"أنا سمسار ووسيط و فريس" / الشيخ التجاني عبود

نا صانع للمستحيل و مفتاح لكل اﻷقفال ، هل تريد مكانة سامية في ديوان الدولة ، أم أنك تروم أن تكون من قامات المعارضة وتعطى صك طهر وبراءة من آثامك الجلي ، أم تطمح لتسنم النقابات والجمعيات وهيئات المجتمع المدني ، وهل تطيب لك صهوات الكراسي الوثيرة و الصالونات الحية ، أم أنك تريد القدرة والتمكن وطول البقاء ، أوتكديس الثروة وكنز اﻷبيضين ، مسحة تجميل و نفث وهمهمة أو تميمة قد تغير حالك من حال إلى حال ،مراكب جاهزة ستحملك بسرعة البرق الى الوجهة التي علق بها البصر و رنا إليها القلب .

 

لكل بلد طبيعته الخاصة وظروفه التي تحدد قائمة أولوياته ، والمسارات التي يسلكها الناس ﻷهدافهم المطلوبة ، ففي لبنان مثلا عمد البعض أيام الحرب اﻷهلية إلى إنشاء مقاوﻻت للموت ، الموت ساعتها كان أهم صناعة وأغلى مثمون ، إذا هممت بتصفية شخص ما فهناك متخصصون يعرفون الخرائط والعناوين وجغرافية المدن ، ومهاراتهم ﻻ تترك مجاﻻ للخطإ ، ينفذون التزاماتهم بدقة عالية واحتراف كبير ، ﻻ يصبون من الطلقات أكثر من اللازم وﻻ أقل من الغرض ، في الوقت والمكان المحددين يتبادل الطرفان الرأس مخزنا في صندوق والمال مدفونا في كيس.

 

في موريتانيا يمكنك أن تكون كما تشاء إذا طويت صدرك على الطموح ، وصادفتك اﻷقدار مع سمسار بارع او وسيط متمكن او فريس محتال ، كن فاشلا وستتسنم القمم وتعلوا فوق الشواهق ، ستعيش بين النجوم ، لن تضرك قيود الجهل ، وﻻ المعوقات التي تقيد وتفت ، سيطير بك السمسار على أجنحة الريح و سيدفعك الوسيط بيديه إلى اﻷمام و سيقلدك الفريس خاتم سليمان ويعطيك عصا موسى ، حينها سيكون طريقك سالكا الى الوجهة المودعة شفرتها بين لفائف قلبك وطيات وجدانك ، ستنطلق وسترقى في فضاء واسع ، لن تحدك قلة اﻹشتراطات و الامكانيات ولن تعطلك عن المقامات السامقة .

 

ستظل بوصلتك متعطلة و ستبقى تائها في دروب مقطوعة ووعرة طالما أنك تنظر إلى اﻷشياء بمنطق طبيعي . ، الكفاءة واﻻلتزام والقدرات اﻷخرى قد تسحب منك أوتمحى ، وقد تودع في حساب آخر و لصالح الغير ، ألم تسطع نجوم في سماء التفوق ما كان لها أن تكون أصلا أحرى أن تتألق وتضيئ هناك لوﻻ الخوارق والجهود الخفية ..أسماء كسولة و بليدة وشخصيات جاهلة .. ﻻ تبذل جهدا و لم تتعلم أصلا كيف تجلس على مقاعد الدرس ولم تلج مدرسة في حياتها تتكفل بتخطيط التنمية واﻹدارة الشاملة للعمران ، تقود الى المجهول مراكب يعلوها العلماء والجهابذة والمجتهدون ، ألم يسيطر على القمرة ويستلم الزمام من ﻻ يستحقون المقام ، شذاذ ومنحرفون وأشباه أميين هزموا اﻷسوياء والمتعلمين ، باتوا في كل ركن يتشدقون بالسخافات في القاعات الوثيرة وعلى الشاشة ، في المهرجانات و المبادرات و اﻷسواق ، هم أصحاب الشأن وذوي الهيئات ، ملاك اﻷمور وسادة البلد ، ساسة وأثرياء ومنتخبون وموظفون كبار ، كل شيئ ممكن ومستطاع ، كنوز تسقط من السماء ، وصناديق الفحم واﻷوراق تتحول إلى عملات صعبة ، يصبح الفقير غنيا ويمسي الغني فقيرا ، سرقوا بردة النبي وعمامة الإمام وجبة الفيلسوف ألبسو بهم اللص واﻷفاك والمجنون ، تبدوا اﻷشياء على غير حقيقتها ، أشكال ﻻ تعكس المضامين بل تتناقض معها بشكل صارخ وفاضح ، فكم من ثري يحمل الفقر في دمه وأحشائه ، وصالح في طبعه اعوجاج و فساد ، لم يعد الظاهر متسقا مع الحقيقة العلامة ﻻ تدل على الشيئ ، حيلة السمسار وعضلات الوسيط ونفث الفريس مفاتيح سحرية ، ووصفات تبرؤ اﻷكمه واﻷبرص وتحيي الموتى بإذن الله..

الشيخ التيجاني عبود

اثنين, 26/05/2014 - 12:41

          ​