من نقصد بالصحافة ؟

كثر اللغط والقيل والقال عن الصحافة بمناسبة العيد العالمي للصحافة ولم يبق موضع قدم من ماهيتها إلا وأثخن جراحا وأحيط حبرا دونما فحص دقيق لكُنه هذه الكلمة الغريبة والتي أصبحت بفعل التقنيات الحديثة وسهولة التواصل وحرية الرأي وبساطة الرقابة مجرد وسيلة لأهداف أخرى أقرب للسيف والجيب منها للقلم والعلم، وهنا نتساءل من يتحمل مسؤولية ما يحدث في واقع الاعلام الموريتاني من تدهور مذل؟ هل هي السياسة والساسة من يوجه زمام الخبر ويستخدمون مساكين المهنة في مآربهم الخاصة؟ أم أن سلطان القبيلة والجهوية هو ما يلقي بعتمته على هذا الحقل الهش المتهادي؟  هل أصبحت  الصحافة هدفا لنيل دراهم معدودات ومكانة وشهرة مؤقتة؟ أم  أنها وسيلة لنشر الفتن وبث الوشايات والنمائم وزرع التفرقة بين كيان شعب مسلم ومسالم وضعيف؟ أين ذلك الوجه المشرق للاعلام الموريتاني الذي أثبت قدمه راسخة في ميدان جديد على المجتمع البدوي ولم تثنه منحة ولا محنة عن همه؟ هل كتب على الاعلام الموريتاني أن يصطلي بنار الانحطاط ويساير ركب الهوان؟ مالذي تغير في واقع المهنة هل هم أصحاب المنابر أم المادة الاعلامية نفسها؟  أم أن ثورة التقنيات الحديثة وسرعة التواصل قلبت كل الموازين المألوفة في الميدان الاعلامي؟

وقبل كل ذلك نتساءل لمن يحق الكلام عن الصحافة وانتقادها؟ هل تتحقق شروط انتقاد الصحافة وتحليل واقعها وجلب بدائل وحلول سريعة لواقع الحقل الاعلامي المتهالك لكل من يملك حسابا في "الفيسبوك" أو "اتويتير" أو يملك"حسابا في موقع الكتروني" ؟ أم أن هناك أناسا يحسنون العيب أكثر من غيرهم ويتستّرون على أعمالهم المخجلة بذكر أخطاء الآخرين؟ أم أن هناك صامتون خلف حجاب المهنة تركوا مقاعد البدلاء ولزموا مكانهم هروبا من أن تلحقهم لعنة الحقل أو تجمعهم الاضافة بمن يعيشون عًلمية الذل والهوان؟.

لن نرجع لابن منظور في لسان العرب للتدقيق في كلمة الصحافة ولن نفتح قاموس القيروز أبادي لاستقصاء المادة المعجمية ل"صحف" بل سنبحر في واقعنا لنبضه حتى يعرب عن لبه فما المسؤول عنها بأعلم من السائل.

إن الحديث عن الاعلام حديث ذو شجون يختلط فيه حابل المهنة الاعلامية بنابل التخصص والامتهان، حيث تتزاحم المقاصد وتتداخل الأهداف وتصبح الضحية ميدان الاعلام، وحيث تصبح الروابط والنقابات متاحة لكل من هب ودب فتلحظ عين التناقض واختراق القوانين المنظمة للحقل من أهله قبل غيرهم، فمن يجهل هذه الفوضوية التي تخنق حقل الاعلام في موريتانيا والتي تعيش وتستمر برعاية تامة من سدنة الحقل أنفسهم الذين يجمعون بين الجائز والمستحيل بغية الحفاظ على مكانتهم في الميدان واكتسابهم ما يسد نفقاتهم.

وأبسط مثال على اختراق القوانين المنظمة للحقل أن تجمع بعض النقابات بين الصحفي العمومي والصحفي الخصوصي، كما أن القانون الدولي يمنع على المشغّل أن يعمل نقابيا، وهذا ما نشاهد خرقه بكل سهولة على أرض الواقع.

ورغم أنه من المعلوم أن أي مؤسسة إعلامية لا بد أن تتكل في عملها على جهة تكون بمثابة راع ر سمي لها من الناحية المادية، إلا أن بعض المؤسسات الاعلامية عكست المعادلة فبدلا من أن تبحث عن ممول لرعاية عملها الاعلامي ذهبت لجمع المال لنفسها وجعلت من الخط التحريري وسيلة رخيصة لملإ الجيوب.

ومن سيصدقني لو أوحيت إليكم أن الأصوات الاعلامية هي ما يصل العالم عنا فهو يعرفنا فقط من خلال ما يبث في وسائل إعلامنا وما نكتب نحن عن أنفسنا وعن بعضنا البعض فعلى رسلكم ..

فعلا قد أصبح الاعلام اليوم أقوى تأثيرا وحضورا من الدبلوماسية الدولية بل وأضحى يتحكم ويتحكم في إدارة العلاقات بين الدول، فعناوين الأخبار التي تصطف هنا كل صباح في موريتانيا هي ما ينظر إلينا العالم من خلاله، فنحن في القرن الواحد والعشرين والعالم في قرية صغيرة ولا يتطلب انتشار الكلمة أو الصورة سوى بضع ثوان حتى يستوي فيها القاصي والداني، ولا لوم على الصحافة في واقع الصحافة فهم ليسوا سوى مكينات تعمل ميكانيكيا وفق نظام تلقائي يسمى "الخط التحريري" والذي يضعه المدير وهو بنفسه ليس سوى آلة في يد جهة أخرى تقلبه يمينا ويسارا، وتطالع الناس الخبر وتقول: "الصحافة تكذب والصحافة تنافق والصحافة تصفق"، وهي براء من كل ذلك لأن مسؤولية جميع ما يصدر من مادة إعلامية باستثناء الحوادث هو مركب كيميائي تتم صياغته بطريقة حرفية في قمة الدقة، حيث تأخذ جرعة بسيطة من الحقيقة ونضيف عليها ضعفها من المصلحة الشخصية ونعادل التركيز القاعدي بعنوان مخدر حتى لا تنكشف الخطة من البداية.

فمن نقصد بالصحافة؟ هل هم أولائك الذين جعلوا من أقلامهم ظلا للرئيس محمد ولد عبد العزيز؟ أم أولائك الذين شغلوا بجمع صور المسؤولين في استقبالاتهم وتفرقوا في شرق البلاد وغربها؟ أم هم أولائك الحريصين على الوقوف خلف قضايا قبيلتهم وجهويتهم وما يخدم ولايتهم فقط؟ ما ذا تبقى للمواطن البسيط من حظ الصحافة؟ أو من جهد من يتقلدون هذا العلم؟

ولا ينكر منكر أن من بين الصفوة الاعلامية الموجودة رجال صدقوا الاعلام ما عاهدوه ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وبمقدورهم إنقاذ الحقل؛ لكن غالبة من يوصفون بأنهم صحافة ليسوا سوى مسيرين من طرف آخر فغالبيتهم كتاب محترفون أو ملتقطوا أخبار بشتى الوسائل كما منهم من يمزج عمله الاعلامي بشوائب أمنية أو اسخبارية، ومن أضاع الخبر فهو لما سواه أضيع.

ديدي نجيب

أربعاء, 06/05/2015 - 11:00

          ​