هل يشبه بداح حبيبا إلى هذا الحد ؟.... يعقوب بن عبد الله بن أبـُـــنْ

ما طالعت قصة ذلك المجلس الذى جمع الأمير أحمد بن المعتصم والفيلسوف أبا يوسف الكندي والشاعر أبا تمام إلا و تذكرت بداح بن محفوظ رحمه الله ، وكأن شيئا ما بداخلى ينبهنى إلى أوجه التشابه المتعددة بين حبيب بن أوس الطائى وحبيب بن محفوظ الإيكيدي ، و إلى نقاط التلاقى الكثيرة فى مساري حياتهما. وما هممت بتسجيل بعض تلك النقاط، إلا وتذكرت أن بعض النقاد لا يثق فى البحوث المقارنة، بل يزعمون أنها كثيرا ما تكون انتقائية ومتكلفة ومحسومة النتائج مسبقا، وأن الأحكام المترتبة عنها تختلف باختلاف الباحثين والمبحوث عنهم.لكننى قررت اليوم – بمناسبة ذكرى وفاة الراحل حبيب بن محفوظ- أن أكشف للمتصفحين الكرام عن جملة من الملاحظات الشكلية التى لا تغوص في العمق، ولا يظننَّ قارئ أننى قارنت بين الرجلين فتلك دراسة لا تتوفر لدي مقوماتها.

 

صورة الكاتب المبدع بداح بن محفوظ رحمه الله

الملاحظة الأولى: نفس الإسم حبيب

يحمل الرجلان نفس الاسم حبيب كما أن لكل منهما لقبٌ قد تلقب أو لُقب به.

أبو تمام: هو حبيب بن أوس بن الحارثوبداح : هو حبيب بن سيد بن محفوظ.

تلقب حبيب بن أوس باسم ابنه تمام على عادة العرب، ويبدو أن تماما هذا عاش بعد والده على الأرجح.أما حبيب بن محفوظ فقد أسماه والده باسم الأمير التروزي احبيب بن أحمد سالم رحمه الله، و لقبته والدته باسم الشيخ بداح بن الشيخ أحمد الفاضل الأبهمى تيمنا وتبركا به، ومن المعروف أنه كان ربيبه فهو زوج جدته لأم المومنة بنت الحسن ، فتربى على يديه وكلأه برعايته وحبه.

الملاحظة الثانية: مهد النشأة

ولد أبو تمام وشب فى قرية جاسم وهي إحدى قرى حوران فى بلاد الشام تبعد عن دمشق إلى الجنوب 40 كيلومتر، و ذهب فيها مبكرا إلى الكُتاب ليتعلم القراءة والكتابة و يحفظ القرآن الكريم، ودائما نجد فى شعره ما يوحى بتعلقه بها وحنينه إليها فيقول مثلا:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى***ما الحب إلا للحبيـب الأولكم منزل فى الأرض يألفه الفتى***وحنينه أبدا لأول مـــــــنزل

ولد بداح وترعرع فى قرية انيفرار التى تعتبر واسطة إيكيدى، و تتبع إداريا لمقاطعة المذرذرة. وتبعد عنها 40 كيلو متر إلى الشمال. وقد درس القرآن في كتاتيب توتو بنت حامتو ومحمدفال بن محمذن انَّا رحمة الله عليهما ، كما دخل المدرسة النظامية صغيرا جدا حيث تلقى الدروس تحت الخيمة، وكان من بين مدرسيه الأوائل السيد عبد الفتاح بن دحمان والأديب الراحل محمد بن باكا رحمة الله عليه.

ولقد أحب حبيب انيفرار وذكرها بالإسم أو معبرا عنها ب "احسي ميلود" عدة مرات فى عموده الشهير "موريتانيد"، ويرى البعض أن مقاله الشهير le petit village مستوحا من ذكرياته فيها .كما أحب أيضا طباع أهل "أيروار "عموما و طبع أهل انيفرار خصوصا، فقد كان دائما يروى لزملائه و أخلائه حكايات طريفة مفيدة تنم عن تعلقه بمهد النشأة.

الملاحظة الثالثة: الرحلة العلمية و الثقافة الموسوعية

ترك أبو تمام جاسم إلى مصر حيث لبث فيها خمس سنوات يتردد على جامع عمرو بن العاص يروى نهمه من العلوم الدينية والأدبية من خلال الاستماع إلى الدروس التى تقدم في المسجد ، ويروى هو عطش رواده من خلال بيعه للماء.

ويجدر التنبيه إلى أن الفترة التى كان فيها أبو تمام في مصر تزامنت مع قدوم الإمام الشافعي إليها (195 هجرية) و ابن هشام إمام اللغة في وقته و اسحاق بن الفرات صاحب مالك وغيرهم ,,,, ومن المؤكد تاريخيا أن الإمامين الشافعى و ابن هشام اجتمعا في جامع عمرو وتناشدا الكثير من الأشعار، و لا أرى مانعا من شربهما من مياه أبى تمام و بالمقابل أن يكون هو نهل من معينهما الذى لا ينضب.

وقد مالت نفس أبى تمام بسرعة إلى الأدب العربى فركز عليه وتخصص فيه حتى أن ابن خلكان يؤكد أنه كان يحفظ 14000 أرجوزة عدا الدواوين والقصائد. وقد ذكر البحتري أن باكورة شعر أبى تمام قيلت في مصر في مدح عياش بن لهيعة وفيها يبدو اتجاهه إلى الصنعة واضحا خصوصا حين يقول:

بمختبل ساج من الطرف أحور *** ومقتبل صاف من الثغر أشنب

فكل كلمة في الشطر الأول تقابلها نظيرتها ومثيلتها في الشطر الثانى.

أما بداح فقد ترك انيفرار إلى المذرذرة ليكمل دراسته الإبتدائية في مدرسة Folenfent، وهناك كتب قصيدته الشهيرة La nuit ِ التى اعتمدها المعهد التربوي فى كتبه بعد ذلك كما أكد لنا الأستاذ ول عمير ول ابي ، وقد تشبع بداح في حي "ملكاش" من ثقافتي "المحصر و الديمين" ، و بدا جليا أن نفسه تميل نحو الأدب الفرنسي فحفظ معجم لاروس عن ظهر قلب ، إضافة إلى الكثير من قصائد الشعر السريالى ومعلقات الشعر الفرنسي كأنشودة الخريف Chanson d’automne وغيره...

ترك أبو تمام مصر إلى خراسان طامحا إلى تأسيس سمعته ومجده في تلك الأنحاء المختلفة و قد عكف في هذه الفترة على قراءة ما دون من الشعر العربي، وبعد مطالعته المتأنية الفاحصة للدوواين الشعرية ، طالع الناس بمختاراته الشهيرة ككتاب الحماسة و كتاب الإختيارات من شعر القبائل و كتاب الفحول,

ترك بداح المذرذرة إلى انواكشوط لمواصلة دراسته في إعدادية البنين حيث كتب وجهات نظره على جدران أقسامها على طريقة Dazibao الصينية ، و أنشأ مع زملائه جريدة الأنباء المدرسية، ثم حصل على شهادة الباكالوريا في الثانوية العربية ، والمفارقة العجيبة أن موضوع امتحان مادة اللغة العربية آنذاك كان نصا شعريا لأبى تمام.ويبدو أنه كان قارئا نهمًا فقد طالع أغلب محتويات مكتبة المركز الثقافى الفرنسي فقرأ لأغلب الكتاب الفرنسيين من أمثال لافونتين La Fontaine و فولتير Voltaire وجان جاك روسّو Rousseau و لامرتين Lamartine وهيغو Hugo وبالزاك Balzac وفلوبير Flaubert وغيرهم,,, ، كما قرأ أمهات الأدب العربي المرصوصة في رفوف المكتبات ، كالبيان والتبيين للجاحظ و أدب الكاتب لإبن قتيبة والكامل للمبرد و أمالى أبى علي القالى و غيرها ,,,,

أما عن شدة ولعه بالمطالعة فيؤكد من عايشه أن الثلاثة التى كانت تجلى عن قلبه الحزن هي القراءة والتدخين والشاي , ومن الطريف أنه كان يشترى الجرائد من باعة الوجبات الخفيفة (صاندويش) بأسعار مغرية، حيث يبيعونه الورقة الواحدة بسعر الصاندويش فيترك لهم الخبز والمرق ويذهب هو بالورق.

مرَّ أبو تمام مرور الكرام بالشام و تنقل في الثغور و آذربجان، إلى أن ألقى عصا التسيار في العراق حيث بدأ أزهر أيامه و أخصبها و أذخرها بالإنتاج والحياة والشعر. حيث تلقفت الأندية الأدبية شعره و أذعن له الشعراء ومدح عظماء الدولة واتصل بمجالس الطرب ، ومن الغريب أنه كان يقدم ذوقه الفني فنجده يطرب من غناء مغنية فارسية، لا يفقه مما تقول شيئا:

أيا سهرى بليلة أبر شهر *** ذممت إلي نوما في سواهاولم أفهم معانيها ولكن *** ورت كبدى ، فلم أجهل شجاها

انتدب بداح كـأستاذ مساعد للغة الفرنسية فعمل في مدينة لعيون أربع سنوات و في أطار وانواذيب ثم عاد إلى انواكشوط ليبدأ عصرا ذهبيا تفتقت فيه عبقريته عن روائع الموريتانيد. ويبدو أنه خصص مدة وجوده فى الحوض للخوض فى الموروث الشعبي لأرض البيظان، فحفظ روائع الملاحم التاريخية المعروفة باتهيدين وأمَّات لبتيت كما تعلم الموسيقى الموريتانية بكافة مدارسها وشواهدها، وتاريخ القبائل. و قد انتقى - عن طريق حسه المرهف - من الفنانين الوطنيين سدأحمد ول عوَّ و الموسيقار المختار بن الميداح كما أحب موسيقى الفنان البريطانى مارك اكنوبيير Mark Knopfler .

الملاحظة الرابعة: التميز و الإبداع في الإنتاج

تميز شعر أبى تمام بجودة اللفظ وحسن المعانى وكثرة استخدام التشبيهات والجناس والألفاظ المتشابهة والغموض فى التعبير وكيف لا وهو رائد الصنعة و إمام الشعر فى عصره، وصاحب مذهب جديد يمزج فيه بين طلب اللفظ وطلب المعنى و له فيه استخراجات عجيبة ومعان غريبة تفرد بها بعبقريته ولا أدل على ذلك من أنه أخمل جميع الشعراء في عصره وله أكثر من 150 بيتا سائرا .أما نواحى ثقافة أبى تمام فيمكن التعرف عليها بسهولة بعد مطالعة ديوانه و أولها القرآن الكريم فقد تأثر به كثيرا، و يبدو أنه كان مطالعا لكتب التاريخ والمذاهب الفلسفية المتصلة بالدين والسياسة فى عهده ، كما كان ضليعا في علم النحو فلم يسجل عليه خطأ رغم كثرة حساده.و المتتبع لديوان أبى تمام، يجده غنيا بسرد الأحداث التاريخية الهامة التى جرت في عصره كحرب بابك الخرمي واستشهاد القائد محمد بن حميد الطوسي واجتياح المأمون لأرض الروم و ووقعة أرشق و قتل الأفشين و فتح عمورية ,,,, فإذا قمت بمقارنة أبيات أبى تمام بروايات ابن الأثير واليعقوبي والطبرى وغيرهم، عن أحداث تلك الفترة ستجد أنه كان ينقل الوقائع التاريخية بدقة و أمانة نادرين.

ثقافة بداح الموسوعية جعلته ينتهج منهجا متميزا في الكتابة ،يقوم على الخلط بين عناصر النوع ، فمقالاته غنية بالمعلومات التاريخية واللطائف الأدبية والنكت الانتربولوجية والتضمينات المستوحاة من الموروث الشعبي ... يصاغ كل هذا في قالب أدبي رصين صاحبه يمتلك ناصية لغة مولير، و سطوره تنضح بعبق التأثر بالثقافات المختلفة ،فتجد أحيانا في النص الواحد دعابة الفرنسيين وتهكم بنى ديمان وابركماتية الأنكلوساكونيين وصراحة أهل المحصر وحكمة الأفارقة....تقول كاترين الشيخ *(.....إذا كنا نحن القراء الفرنسيون نجد في ثنايا يراع حبيب نبرة مستوحاة من رابلي , فولتير أو سان انتونيو فإن هذا الأمر ليس مدعاة للعجب. وسيكون ظلما فادحا بحقه إن افترضنا ولو للحظة أنه لم يتعهد قراءة هؤلاء الكتاب. ما أريده بهذا الصدد وبتواضع هو أن أفهم الجمهور الفرنسي أن هذا العقل الذي يبدو أكثر فرنسية ويلجأ غالبا إلى مرجعياتنا الثقافية أنه أيضا وبشكل جوهري عقل "بيظاني".بالتأكيد ليس هذا فكر جميع "البظان" إلا أن التوريات و الكنايات والمعاني المزدوجة تلقى استحسانا في أشعار"البظان" وفي الأدب العربي بصفة عامة. يمكن أن تفاجئك الجرأة والحرية عند حبيب, أما في موريتانيا فيقال "متمحصر" أي من "المحصر" حلة الأمير حيث يعبر أهلها عما في ضميرهم بكل حرية.)

 

جمعت "الموريتانيد" بين دفتي كتاب يتألف من 413 صفحة ، فروت لنا التطور السياسي في موريتانيا ما بين 1991 و 2001 ، كما عكست بجلاء ثقافة مجتمع البيضان، فصارت بمثابة دليل عملي لسوسيولوجيا المجتمع البدوى.

تقول الباحثة كاترين الشيخ *عنها:(....في سلسلة مقالات موريتانيد للجمل حضوره بالإضافة إلى أبطال أخرى ننازعه النجومية (رئيس الجمهورية, القبيلة, كوبني).... الحضور الدائم لشخص, لحدث, لموضوع (اللحية, الجدار, الصحراء, 1212), وتضخيمه إلى حد العبثية هو أحد الأساليب المتبعة في "موريتانيد" لنقد الواقع سواء كان بنيويا أو مرحليا).

الملاحظة الخامسة: نحت العبارات

نحت أبو تمام عدة الفاظ في شعره منها قوله مبطرق البطريق ونجده يشير إلى ذلك صراحة في قوله:

علي نحت المعانى من معادنها***وما علي إذا لم تـفهم البقر

أما بداح فقد نحت عبارات طريفة واستخدمها بعناية في مقالاته ، منها مثلا تحويله لاسم الرئيس الزائرى موبوتو سيسكو Mobutu Sese Seko إبان الحرب الزائرية إلى خبر للتوقف عن إطلاق النار Mobutu cesse ses coups ، كما نحت عبارة Stayabilité تهكما على شعار حملة الرئيس الشهير التغيير في ظل الاستقرار ، هذا دون أن ننسى عبارة Toyotaya التى نحتها بداح بعدما وزع الرئيس آنذاك سيارات من نوع "تويوتا " على الزعامات القبلية قبيل الإنتخبات الأولى...

الملاحظة السادسة: العلاقة بالخلفاء

رأى أبو تمام الخليفة المعتصم أول مرة في المصيصة ، ثم حمل إليه في قصره بسر من رأى ، كما أنشده قصائده بعد ذلك فى طريق العودة بعد فتح عمورية ، ويبدو أن المعتصم لم يكن متذوقا للشعربل كان منصرفا أكثر إلى الشأن العسكري وتوطيد دولته، لكن ذلك لم يمنعه من الإستماع إلى شعر أبى تمام وحتى فى بعض الأحيان إلى نقده عندما خاطبه مرة قائلا: الطائى أشبه بالبصريين منه بالشاميين.

أما بداح فقد التقى الخليفة معاوية أول مرة في حي BMD حين مر به يلعب مع أترابه، فناداه و أعطاه 20 أوقية ، ثم حضر بعد ذلك مؤتمرا صحفيا عقده الرئيس معاوية، وقاطع أحد الصحافة حبيب فى مداخلته فقال له الرئيس كلمته الشهيرة "هو حبيب اشكال" ثم دعته الرئاسة لحضور حفل أقامته بعد الانتخابات الرئاسية التى أجريت سنة 1997.

و إن كان المعتصم أحب حبيبا الشاعر وفضله على جميع شعراء بلاطه ، فإن معاوية لم يتحمل حبيبا الكاتب، ربما لأنه كان يستهدفه نظامه بنقده وتهكمه فقد صودرت جريدته القلم أكثر من مرة (سبعة أشهر من حذر الصدور، ومصادرة 28 عددا من الجريدة بطبعتيها) ، لكن المقربين من الخليفة معاوية يزعمون أنه كان يحرص دائما على قراءة الموريتانيد وأن لديه طقوسا خاصة لذلك فى مكتبه بقصره الرمادي.ومن طريف الموافقات بين الرجلين أنى وجدت أبا تمام يعرض برجل يدعى معاوية كان هو وزير بابك فيقول:

ولى معاوية عنهم وقد أخذت *** فيه القنا فأبى المقدار و الأمدنجاك في الروع ما نجى سميك في *** صفين والخيل بالأبطال تنجرد

الملاحظة السابعة: سرعة البديهة

أشرت فى بداية هذا المقال إلى رواية التاريخ لما دار فى ذلك المجلس الذى جمع أبا تمام بالأمير أحمد بن المعتصم والفيلسوف أبى يوسف الكندى، وقد أنشد فيه أبو تمام قصيدة له يمدح بها الأمير يقول فيها:

إقدام عمرو فى سماحة حاتم ***فى حلم أحنف فى ذكاء إياس

فقاطعه الكندي قائلا: الأمير فوق من وصفت من أجلاف العرب، فأطرق أبو تمام قليلا ثم قال مرتجلا:

لا تنكروا ضربى له من دونه *** مثلا شرودا فى الندى والباسفالله قد ضرب الأقل لــــنوره***مثلا من المشــــــــكاة والنبراس

و عندما نظر الأمير إلى الصحيفة التى كانت بيد أبى تمام ، تأكد أن البيتين الأخيرين مرتجلان فولاه بريد الموصل.- وقيل ولاه الحسن بن وهب- لكن بعد خروج أبى تمام من المجلس، قال الكندي للأمير هذا الرجل لن يعيش فعقله ينقر من قلبه كما يأكل السيف المهند من غمده.

ولتأكيد سرعة بديهة بداح يكفى أن أشير إلى مسألتين هما : أنه لم يسود لمقال قد كتبه ولم يحضر لندوة قط.و فى ما يخص النقطة الأولى فقد روى لى زملاؤه فى المهنة أن مقال بداح هو الوحيد الذى يأتى لمن سيطبعه جميلا شكلا ومضمونا، خاليا من المحو و الإضافة، يقدحه الذهن قدحا فيسيل من اليراع إلى القرطاس ، فيضع فيه الهِناء مواضع النقب.أما النقطة الثانية فهي إعجاب المثقفين والنقاد بمحاضراته وندواته التى يلقيها فى الداخل والخارج بدون تحضير أو إعداد مسبق لها ، وسأكتفى هنا بشهادة لباحثة فرنسية قد التقته فى مناسبات مختلفة.فقد تابعت هذه الباحثة محاضرة له حول تأثير الأفلام الأمريكية على الشعوب الإفريقية فكتبت عنه مقالها الأول ونشرته فى جريدة لوموند الفرنسية بعنوان: الموريتاني الذى يعرف أفلام هوليود أكثر من الأمريكيين. ثم سمعته مرة أخرى يحاضر عن الحرب الأهلية فى الجزائر فكتبت عنه مقالا ثانيا فى نفس الجريدة بعنوان:الموريتاني الذى يعرف الجزائر أكثر من الجزائريين.

الملاحظة التاسعة: نفس العمر

ولد أبو تمام على الراجح سنة 188 هجرية وتوفي في جمادى الأولى سنة 231 هجرية أي أنه عاش 43 سنة هجرية.وولد بداح يوم 10 سبتمبر 1960 وتوفي يوم 31 اكتوبر 2001 أي انه عاش 41 سنة تقريبا .وإذا قمنا بحساب الفوارق الزمنية بين التأريخ الميلادى والهجري سنجد أن الرجلين عاشا نفس العمر تقريبا.

الملاحظة العاشرة: وفاء أهل جاسم وأهل انيفرار لهما

توفي أبو تمام فى مدينة الموصل حيث كان يعمل كاتبا فى البريد ودفن بها، وتوفي بداح فى باريس ودفن بمدينة انواكشوط حيث كان يعمل مديرا لجريدة القلم.ووفاء لأبى تمام بالعهد قام سكان قرية جاسم بنصب تمثال له ،لا يزال شامخا على مدخل القرية القادم من دمشق.يقول صديقه الحسن بن وهب في رثائه :

فجع القريض بخاتم الشعراء *** وغدير روضتها حبيب الطائىماتا معا فتـــجاورا فى حفرة *** و كذاك كانا قــــبل في الأحياء

تمثال أبو تمام الطائي

أما أهل انيفرار فقد استقبلوا جنازة بداح لدى باب الطائرة، وتولوا تجهيزه والصلاة عليه فى مسجد ابن عباس .ثم رافق القوم فقيدهم الغالى إلى مقبرة انواكشوط وألسنتهم تلهج بالدعاء لهذه العبقرية الفذة بالرحمة والمغفرة وحسن الخلف فى الأهل والولد وإنا لله وإنا إليه راجعون.

يعقوب بن عبد الله بن أبـــن

مصادر المقالة[-]  وفيات الأعيان لابن خلكان[-]  الموازنة للآمدى[-]  أخبار أبو تمام للصولى[-]  تاريخي دمشق وبغداد[-]  مقابلة هامة عبر الهاتف مع الإعلامي اللامع ول عمير ول ابي 20 اكتوبر 2014[-]  أتقدم بالشكر للكاتب محمد فال بن سيد ميله، والمهندس إسلمو بن المفيد على المعلومات الهامة التى أمدونى بها,

* ترجمة لمقتطفات من مقال للباحثة كاترين الشيخ تحت عنوان : توغل موجز في موريتانيد

اثنين, 03/11/2014 - 11:21

          ​