الشاي في شعر الحسانية

لشاي في شعر الحسانيةيزخر الأدب الموريتاني بذكر الشاي وبالحديث عنه، عن مادته (الورگه) عن جودتها وعن ردائتها، عن طريقة إعداده، وما ينبغي فيها وما لا ينبغي، عن ندمائه المفضلين، وعن الطفيليين الذين لا يرغب فيهم (السكاكه) إلى غير ذلك مما يزخر به الأدب الموريتاني فصيحا كان أو شعبيا إلا أننا سنخصص مقالنا هذا عن الشاي لبعض ما ورد فيه من الشعر الحساني؛ لأن موضوع (أتاي) في الشعر الفصيح نال نصيبا لا بأس به من اهتمام الدارسين والباحثين.وقد اخترت تناول موضوع الأدب الحساني مساهمة في حفظ موضوع من مواضيع تم تناولها كثيرا في شعر الحسانية وقد أصبحت اليوم عرضة للضياع بفعل الإهمال والنسيان وغيرهما من العوامل.لقد قدم لنا شعراء الحسانية صورة دقيقة لجيمع المراحل التي مر بها (أتاي) في هذه البلاد كما سنرى بوضوح من خلال هذا المقال.عرف الموريتانيون الشاي مع أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حيث جذبته إلى هذه الربوع قوافل التجار القادمة من الشمال آنذاك.

 

وقد تلقى مجتمع "البيظان" هذا الوافد الجديد بتحفظ شديد حيث أثار نقاشا واسعا بين صفوف الفقهاء الذين لم يعرفوا كؤوس الشاي من قبل، فكانت الأكثرية تراه حراما لا يجوز شربه ولا بيعه وشراؤه، وكان أقلهم تشددا من ينشد مع الشاعر الحساني قوله

:يولاد الناس المعولومين = = لا تفن لعمار افذ الصور

كاس الجهل امحال فالدين = = ؤكاس أتاي اعل المال اغرور

وشيئا فشيئا بدأ أهل هذه البلاد يتقبلون هذا الوافد الجديد وهو يدخل البيوت الواحد تلو الآخر، فلم ينقض العقد الرابع من القرن الماضي حتى كانت كؤوس الشاي تدار في جميع البيوت الموريتانية، وأصبح جزء لا يتجزأ من حياة هذا المجتمع، كما أصبح جزء من إكرام الضيف الذي عرف هذا المجتمع بالحرص عليه وبذله في سبيله الغالي والنفيس.أحب الموريتانيون الشاي وتعلقوا به فتفننوا في أناقة وتزويق أدواته، وفي اختيار ندمائه، وفي طريقة إعداده، إلى غير ذلك مما يعكس شدة تعلقهم بهذا الوافد الجديد، كما تفنن الأدباء في وصف الشاي ومجالسه، وعلاقته بالفتوة، وأثره النفسي والاجتماعي.إن المادة الأساسية في تحضير الشاي وهي "الورگه" مرت بها بعض الفترات وقد صعب الحصول عليها وعز منالها، وفي تلك الفترات ونظرا لتعلق البيظان بـ"أتاي" وكونه جزء من حياتهم فإنهم يلجؤون إلى تعويض هذه المادة ببعض الأشجار التي تنبت في هذه البلاد مثل "أجرك - تولاكت – الدباغ" وفي ذلك يقول احد الشعراء الحسانيين:

أتاي امنادم گد باغـ = = ـراجُ يحييه الّاكتـْـلوه

أولاد آدم بالدباغ واجرك وتلولاكتْندرة

مادتي "الورگه" والسكر وصعوبة الحصول عليهما هو ما نجم عنه ما يعرف بظاهرة "التسكاك" وهو التطفل على معدي الشاي الذي كان دأب من لا يمتلك الوسائل المادية لإعداده وذلك ما أشار إليه الشاعر الحساني بقوله:

يالسكاكَ گلُّ = = تو اتاي اتُّوگما تشروه اخلُّ =

= حد اشراه اظوگ

وقد تناول الشعراء الحسانيون ظاهرة "التسكاك" في أشعارهم، وتحدثوا عنها في مجالسهم فكانوا يستثقلون "السكاكه" ويدعون عليهم ولا يتورعون عن نعتهم بأبشع النعوت، ومن ذلك قول الأديب محمد يحظيه بن الحسن بن حمادي:إجيك افگراشْ = = بلحي تـتـناشيتبسم لك كاش = = ميت بيه اغلاكواعود التحاش = = كتل گاع ؤراكمالك عن فاش = = كل انهار اراكؤلكهول تجر = = والترك تجاكيعطيك اجدر = = يذ من سكاك.ومن استقالهم بـ"السكاكه" واعتبارهم إياهم ضمة قبر لا ينجو منها أحد قول بعضهم:السكاكه تجل = = ؤلاهْ افش مشتغلواتجيك اعل عجل = = واتج كامل تجاكمن تل ؤمن گبل = = والِّ منه ما جاكاصبر لا تتنگل = = فرظ اتم ؤر ذاكألا سكاك اعل = = سكاك اعل سكاكومن ذلك أيضا قول الأديب المرحوم محمد الشيخ ولد سيدي محمد الصالح شاكيا كثرة السكاكه:السكَّاكَ كان إلى جاك==منهم واحد حد انُّ ذاكْوالثانٍ والثالث تجاك==وإلى كثْرُ بعد اثلاثَؤعدتْ الاَّ ما تگطعْم سواكْ==ما جات اخمس طعش اشعاثَسكاكه واخْلاكْ التسكاكْ==ؤخلَّاوَكْ لَگدامْ امْراثَسكاكْ افْسكاكْ افسكاكْ==أثنين ؤ واحد واثلاثَولبغضهم لـ"السكاكه" واستثقالهم إياهم، واعتبارهم يكدرون صفو جلسات "أتاي" فقد تم استحداث عدة طرق لإخفاء "أتاي" وإقامته بعيدا عن أعين "السكاكه" ومن تلك الطرق ما نجد في طلعة للأديب محمد عبد الله بن محمد آسكر وهي:السكر يدگدگ بالكاس = = كان اگبيل ؤلا فيه باسوادگديگ السكر ابلملاس = = من خوف إگول السكر كربيه ال كر اتجيب الناس = = كر اتجيب السكاك اكروال ويل حد ابسكر = = لا بدال من ينكرسكر وامل لا نكر = = لا بدال من ينكر كر.بل قد يذهب بهم مقتهم هؤلاء الطفيليين "السكاكه" الذين ينغصون عليهم الأوقات السعيدة التي يقضونها في تناول كؤوس الشاي إلى أبعد من هذا، ومن ذلك ما يحكى من أن أحدهم زار صديقا له ذات مرة وكان الصديق المزور يقوم وقتها بإعداد "أتاي" فلما أحس باقتراب صديقه قام بكفئ جفنة على "أبراد" المنصوب فوق الجمر لإخفاء الشاي المعد عن الصديق "السكاك".ثم إن الحديث طال بين الاثنين فلم ينتبها إلا وألسنة الدخان تتصاعد مؤذنة باشتعال النار.. فقال الصديق "السكاك" - وكان معد الشاي يدعى اسلم-:امنادم تَيَّ مندعرْ = = عن صاحب ل ما علْمُيعمل براد ينگعرْ = = گعرت براد اسلمُظاهرة "التسكاك" هذه انتشرت بين الناس حتى شملت المرأة وقد تعرض الشعراء الحسانيون لتسكاك المرأة، وأنكروه واعتبروه خروجا على المألوف ومخالفة لعادات هذا المجتمع الذي يلزم المرأة بأن تبقى من قعر بيتها إلى قعر قبرها فمن غير المقبول أن تظل تزاحم الرجال على كؤوس الشاي وفي ذلك يقول بعضهم:ما تسمع كر = = فالتلج جاتماج عسكر = = من لعلياتويقول آخر:ما يطلع بط = = اعل جمرما جات اتبط = = للبط امروبدورهن فإن النساء قد عبن "تسكاك" الرجل بوصفه أجدر بأن يتحلى بالمسؤولية ليظل أكثر احتراما، فينبغي أن يترفع ويصون نفسه عن كل ما من شأنه أن يقلل من احترامه أو ينقص من هيبته فمن غير المقبول أن يرى وهو يجوب بيوت الحي بحثا عن بيت يتم فيه إعداد "أتاي" تقول إحداهن:ما يطلع بطْ = = اعل لحمومْما جاك إبط = = راجل معلومْوإجٍ يتهازْ== عرگُ يتنازْوإگول الا ازْ== مگْنَ يالگومْراصٍ ذ ما از== و فيهْ اليومْإن نظرة الدون هذه التي ينظرها المجتمع لـ"السكاكه" جعلت الكثيرين يترفعون عن تناول كؤوس الشاي الذي تم البدء في تحضيره قبل حضورهم خشية أن ينعتوا ب(التسكاك) وفي ذلك يقول أحدهم:أتاي ال مطلع ماه = = اعل مول يزوز لوأتاي ال مطلع ماه = = اعل مول يزوز لوكانت ثمت عدة عادات وتقاليد تصاحب إعداد الشاي، وقد اتبعوها وحرصوا عليها حتى أصبح أتاي بدونها ناقصا ومنها أن لا ينقص السكر فيه ولا "الوركه" عن المقدار المعتاد، وأن لا يطغى أحدهما على الآخر، وأن ينال حظه من مادة "النعناع" عند الكثيرين، ومنها أن يكون معد الشاي نصوحا متقنا يقظا فلا يترك "أتاي" تقطر منه قطرة على "الطابله" أو على الحصير، ومنها كذلك أن يترك "أبراد" على النار حتى تفعل مادة "الوركه" مفعولها، وإلى هذه الشروط مجتمعة أشار الشاعر الحساني بقوله وهو يخاطب شخصا لم يتوفر "أتايه" على واحد من هذه الشروطأتايك ذ ماست حرگ = = واعل لحصير ابان گطاروخاص السكر وخاصت الورگ = = ؤخاص النعناع ؤخاصت النارومن هذه الشروط أن يكون الشاي معدا في "أبراد" ويعنون به الإبريق المصنوع من المادة المعروفة عندهم بـ"التاسميمت" ويحتفظون لغيره بالإسم العربي الفصيح "الإبريق" ومنها كذلك أن يكون الماء الذي أعد به الشاي مغليا في المغراج قبل "أبراد" وأن يكون السكر من الصنف المعروف بـ"التلج" وأن يكون تم إعداده على الجمر كما سيأتي وإلى هذا يشير المرحوم لكويري بن عبد الله ابن سيدي داعيا من يقوم بإعداد الشاي إلى الحرص على أن تتوفر كل هذه الوسائل في "أتايه" محذرا من التفريط فيها أوتعويضها بغيرها:أتاي اباش اليق = = احذرلك من ينسكبالرشوه البريق = = والم البارد والبكومن هذه العادات أيضا أن يتم إعداد الشاي بحضرة متناوليه وأمام أعينهم:أتاي ال مرفود = = ما يگلع للتدواخما يسلك من لبرود = = ؤلا يسلك من لمساخومن هذه الشروط أيضا ما يعرف بـ"جيمات اتاي" وهي "الجر واجماعة واجمر" إلا أنهم مع حرصهم على أن تكون للشاي جماعة لا يحبذون كثرة "أتاي" في "أبراد" بل يعافون الشاي الذي أعد في الماء الكثير وفي ذلك يقول الشاعر الحساني:حد اتي ما ايميه = = لتاي ؤذ رايحد اميه ما ايتيه = = تعدال لتايإلا أن هذه المسألة لم تكن محل إجماع منهم، بل كان لوفرة الماء في أبراد أصحابها الذين يحبذونها ويدافعون عنها حرصا منهم على أن يتم التمكن من إشراك كل من حضر في تناول الشاي، ولبعضهم وقد تصرف في الكاف السابق:حد اتشفگ لا اطلع = = لتا ي ؤذ ارايحد اشفگ ما يسلع = = تعدال لتايوعموما فقد كان مجتمع البيظان يحترم هذه التقاليد التي كانت متبعة في طريقة إعداد الشاي، وبالتالي لم يكونوا راضين عن مخالفتها التي دعت إليها ظروف المدينة والتحول الذي شهده المجتمع، يقول الأديب المرحوم عمر ولد السالك:إجيك البي امن الكوزين==شامر عن لحمات الرجلينفَيْدُ سرفاي واكويسين==وإگطرْ تگطار الروزَؤتحرگ فمك واشوي ؤشين== اعليك امل تزوزَوإطيَّرْ گلت يالسبحان==لتاي اجماعه مكزوزَوإطيَّرْ فتاي البيظان==گلت حظ العين الروزَوإفُوتْ اعليك افمينتين==يتوگفْ عينُ مبلوزَوإطَيّرْ يالسبحان==لَتاي اجماعَ مكزوزَوإطَيّرْ فَتاي البيظان== گلت حظ العين الروْزَنقتصر على هذا القدر كنموذج يعطي تصورا بسيطا عن الشاي لدى مجتمع البيظان، وأملي كبير أن أكون وفقت في إعطاء صورة ولو بسيطة عن الموضوع

من صفحة المدون محمد الأمين ولد لكويري:https://www.facebook.com/lekwery.abdellahi?fref=photo

سبت, 07/03/2015 - 09:56

          ​