​زيارة الرئيس الى كيدال: اول خطوة نحو تكريس ريادة موريتانيا؟

تمتاز موريتانيا عن الأقطار المغاربية المجاورة لها بتماسها الجغرافي الكبير مع أهم بلدان منطقة الساحل حيث تربو حدودها مع جمهورية السنغال على 800 كلم فيما تبلغ حدودها مع جمهورية مالي 2237 كلم . و تنفرد موريتانيا عن تلك الأقطار كذلك بتواشج و ترابط بين نسيجها الاجتماعي و النسيج الاجتماعي في دول الساحل المتاخمة لها حيث أن بعض الإثنيات الزنجية المتواجدة في هذه الدول، لها امتداد في موريتانيا كما أن القبائل العربية التي تعيش في اقليم أزواد بشمالي مالي و تلك التي تقطن في منطقتي أزواغ و الآيير شمالي النيجر، لها هي الأخرى امتدادات في موريتانيا تقوم على النسب و الروابط التاريخية التليدة و يعززها التماهي في اللغة و التقاليد و القيم و نمط العيش و اسلوب ألحياة فضلا عن التراث الفكري و الروحي المشترك و التي كانت منارات إشعاعه على الدوام هي المحاضر الشنقيطية,

هذه المعطيات المسهلة و العوامل المؤهلة و الأوراق القوية ، لم تنتبه الدولة الموريتانية منذ قيامها بمافيه الكفاية إلى ما تكتسيه بالنسبة لها من اهمية و ما تتيحه لها من نفوذ و تأثير في ألمنطقة إذا ما تم توظيفها على الوجه ألأكمل. فكان أن اغفلتها و اهدرت مفعولها و لم تتوسله لخدمة اهدافها الجييو إستراتيجية. و بالنتيجة اعتبرتها بعض دول الجوار كمية مهملة و استصغرت شأنها و اعتبرتها بمثابة الحلقة الضعيفة في شبه المنطقة و التي ينحصر دورها في ترجيح كفة الميزان لهذا البلد المغاربي أو الساحلي ضد ذاك، حسب مقتضيات الصراع على الصدارة و الريادة في المنطقة.

و لما جاء محمد ولد عبد العزيز الى سدة الحكم، قام بتوظيف ما استطاع أن يمنع المفسدين من نهبه من مقدرات البلاد من أجل قيام دولة عصرية تتوفر على بنى تحتية ملائمة ووسائل تقنية فعالة و جيش مهيكل و مسلح تسليحا جيدا و مدرب على اساليب القتال الحديثة وفق مقتضيات التحديات و المخاطر التي بدأت تلوح في الأفق و التي تهدد سلامة و أمن البلاد إذا لم تتق أضرارها و التي من أهمها انسياح المنظمات الإرهابية و شبكات الاتجار بالمخدرات و السلاح المؤطرة و الموجهة من طرف تنظيم القاعدة.

ولقد وقف الجيش الموريتاني بالمرصاد لمحاولات هذا التنظيم المتكررة الهادفة الى زعزعة أمن البلاد و تهديد سلامة أراضيها و طمأنينة مواطنيها.

و يجدر التنويه في هذا السياق الى أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يكتف بجعل الجيش و قوات الأمن الموريتانية تتصدى باقتدار و كفاءة لهجمات المجموعات الإرهابية على بلادنا ، بل عمل على ملاحقتها و مطاردتها في الأراضي المالية التي كانت تجوبها ذهابا و جيئة ، كما حدث بمنطقة حاسي سيدي في 17 شتنبر 2010 حيث سدد الجيش الموريتاني ضربات موجعة و متكررة للإرهابيين رغم ما قد أبداه بهذا الخصوص بعض بلدان الجوار من تحفظ و امتعاض لحاجة في نفس يعقوب! ولم يأبه محمد ولد عبد العزيز لهذا الانزعاج و لم يعر كبير أهمية لما استتبعه من انتقادات و تسفيه لقرارات موريتانيا و تتفيه لما حققته من انتصارات ميدانية ، بل واصل عمله وفق ما تستلزمه المصالح العليا لموريتانيا أحب من أحب و كره من كره!و كان أن أبلى الجيش الموريتاني بلاء حسنا، مما قد لفت انتباه بعض الدول العظمى الى ما يمكن أن تضطلع به موريتانيا من دور فعال لمواجهة الإرهاب في المنطقة.و هنا ايضا لم يقبل محمد ولد عبد العزيز ان يكون بيدقا يستعمل في إنجاز استراتيجيات أجنبية على حساب سيادة موريتانيا و مصالحها الحيوية.و لما اندلعت حرب " القط المتوحش" في مالي السنة المنصرمة، أحجم محمد ولد عبد العزيز عن المشاركة المباشرة فيها و أعلن دون مواربة أنه لن يفعل أكثر من الدفاع عن حوزة بلاده ضاربا عرض الحائط بانزعاج بعض الدول التي لا تعتبر أمن و سلامة موريتانيا من أولوياتها.

كل هذا و الحق يقال أظهر بجلاء بعد نظر الرجل و سداد رأيه و كونه يضع مصلحة موريتانيا فوق كل اعتبار.ولعل لهذه الخصال الإيجابية دخلا في تنامي المصداقية و التقدير الذين حصل عليهما الرجل على الساحة الدولية. ما جعل القادة الأفارقة ينتخبونه رئيسا للدورة الثانية و العشرين لمؤتمر الإتحاد الأفريقي و ماجعل ايضا دول الساحل تعقد المؤتمر التأسيسي لمنظمتها بنواكشوط في شهر فبراير الماضي و تسند رئاستها لموريتانيا.

و لا ريب أن محمد ولد عبد العزيزقد توج هذا المسار الصاعد بزيارته الى جمهورية مالي في 23 من شهر مايو الجاري و انتقاله شخصيا الى مدينة كيدال من أجل الإشراف المباشر على إقامة صلح بين الحكومة المالية والمنظمات التحررية لشمال مالي قاد الى إيقاف إطلاق النار بين الطرفين و التوقيع على اتفاقية تشكل إطارا للحوار بين الفرقاء بهدف الوصول الى تخطي الانسداد القائم و حلحلة الأزمة السائدة في البلاد.الواقع أن هذا العمل جدير بالتقدير و التنويه، حيث أن فيه ما فيه من تفعيل دور موريتانيا و وضعها تحت دائرة الضوء و جعلها تصنع الحدث و تضطلع بمسؤوليات جسام ترفع من شأنها اقليميا و دوليا.

و أملنا ان تكون هذه إرهاصات تنم عن تشكل وعي عميق لدى الرئيس محمد ولد عبد العزيز بما يوجد في جعبة موريتانيا من مؤهلات و إمكانات كامنة كفيلة بأن تمكن البلد من لعب دور ريادي على مستوى المنطقة بشكل عام و على مستوى الفضاء الناطق بالحسانية بشك أخص، حيث أن موريتانيا تشكل العمق الإستراتيجي لكل جزء من هذا الفضاء على حدة كما تشكل بالنسبة إليه المرجعية الثقافية و الملهمة الفنية و التراثية و القدوة في مجال المسلكيات و القيم السوسيو ثقافية المتفردة و المميزة.

نواكشوط 25 مايو2014

 

محمد الأمين ولد الكتابِ

اثنين, 26/05/2014 - 21:37

          ​