى، لا يمكن استخدام فضلاته في إنتاج الأسمدة..ولو أقمت في العاصمة أياما لرأيت بعينيك "شاريتا" واحدا على حمارين، مما يدل على كثرة الحمير في نواكشوط وتزايد "نفوذهم"..

كان بودي لو حدثتك عن معاناتي مع "أبنائي"، مع أنك لاشك مطلع على بعضها، لكن سامحني فأنا مضطرة لإنهاء هذه الرسالة بسبب رداءة خدمات "موريتل" ، وإن سألتني من "موريتل " هذه فسأقول لك إنها سوط يلهب ظهري،، تماما كما تفعل "تازيازت " و"أم سي أم" والصين، و"العسكر" و"زي أفلام"، ومراد علمدار"..

أراك بخير عزيزي، وأرجو أن تعود في المرة المقبلة وأنا أحسن حالا مني الآن..

المخلصة لك دوما ... موريتانيا.

أحمدفال امحمد آبه

ثلاثاء, 24/11/2020 - 11:10

          ​