حديث في المراقبة القضائية/ القاضي محمد ينج محمد محمود فال

يمكن تعريف الرقابة القضائية بأنّها مؤسسة قانونية انطلاقا منها يمكن إخضاع المتهم المتابع بسبب شبهة ارتكابه لجريمة معاقبة بالحبس أو بعقوبة أشدّ لإجراء أو أكثر من إجراءات محدّدة قانونا تحدّ من حريّته لأسباب على علاقة بمتطلبات التحقيق أو الحفاظ على الأمن (- Raymond Guillien - Jean Vincent et d’autresLexique des termesjuridiquesDalloz 13 édition 2001 p 158) وسنتناول الرقابة القضائية عبر مطلبين نتناول في أوّلهما مبرّرات الإخضاع للرقابة القضائية ....ولمن له الوضع فيها وكيف يتمّ ولكم من الزمن ثمّ نخصص المطلب الثاني للحديث عن طريقة تبليغ الأمر .... واستئنافه وتعديله ووظائف الهيئات والأشخاص المشرفة على تنفيذ الرقابة القضائية

 

المطلب الأول: أسباب الوضع في الرقابة القضائية ومن له الوضع رهنها ومدّتها وماهية الإجراءات التي يمكن الإخضاع لها بسببها

 

اـ مبرّرات الإخضاع للرقابة القضائية:يستشف من  المادة: 138 من ق إ ج أن الحبس على ذمة التحقيق إجراء استثنائيولا يلجأ إليه قاضي التحقيق إلا في حالة ما لم يكن الوضع تحت الرقابة القضائية مناسبا وهذا ما يؤكده المستفاد من الفقرة الأولى من المادة: 123 من ذات القانونفالأصل انطلاقا من منطوق ومفهوم صدر المادتين: 123 و 138 من ق إ ج  هو إخضاع المتهم للرقابة القضائية الذي له هدف وحيد هو ضامن حضور المتهم وذلك ما لم تكن تتطلب إيداعه أمور من قبيل:

 

ـ مصلحة التحقيق مثل الخشية من هرب المتهم أو إخفاء الأدلة

 

ـ المحافظة على الأمن

 

ـ المحافظة على النظام العام

 

ـ الخوف من ارتكاب جرائم جديدة

 

وتسبيب الأمر القاضي بالوضع رهن الرقابة القضائية بشكل واضح بمصلحة التحقيق أو المحافظة على الأمن من الأمور اللازمة حسب قرار صادر عن الغرفة الجزائية بمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ: 08/ 08/ 1995 في النقض رقم: 95-82 .561( Légifrace ) أمّا تسبيبه في موريتانيا فيجب أن يكون بضمان حضور المتهم انطلاقا من صدر المادة: 123 من ق إ ج

 

ب ـكيف يتمّ الوضع في الرقابة القضائية ولكم من الزمنومن له الوضع فيها:

 

ـ السلطات التي لها الوضع في الرقابة القضائية:يتم الوضع في الرقابة القضائية عادة من طرف قاضي التحقيق تطبيقا للفقرة الأولى من المادة: 123 من ق إ ج أو غرفة الاتهام تطبيقا للمادة: 202 من ذات القانون

 

ـ كيفية الوضع في الرقابة القضائية: يتضح من النصوص المتعلقة بالموضوع خاصة الفقرة الأخيرة من المادة: 123 من ق إ ج والنقطة الرابعة من الفقرة الأولى من المادة: 186 من ذات القانون أنّ الوضع في الرقابة القضائية يكون بأمر أو قرار وفي كلّ الأحوال ومهما كان الحال يجب أن يكون الأمر أو القرار القاضي بها مسببا على النحو الذي تمّ التعرض له أعلاهوليس من اللازم في بعض التشريعات تلقي رأي النيابة قبل اتخاذه وفي موريتانيا انطلاقا من مضمون النصوص وما جرى به عمل بعض قضاة التحقيق يحتمل أنّه يجب التمييز بين حالات منها:

 

ـ كون المتهم محالا في الحال من طرف النيابة العامة مع طلب فتح تحقيق معه واتهامه بتهمة تستوجب الحبس أو عقوبة أشد ومطالبتها أعني النيابة بإيداعه ففي هذه الحالة يمكن أن يصدر قاضي التحقيق أمرا بوضع المتهم رهن الرقابة القضائية دون استطلاع رأي النيابة العامة لكن يتم تبليغ الأمر لها تطبيقا للفقرة قبل الأخيرة من المادة: 183 من ق إ ج التي جاء فيها: ( يخطر وكيل الجمهورية بكلّ أمر مخالف لطلباته في اليوم نفسه الذي صدر فيه )وما يقوم به بعض قضاة التحقيق الآن في هذا المجال هو إصدار أمر بالامتناع عن الإيداع ووضع المتهم في الرقابة القضائية بمعنى إصدار أمر بالامتناع عن الإيداع يُضَمّنه الوضع في الرقابة القضائية

 

ـ كون المتهم كان مودعا في السجن من طرف قاضي التحقيق ولم ينته التحقيق معه بعد فهذا يحتمل أنّ من الواجب على قاضي التحقي إشعار النيابة العامة  بعزمه وضعه في الرقابة القضائية قبل وضعه له فيها تطبيقا لعموم المادة: 140 من ق إ ج التي جاء فيها: ( ليس لقاضي التحقيق أن يأمر بالإفراج المؤقت للمتهم إلا بعد أن يحيل الملف مسبقا إلى وكيل الجمهورية الذي يجب أن يقدم طلباته في الثماني والأربعين 48 ساعة التالية لتسلمه الملف ) خاصة إذا كان المتهم تمّ إيداعه أصلا تلبية لطلب النيابة العامة وذلك باعتبار أنّ الوضع في الرقابة القضائية يتضمن إفراجا مؤقتا عن المتهم بمعنى من المعاني هذا مع الإشارة إلى أنّ الفقرة الأخيرة من المادة: 185 من ق إ ج تنص على أنّه: ( يوقف أمد استئناف واستئناف وكيل الجمهورية الأمر إذا كان مخالفا لطلباته ) وأنّ الفقرة قبل الأخيرة من المادة: 183 من ذات القانون جاء فيها: ( يخطر وكيل الجمهورية بكلّ أمر مخالف لطلباته في اليوم نفسه الذي صدر فيه ) كما سبقت الإشارة إلى ذلك أعلاه وأنّ النيابة العامة هي التي تقوم بتنفيذ قرارات القضاء الجالس في المادة الجزائية وبالتالي فإذا كانت تعارض وضع مودع في السجن رهن الرقابة القضائية يمكن ألا تنفذ الأمر وتتقدم باستئنافه وفي هذه الحالة سيبقى المعني موقوفا حتى تبتّ غرفة الاتهام في هذا الاستئناف وما يقوم به بعض قضاة التحقيق في هذه الحالة في الوقت الحاضر هو إصدار أمر بالإفراج يتضمن وضع المتهم في الرقابة القضائية وبالتالي فإنّه يكون من الواجب عليهم إبلاغ الملف للنيابة العامة قبل الوضع في الرقابة القضائية نظرا لأنّهم يجعلون وضع المتهم في الرقابة القضائية بجزء من القرار القاضي بالإفراج المؤقت

 

ـ مدّة الرقابة القضائية: تطبيقا للفقرة الأولى من المادة: 123 من ق إ ج تكون فترة الوضع في الرقابة القضائية شهرين وهذه الفترة قابلة للتجديد خمس مرّات ويجب أن يكون تجديدها بقرار مسبّب

 

ج ـبعض الإجراءات التي يمكن أن تتضمن الرقابة القضائية الخضوع لها:

 

تتضمن الرقابة القضائية الخضوع لإجراء أو أكثر من الإجراءات الواردة في المادة: 124 من ق إ ج يختاره قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام بحرية تامة من بين الإجراءات المنصوص على إمكانية الإخضاع لها سواء كان المتهم بالغا أو قاصرا تطبيقا للفقرة الأولى من المادة المشار إليها آنفا وللمفهوم من عموم المادة: 139 من المدونة العامة لحماية الطفل وذلك انطلاقا من تصوره لتناسب الإجراءاتأو تناسبها مع شخصية المتهم ومتطلبات وظروف القضية والضحايا ويحتمل أن يكون من أهمّ هذه الإجراءات:

 

1ـ المنع من مغادرة مكان معين: يمكن أن تتضن الرقابة القضائية أمر المتهم بعدم مغادرة الحدود الترابية التي يحدّد قاضي التحقيق ويمكن أن يصل الأمر هنا إلى منع المتهم من مغادرة منزله إلا وفق الشروط وللأسباب التي يحدد قاضي التحقيق ويكون عليه إخبار قاضي التحقيق بأيّ تنقل خارج الحدود المعينة من طرفه وذلك تطبيقا للبندين: 1 و 2 من المادة: 124 من ق إ ج آنفة الذكر

 

2ـ المنع من زيارة بعض الأماكن: للسلطة التي تضع المتهم رهن الرقابة القضائية أمره بعدم التردد على بعض الأماكن التي تحددها وذلك تطبيقا للبند رقم: 3 من ذات المادة

 

3ـ المنع من اللقاء: لقاضي التحقيق أمر المتهم بالامتناع عن لقاء شخص معين أو أشخاص يحددهم تطبيقا للبند: 11 من المادة: 124 من ق إ ج ويحتمل أن يكون من الواجب إشعار الشخص المعني بذلك وكثيرا ما يكون مبرر اتخاذ هذا النوع من الإجراءات المحافظة على الشخص المطلوب عدم الاتصال بهأو منع لقاء المتهم بشركائه في الجريمة للحيلولة دون التنسيق فيما بينهم Pierre Chambon / Christian Guérydroit et pratique de l’instructionpréparatoireDalloz Action 16 édition p .411....

 

4 ـ التقدم بصفة دورية أمام المصالح والسلطات التي يحدد قاضي التحقيق أو القاضي الذي ينيب: يمكن أن تتضمن إجراءات الرقابة القضائية اشتراط تقدم المتهم بصفة دورية أمام جهة معينة في محلّ سكنه حسب المفهوم من مقتضيات البند رقم: 5 من المادة: 124 والمادة: 125 من ق إ ج

 

5ـ الاستجابة للاستدعاءات:تطبيقا للبند رقم: 6 من 123 من ق إ ج يمكن أن تشمل إجراءات الرقابة القضائية الالزام بتلبية الاستدعاءات الموجهة للخاضع للمراقبة من أيّة سلطة أو أيّ شخص مؤهل معين من طرف قاضي التحقيق

 

6ـ المنع من سياقة السيارات:يمكن أن تتضمن إجراءات الرقابة القضائيةتطبيقا للبند رقم: 10 من المادة: 124 من ق إ ج المنع من سياقة السيارات أو بعضها أو تسليم رخصة السياقة لكتابة ضبط ديوان التحقيق مقابل وصل ويمكن أن يأذن قاضي التحقيق للمتهم بالسياقة في إطار أنشطته المهنية

 

7ـ المنع من ممارسة نشاط معين أو المواظبة عليه: تطبيقا للبندين رقم: 7 و 14 من المادة: 124 من ق إ ج يمكن أن يتضمن الخضوع لتدابير الرقابة القضائية المنع من ممارسة نشاط مهني معين أو المثابرة على ممارسة عمل أو نشاط معين مثل الدراسة بالنسبة للتلميذ مثلا أو الطالب ومنع النشاط المهني لا يمكن أن يمسبالمهام الانتخابية العمومية أو النقابية هذا مع الإشارة إلى أنّ المنع من ممارسة مهنة المحاماة يحال طلبه إلى مجلس هيئة المحامين عبر المدعي العام لدى محكمة الاستئناف ويكون قرار الهيئة قابلا للطعن بالطريقة التي ينص عليها القانون المنظم لمهنة المحاماة وإذا لم تبتّ الهيئة خلال شهرين من تاريخ الإحالة كان لقاضي التحقيق إصدار الأمر بالمنع ويشار إلى أنّه يفهم من المادة: 46 من القانون الجديد المنظم لمهنة المحاماة أن مجلس الهيئة ليس له أن يأذن في التعليق إلا إذا تعلق الأمر بجناية معاقبة بالسجن وخارج تلك الحالة يحتمل أنّ المحامي لا يمكن أن يمنع من ممارسة مهنته مهما كانت الجنحة المتابع بها ممّا يعني أنّ المقتضى الوارد في البند رقم: 14 تمّ تعديله بمقتضيات المادة: 46 آنفة الذكر ويشار إلى أنّه في فرنسا لا يجوز لقاضي التحقيق هذا المنع فيما يبدو من القرار الصادر بتاريخ: (Crim 15 Mai 2002  ) في النقض رقم: 02-81 .116 الخاص بأحد قرارات غرفة التحقيق ( Légifrace ) وتضيف المادة: 128 من ق إ ج أنّ الرقابة القضائية لا يجوز أن تؤدي تدابيرها إلى المساس بحرية الرأي أو المعتقد الديني أو السياسي أو بحقوق الدفاع والنشاط الممنوع يجب أن يكون على علاقة بالجريمة بحيث يكون وقع أثناء ممارسة النشاط المهني أو بمناسبته ويجب أن يكون هذا المنع محلّ تسبيب خاص في القرار القاضي بالوضع في الرقابة القضائية

 

8 ـ تسليم الوثائق: تطبيقا للبند رقم: 9 من المادة: 124 من ق إ ج يمكن أن تشمل إجراءات الرقابة القضائية الأمر بتسليموثائق محدّدة مثل جواز السفر لجهة معينة ويمكن أن تكون هذه الجهة كتابة ضبط المحكمة أو الجهة المشرفة على تنفيذ الرقابة القضائية مثل فرق الدرك أو المفوضيات

 

9ـ عدم إصدار الشيكات: تطبيقا للبند رقم: 15 من المادة: 124 من ق إ ج يمكن أن تشمل إجراءات الرقابة القضائية المنع من إصدار الشيكات وفي هذه المجال تنص المادة: 135 من ذات القانون على أنّ السلطة مصدرة القرار تشعر البنك أو من يسير الحساب مهما كان والبنك المركزي بهذا المنع

 

10ـ المنع من حيازة الأسلحة: ينص البند رقم: 16 من المادة: 124 من ق إ ج على أنّ إجراءات الرقابة القضائية يمكن أن تشمل المنع من حيازة الأسلحة وتسليمها للمصالح الأمنية المختصة مقابل وصل حدّدت المادة: 131 من ق إ ج مضامينه

 

11ـ تقديم ضمانات شخصية أو عينية: يمكن أن تلزم السلطة مصدرة القرار المتهم بتقديم كفالة أو ضمانات شخصية أو عينية تحددها ويبدو أنّ الكفالة يمكن أن تخصص لتعويض أ    ضرارالضحية المحتملة حسب البند: 17 من المادة: 124 من ق إ ج كما يمكن أن يكون الهدف منها ضمان حضور المتهم حسب المستفاد من البند: 13 من ذات المادة ويجب أن تأخذ بعين الاعتبار مدى الضرر الذي يحتمل أنّه لحق بالضحية كما يجب أن يراعي جانبها المتعلق بضمان حضور المتهم الوضع المادي له وذلك تطبيقا للبند السابق وللقواعد العامة للقانون بل إنّ الغرفة الجزائية بمحكمة النقض الفرنسية ذهبت إلى أنّ قرار غرفة الاتهام المتعلق بها يكون حقيقا بالنقض عندما يحددها دون التعرض لمصادر دخل المتهم والأعباء العائلية له ( القرار الصادر بتاريخ:Crim 04 Novembre 2008  ) المتعلق بالنقض رقم: 08-85 .724

 

والكفالة مهما كان هدفها يتمّ وضعها حسب نصّ المادة: 136 من ق إ ج في صندوق المحكمة التي يوجد بها قاضي التحقيق مقابل وصل وفي حالة انعدام هذا الصندوق تودع في صندوق الودائع والأمانات بها

 

12ـ الخضوع لعلاج معين: يمكن أن يكون من بين إجراءات الرقابة القضائية الإلزام بالخضوع لعلاج معين وهذا الموضوع أكثر تناسبا مع المتهمين باستعمال المخدرات والمواد الكحولية حسب المفهوم من البند: 13 من من المادة: 124 من ق إ ج هذا مع الإشارة إلى أنّ المادة: 132 من ق إ ج نصت على إمكانية اختيار المتهم للطبيب المختص أو الهيئة التي تتولى علاجه

 

يتواصل بإذن الله

جمعة, 23/07/2021 - 17:05

          ​