صالون الولي محمذن ولد محمودن.. فهل من وصيةٍ لوارث ؟ / الشيخ ولد مزيد

تعتبر الصالونات الثقافية و الأدبية من أهم بيئات الازدهار الثقافي و الفكري في العالم ،ففيها نشأت الأشكال الأدبية، وتفتحت العبقريات واكتشفت الأفكار الجديدة. وقد ، ظهر أول صالون أدبي عربي تقريباً في القرن الأول الهجري وهو صالون السيدة «سكينة بنت الحسين بن علي» رضي الله عنهم جميعا،

 

وقد امتاز صالونها بالأدب الرفيع والعلم والمناظرات والمحاججات الكثيرة والمتنوعة والعديدة ، واجتمع به الشعراء والكتاب واللغويون والفقهاء ، وقد اشتهرت به محاكمة الشعراء المعروفة الفرزدق وجرير وجميل أيهم أشعر وكانوا ينشدونها الشعر من وراء الحجاب، وكانت واسعة الثقافة عامرة البديهة وحكما يوثق به .و قد عادتْ الصالونات الأدبية والفكرية بعد الحرب العالمية الثانية في الظهور وذلك في ظل تطور الحياة الأدبية وتنقلها في أشكال واتجاهات جديدة، حيث ظهرت القصة القصيرة والرواية والتراجم والنقد. ومن أشهر الصالونات العربية في تلك الحقبة صالون الأديبة «مي زيادة» الذي كان ملاذا لأشهر الكتاب والأدباء، كما عرفت في مصر أيضا «ندوة العقاد» التي كانت تقام صباح كل جمعة أسبوعيا وكان من أشهر روادها الأديب والمفكر «نجيب محفوظ» وغيره ممن يضيق المقام عن ذكرهم وعطائهم الفكري والأدبي الكبير كذلك ظهرت ندوة الشاعر الدكتور «إبراهيم ناجي» التي كان يعقدها بعيادته الخاصة .

وقد أثرت الصوالين الأدبية والفكرية ندوات ونقاشات رسمت فيما بعد اتجاهات ومناهج وأبحاث ودراسات، ومناظرات كان لها الأثر في تحريك الحياة الثقافية وازدهارها .وليس صالون الولي محمدن ولد محموداً ببدع في حركة الإبداع تلك بل كان رائدا من روادها في هذا البرزخ الموغل في التنوع الثقافي والفكري . فمنذ تأسيسه عام 1984م وهو يعج بهامات وأساطين الإبداع في مختلف المجالات . فقد ارتاده علماء وسفراء ومفكرون وساسة وأدباء عظام عرفوا عالمياً . فقد كان من رواده ومؤسسيه كل من : المرحوم باب ولد محمد عبد الله السفير السابق في السعودية و جمال ولد الحسن و الباحث الرياضي يحي ولد حامد و العلامة حمداً ولد التّاه، و القاضي محمدن ولد مبيريك، و أستاذ الإقتصاد في أمريكا المعجزة فال ولد عينيه ، و الدكتور أحمد ولد مبيريك. وغيرهم من أباطرة الكلمة والفكر . وقد كان هذا الصالون سباقاً ومتألقاً في تناوله لقضايا كانت ساعتها حديثا الرأي العالمي والإقليمي.فقد نُوقشت فيه قضايا السياسة والفكر والاجتماع والأدب والفلسفة والتاريخ ، في وقت كانت عين الرقيب تخشى ، وسجونه تغصّ بأصحاب الكلمة . في مسيرته تراجع البعض عن أفكاره و إعتنق أخرى، و تحولت لياليه إلى كرنفالات علمية راقصة ، تعتقت فيها المفاهيم وتلاقحت الرؤى وسبرت دهاليز الغموض واستحال الخلاف غِنًى.لقد كان صالون الولي محمدن ولد محموداً ملمحاً من ملامح النشاط الفكري والأدبي، أنار سماء الوطن وأثرى كيانه الثقافي ، وشكل مرتعاً لصعاليك الرأي وفرسان الكلمة وجبار النقد، فلم يسلم عارض حرف في رحابه من مخالب ناقد ولا عنيد رأي من مغالبة مخالف ولا متطفل نهم للمعرفة من منهل وورد صاف . صقلت فيه العقول ونحتت المصطلحات وتفاقم التوتر المعرفي ، وطرقت سبل الجسارة ونفض غبار التاريخ وجدد دارس العلم . قاوم عزلة الجغرافيا والتاريخ والإعلام ، جمع أشلاء الثقافة من قصاصات مجلة هنا وبقية كتاب من هناك وما تبقي من روايات السفر والنهم .على أنّ الصالون الثقافي للولي ولد مُحموداً، في جلساته التثقيفية بين أعضاءه، نسقي الموضوعات المُتناولة. من شتى المعارف، واصناف الفنون، وسوابق التجارب الانسانية، في مُعظم الميادين المعرفية الثقافية.فموضوغ إحدى طاولاته الحديثة النقاش، كان من مشكاةٍ تُراثية، حيثُ تم التطرق للتصوف، كنافذةٍ روحية شاسعة على عالم أرحب: الاعتمادُ الأول فيه على مشعل حبّ الله تعالى. بنوره الشمولي المتجلي ثم القيام بغاية الغايات الكُبرى، ومنتهى المقاصد، أي عملية تطهير النّفس من الشوائب الكدرة، وتزكيتها تزكيّة عالية. تسيرُ بها في عوالم الكمال البديعة. حيثُ الفلاح رجاءٌ متحقق باذن الله.إلا أنّ ذلك نُموذج فرديّ، من نَماذج عدّة، في توافقها العاداتي التنظيمي. فإن كان الصالون قد تحدّث عن حقلٍ أخاذ كجنة الحقائق: التصوف. فإنه أيضاً يتجاوزه لأمورٍ مُختلفة كُلياً. هي في طبيعتها سيو-اجتماعية أكثر، هذا إذا مانظرنا لحقيقة مضمونها. ولعلّ من مايدلّ على ماذّكر أعلاه. حلقة الصالون الهامّة، والتي استضاف فيها السفير الياباني بموريتانيا. فقد كانت الحلقة فريدة من نوعها، كما الحالُ مع مثيلاتها من الحلقات السابقة، المُتباينة المواقع المُتناولة.كانتِ الحلقة عبقريّة، ومُفيدة، هذا لأنها، تفتحُ أبواباً اصلاحية أكثر أمامنا في واقعنا البائس، بحيثُ يجبُ اتباعُها سيراً في طريق النهضة النموذجي، و الذي سَلكه اليابانيون قبلنا بسنواتٍ ضوئية ..!إنّ حواراتٍ كهذه، تتبادل فيها التجارب على نحوٍ تعاوني، لتستحقُ الاشادة في سعيها الاصلاحي الرّاقي.كما أنّ من الأنشطة البنّاءة الأخرى التي يُمكن طرحها كنموذج رياديّ آخر يستحقُ الاحترام، بحيثُ أن الصالون طالما نَشِط في العمل عليها منذُ سنينه الأولى. من ماكان قبل أسابيع قليلة. حين استضاف الصالون المؤرخ الأديب، الغوثُ الحبيبْ، الخليل ولد النحوي، بمناسبةٍ ندوةٍ فكريّة تحت عنوان " واقع اللّغة العربية، ومستقبلها في افريقيا" تخللها نقاشٌ نخبوي. حول حال هذه اللّغة العظيمة الرّاهن وتعرجات مسارها المُستقبلي في القارة الافريقية المُتعددة اللّغات، والمتباينة الثقافات، على نحوٍ ثرائي/مُدهش.والجديرُ بالذكر، أنّ اللغة العربية لايزيدُها هذا الاهتمام إلا رفعة عظيمة. وسيادّة علوية. كما هو الحالُ مع مكانتها الدّائمة منذُ أن كانتْ قديماً، لكن يبقى من الضرورة المُلحة، والتي يفرضها تحوّل الزمن الجذري الشمولي الاعتقاد بأنّ اللّغة العربية خاضعة لواقع الأنفس الناطقة بها، والأحوال الزمنية والمكانية المُنتحة لها.بحيثُ تبقى نظاماً أداتياً تواصلياً بيننا البشر، كما هي ظاهرة اللّغة الكونية.

دونَ أن تتجاوز ذلك إلى اللّجوء لنوعٍ من العزف اللاّواعي/الأعمى على وتر المركزيّة الشفونية الاقصائية إزاء اللّغات الأخرى المُختلفة!إنّ من الأصوب أن تبقى تتبوء مكانتها الاحترامية العُليا في مُحيط الثقافات البشرية، مثلُها مثل غيرها، في جوّ مُنفتح من التلاقح التطوري التداخلي. مايرجع عليها في المُستقبل، بثراء القاموس الدلالي، واللّغوي أكثر من ذي قبل. وهذه هي الغاية التي ينبغي أن ترتجى من هكذا حوراتٍ نخبوية مصيرية من حيث الموضوع العالي المُتناول.كنت أمر من هنا حيث تاريخُ العطاء وحيث لا يزالُ طهر المتعة حاضراً في سماوات الكتاب والصحبة الأخيار، حيث الخلاف ليس صراعاً والنّقد ليس كراهيةً بل حيثُ خلق من هذا وذاك سخاءُ المتعة والسفر نحو فضاء المعرفة .أمرُّ من هنا أحيانا لأستحضر تاريخاً يعطره السخاء المعرفي والجلد للحقيقة وملهمات الرقي وسابحات الخيال ومعاطن العلم. أمر من هنا اليوم لأستلهم تلك الروح التي تقلصت لصالح لوحات المفاتيح والشاشات الذكية في زمن الغباء .أمر من هنا لأنادي الراحلين والمثقلين بالرحيل مناجياً ، كيف استحالت الحركة إلى ركود وكيف ضاقت سموات الجوار وكيف عزت العزيمة وضاع الجوار. أمر لألقي عبئ الذكريات لما كان يوما يمكن ان يكون وطنا ، ولمن كانوا يوماً أيقونة غده .

أمر لأذود عن منسأته حيث تهاوت دواب الأرض ، تغتال الكلام وتنمق الحرف مثقلة بكل ذاك السقم . أمر لأقول أن بقايا الخير باقية وأمانة الوطن تحز كاهل الوحيد ، وأن الروح ترتقي في سلالة الروح .فهل من وصية لوارث ؟!

أربعاء, 07/01/2015 - 13:00

          ​