شنقيط...المدينة الام..../ د-عبدالسلام ولد حرمة

منذ أن شمخت مآذنها في فضاء الصحراء الفسيح قبل ثمانية قرون لتلتحق على نحو جامح بحواضر العالم العربي و الإسلامي الكثيرة التي أرست دعائم روح الوعي العلمي اللازم لاستمرار الدور الرسالي والحضاري للأمة، ظلت مدينة شنقيط تملأ السمع والبصر ، وتمد أمتها على امتداد وجودها الجغرافي بقوافل العلماء وأكابر المدرسين الذين ساحوا في الأرض وأوصلوا اسمها وهديها حيثما ما جابت مطيهم وطوت أخفافها من عراض البيد ما انتشرا.

 

من صحن جامعها الرملي أنطلق حداة عيس الحجيج الملبين بشوق ومحبة، المعرجين في الوقت نفسه على كل كثيب علم أو مأوى أو مظنة للمعرفة ليستزيدوا منها ويعطوا أهلها مما لديهم في الوقت نفسه. لم يمض علي تأسيس مدينة شنقيط زمن طويل حتى توافر فيها ما توافر في بقية حواضر العرب والمسلمين المشهورة من إختمار في العقل العلمي وتنوع المعارف وتنازع المشارب وهو ما جعلها في وقت قياسي ترمي ربوعا أخرى متفرقة من صحراء المغرب الأقصى بفلذات كبدها، هم من ستقوم عليهم وتتأسس حواضر وحواضن علم ومعرفة جديدة: أطار، تجكجة، أوجفت... إن ما نهضت عليه شنقيط من عمران وإنتاج معرفي ونظام اجتماعي فريد هو ما شكل الصورة المثالية عن عموم بلادنا في بقية أقطار العالمين العربي والإسلامي لقرون متطاولة ، وهو ما شكل لاحقا ثروة معنوية ورمزية لا نظير لها، قبل أن تبدأ فيها معاول الهدم الحضاري التي اجتاحت ريحها السموم الجائحة كياننا الطبيعي في كل مفاصله، وتواصل اليوم أوارها دون هوادة في ما تبقى من تلك الصورة.

 

لم تحظ شنقيط والشناقطة بما حظوا به لعلمهم وتضلعهم في العلوم الشرعية، بل لما عرف عنهم كذلك ولما أفشوا في مشارق الأرض ومغاربها من قيم التوحيد والعدل والعفاف والكفاف والصدق والأمانة والرحمة والصدق والإخلاص والرحمة والزهد فيما عند الناس. ولعل مهرجان شنقيط في نسخته الثانية اليوم فرصة من فرص البحث عن الاصول الضائعة للشناقطة وإحياء أطلالها المعنوية التي هُجِرَتْ لدى سوادهم الأعظم واستلهام كل ذلك من فرصة هذا اللقاء الكبير في غرة شهر ربيع النبوي على رمال شنقيط الذهبية وفي محيط مسجد خُتمت فيه آلاف ختمات المصحف الشريف وكرّرت فيه ملايين السبحات ورددت جدرانه الحجرية على الدوام أصداء مدائح أحمد الفازازي الاندلسي وتخميس الشيخ الامام أبي بكر محمد ابن وهيب لها، الصادرة من حناجر المحبين الزهاد الصوام الركع.

د.عبد السلام ولد حرمه

 

سبت, 03/01/2015 - 19:19

          ​