صراع

لا شك أننا نتأثر بالزمن إذن فنحن جزء من الوجود، ونشعر الأشياء فنحن جزء من الذوات، ونعبر عن ذلك الشعور وذلك التأثر ، بأفكار نصنعها من لغتنا الأم، وقليلا ما نبتعد عن تلك الأفكار التي تساعدنا على فهم الشعور والتأثر، اللذين نعيشهما آنذاك.

 

وبين هذا وذاك نعيش تناقضا شموليا داخليا لا نملك منه إفلاتا، فرغم تعصبنا لألوان اللحظات وتباين رؤيتنا للوجود، فنحن نقتص أحيانا لذواتنا من العالم على حساب القيم والثقافة، كما أننا نجهل أحيانا الدافع الأساسي والحقيقي خلف ذلك الإنفعال ، فمع وجود الذوق نيابة عن النفس والصواب نيابة عن الروح والمألوف نيابة عن العقل والعادة نيابة عن المجتمع، فإننا لا نعي بدقة لمن نستجيب بسرعة؟ وهل ما فعلناه هو ما نطمئن له فعلا ونؤمن به حقيقة؟ أم أننا نمتثل إكراها لأحد هذه الأبعاد القوية الحضور في لغتنا وإدراكنا قبل التعبير؟.

 

إن أعظم ما يشغل الإنسان في هذه الحياة هو ذاته، وليس ذلك أثرا لرواسب أنانيته اللصيقة والدفينة في صميمه ـ وإنما مرد ذلك أنه يتصور العالم في ذاته ويدركه إنطلاقا منها، فهو لا يفتر يحيطها بقدراته، وكل همه ما يعلي من شأنها وما يجعلها تتفوق على باقي ذرات العالم، مستعملا في ذلك الزمن فهو أخطر ما نملكه مجانا، وتعبيره وهو ما يدرك من ذاته، ومظهره المادي وهو ما يدركه الآخر عنه.

ويقوم خلال ذلك بتقويم كل مكون من مكونات الذات على حدة، ليعرف مكان الخلل، وكما من سنة الحياة التفاوت تتفاوت كذلك ذرات العالم في رحلة التقويم والطريق المؤدية للامتياز، وتختلف كذلك في معنى الامتياز والتميز.

 

وكثيرة هي صفات الذات، وكثيفة أغطيتها كذلك، ولكننا ندرك في صفائنا مقاييس قد تزيح معظم تلك الأستار الداكنة، فكلما اندمجنا في الصفوف الاجتماعية واتبعنا سبل الواقع الجلية، وطرق العادات المعبدة، أصبحنا جزءا من الطبيعة لا ننكر شيئا من انطباعات الآخر عنا، ولا يصعب تصنيفنا على أهل النظر؛ وهنا تسهل مادتنا ننزل لساحة البشرية، وندخل مختبر الحادثية تلك السلسلة المتتالية من الاضطرارت التي نبرر بها المألوف، وكلما ابتعدنا عن العلاقات الاجتماعية، و العادات المألوفة، و أهملنا الذوق والجمال والمتعة والاستسلام للواقع، كلما صعب فهمنا وابتعدنا عن حدود الذرات الصغيرة التي تفقد وزنها الأصلي...واستعصى على المصنف حد نا ورسمنا وتعريفنا... وكلما اقتربنا من السمو ووسمنا بالخطر وعظم الشأن.

 

فرغم أن الذات جزء من العالم وجرمها جزء من المادة خاضع للفيزياء، فإن لها نصفا إذا غلب عليها ابتعدت عن التجربة والملاحظة، وحظيت بسياج منيع لا تطاله الحدوس والتأويل بل لا يجرؤ عليه الفضول ولا الفوضوية.

 

وهناك يسكن الغرباء منّا ، وكل من لم يوفق في العدل بين الواقع والاعتقاد أوسبق له أن حسم صراع الزمن والحقيقة.

 

ديدي نجيب

ثلاثاء, 03/06/2014 - 23:23

          ​