حين تنكسر أقلامهم على صحرة صماء!!!

العظماء يصنعون الأمجاد الأثيرة، أما الأقزام فسيظلون أقزاما حتى لو تسلّقوا قمم جبال الألب.! فون كاتزبي ـ روائي ألماني. (1761 ـ 1819) بأحرف الوَهن، والعار، والشّنار والنّقيصة، وعلى صفحات العوراء والبغضاء تندلع من حين لآخر جوقات الأقلام الخسيسة والأحلام السفيهة، في تدبيج خزعبلاتها الحاقدة وتفاهاتها السمجة، والمغرضة التي ترُوم ـ وأنّى لها ذلك؟ ـ أن تنال من مكانة مثقف عظيم ومفكّر متنوّر كالدكتور اسحاق الكنتي.. هذا الرجل الصّلب الذي بالانتماء إليه تتشرف الرجولة، والكاتب الموهوب الذي تترعرع بين بنانيه المعاني

 ، والمثقف الموسوعي الذي يمتاح من نسغ العلم، ويشتف من نبع المعرفة الأصيل، والمفكر الاستراتيجي الذي تتواضع أصعب النظريات وأكثرها تشعبا وغموضا و تعقيدا أمام عبقريته الفذة، والإنسان العذب، والمُحبّب الهاشّ، البَاشّ، الودود، صاحب الحضور الكبير والكاريزما الحيّة، لا تخطئها العين البصيرة.. هذا الرجل الذي يمتلك مستلزمات عزّته و مقومات رفعته التي تجعل منه شخصا عظيما قائما بذاته، مستقلا بما حباه الله به من المواهب والسجايا الجوهرية المتميزة وما غرسه فيه من منظومة ضميرية وقيّمية قوامها الثوابت والضوابط الأخلاقية العالية، وما آتاه من كنوز العظمة والنخوة والمروءة.

هذا الإنسان الرمز، والمحارب الفولاذي من أجل رفعة بلاده، الرجل الذي لم تستهوه الشهرة، ولا النجومية، ولم تغره الأضواء، فظل العاشق للعمل السري ،لاتسبد به شهوة الإعلام، ظل نبعا ينضح تضحية وعطاء ونكران ذات. رجل يعرف معنى الوفاء لشرفه، والولاء والانتماء لوطنه، وهو ليس بحاجة إلى أي توصيف أو تصنيف، بل أغني ما يكون عن أي تعريف أو تلميع، فسيرته أكثر من معروفة، ولا داعي الآن لسرد وقائعها وروائعها. يكفيه أنه جمل المحامل، وجبل المبادئ، وصاحب عقيدة راسخة في زمن الاهتياج والارتجاج هذا، و حسبه أنه رجل يجمع بين الصلابة المبدئية والطهارة الأخلاقية، وأنه كان ولا يزال أبيا نقيا، لا يدنسُ له ثوب، ولا تلين له قناة ولا تهتز له قناعة.

 

وهو إلى ذلك، وعلى ذلك موضع توقير و احترام ، بل تقدير وإعجاب، وإكبار من كل أصحاب المبادئ الحية والعقائد السليمة ،ليس لكونه رمادياً أو هلامياً، بل لأنه واضح كل الوضوح في قناعاته، وصادق إلى أبعد الحدود في تحالفاته، وحاسم، صارم، دون مواربة، في مواقفه ومتفهم، بحكم رجاحة عقله وسعة معرفته وعلمه، لمواقف المختلفين معه واجتهاداتهم الخاصة... ولكنه إذ يعتلي صهوة الحقيقة، ويضيء قلمه على السطور، بيرقا يخفق، يبدد ظلامات الجهالة، يصبح شديد الوطء على مستحاثات الوهن الفكري، والخفافيش الليلية وعبدة أصنام التمور، التي سرعان ما تفرّ مذعورة إلى جحورها الظلامية.. وعليه، فلن يعدم هذا الرجل الوطني الشجاع أعداء ومبغضين ، جلّهم، من الحاسدين، والحاقدين والأنذال والفاشلين، الذين قصرت بهم همتهم الحرون عن اللحاق بشسع نعله لعلّو كعبه في صنوف العلم وفنون المعرفة، وعجزوا عن مباراته بل مجاراته في خدمة الوطن، فلم يجد هؤلاء الرعاديد الذين تعوزهم شجاعة المواجهة سبيلا للتصدي لقلمه الذرب ولسانه العضب، إلا باغتيابه مرة وبهته أحيانا، والتقول عليه دائما، وتقيء الأراجيف واختلاق الأباطيل وتدليس الحقائق، لشيطنته وتلطيخ سمعته، وتشويه صورته والحط من قدره وشأنه..

 

إلا أن أصحاب هذه الأقلام الملوثة والقلوب المريضة لا يثيرون الغضب بقدر ما يستدرون العطف والرثا ء، والشفقة، فرغم ما أرعدوا وأزبدوا فإنهم لم يزيدوا على أن أضافوا أكاذيب جديدة للأباطيل القديمة، وسخافات مستحدثة على تلك العتيقة، وهم في كل ذلك يوغلون في الشطط، والبعد كل البعد الحيادية و الموضوعية، ناهيك عن ترديهم المرعب في الركاكة والرداءة الأسلوبية وضعف البنية ووهن التركيب، وتهافت المعاني وسخافة المقاصد.. لم أكن يوما من أنصار "عبادة الشخصية"، ولا أعتقد أن الدكتور إسحاق الكنتي، المكلوء بعناية المولى، وسورة تبارك، في حاجة لمداحين يتصدون للرداحين، ولكنني لم أستطع أن أفهم كيف يمكن لهذه الأرانب الجرباء أن تقف جهارا نهارا مع من يسب العلماء (أحياء وأمواتا) ويعبث بالمقدسات ويتلفظ بالفظائع في حق الدين وأهله، عن جهل وقلة عقل وسوء خلق، ثم تهجم هذه المستحاثات نفسها على من يعبر برصانة ورزانة عن رأيه ووجهة نظره..!!!

ويزيد العجب، وتنهمر علامات الاستفهام والاستغراب حين نعلم أن هؤلاء، يدعون سفها، الانتصار للديمقراطية والاستقتال من أجل عيون حرية الرأي والتعبير، وينذرون أنفسهم لمحاربة "الديكتاتوريات" والتبشير بالديمقراطية والحرية، في أقطار وأمصار بعيدة، سحيقة...!!!

ولكن.. يبدو أن قدر العظماء والماجدين أن تسلّط عليهم الحشرات، والهوام والأقزام، تماما كما ينجذب البعوض وتهجم البراغيث والحشرات المسعورة على الضراغم والأسود والجياد الأصيلة، وبنفس الحميّة والحماسة والاندفاع الذي يهاجم به الفارس المزيّف "الدونكيخوت" طواحين الهواء مشرعا سيفه الخشبي على ظهر حماره الهزيل، في مشهد درامي ـ هزلي من رائعة ميجيل دي سيبانتس الشهيرة، مشهد يتكرر كلّما تنطع أرنب أجرب للتطاول على الدكتور إسحاق الكنتي..

نزعوا بسهمِ قطيعة ً يهفو بهِ ريشُ العقوقَ، فكانَ غيرَ سديدِ *** تَنميك في قُلَل المكارِم والعُلَى زُهْرٌ لزُهْرِ أُبُوة ٍ وجُدُودِ إنْ كنتمُ عاديَّ ذاكَ النبع إنْ نسبوا وفلقة َ ذلكَ الجلمودِ وإِذَا أَرادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضيلَة ٍ طويتْ أتاحَ لها لسانَ حسودِ!!! (أبو تمّام)

عبد الله ولد البو

جمعة, 22/05/2015 - 09:12

          ​