إبادة الروهينجا: عار يشترك فيه الجميع

تلخًص مجزرة البقاء على قيد الحياة التي جرت الأسبوع الماضي على سفينة مهاجرين انقطعت بهم السبل وأدت إلى معركة قتل فيها أكثر من 100 شخص مأساة أقلّية الروهينجا المسلمين الهاربين من بطش مواطنيهم البوذيين في ميانمار، فقد خرج هؤلاء تاركين قراهم وبيوتهم وأراضيهم ليهربوا بأرواحهم، فما كان من البلدان المحيطة إلا أن أوصدت الأبواب بوجوههم في أمثولة كبيرة عن الانحطاط الكبير الذي يمارسه البشر ضد إخوانهم في الإنسانية.تحوّل الضحايا في تلك المعركة إلى ضحايا الضحايا مما كشف مأساة الإنسان الذي لم يعد لديه غير أن يلقى الموت أو يشارك مرغما في قتل أخيه الإنسان بداعي الحاجة البشرية الماسّة للغذاء والماء والدفاع عن أطفاله، وهو أمر يكشف القعر الذي أوصلت إليه البشرية بؤساءها المضطهدين، بدءاً من طغمة ميانمار المستبدة التي وجّهت اهتمام غالبية شعبها البوذية لذبح إخوانهم في الأرض والعيش لا لسبب غير أنهم مسلمون، فحوّلت قضية الشعب البورمي من كفاح ضد طغمة مستبدة بالجميع إلى مذبحة أهلية ينشغل فيها البوذيون بكره المسلمين.

 

لكن هذا التحليل وحده لا يكفي لتفسير درجة الانحطاط الأخلاقي الذي يحيط بمأساة الروهينجا، فعملية الإبادة الجماعية التي يتعرّضون لها لم يشارك فيها نظام ميانمار العسكري وحده، فزعيمة المعارضة أونغ سان سو، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، والمدافعة العنيدة عن حقوق الشعب في ميانمار تشارك سياسيا وأخلاقيا في عملية التصفية الممنهجة التي يتعرض لها الروهينجا بالتزامها الصمت التامّ حول ما يجري لهم.ترافق إطلاق سراح أونغ سان سو مع تصعيد منتظم في عملية الإبادة الممنهجة للروهينجا ففي عام 2012 بدأت عمليات التصفية الجماعية فخلفت 200 قتيل ودمّرت مئات البيوت وأدت إلى تهجير مدروس لأكثر من 120 ألف شخص منهم نحو معسكرات اعتقال جماعية، فما الذي فعلته زعيمة المعارضة الشهيرة عالميا؟ قالت إن أحداث العنف تلك لم تكن تطهيرا قوميا ولكنها كانت نتيجة «الخوف من الطرفين… ليس المسلمون وحدهم خائفين بل كذلك البوذيون. المسلمون طوردوا ولكن بوذيين أيضا تعرضوا للعنف».

أحد أشكال «العنف» الذي تعرّض له البوذيون تمثله قصة روتها وكالات الأنباء عن امرأة اصطدمت خطأ براهب بوذي كان يقوم بجولاته الصباحية فكسرت وعاء الصدقات الذي كان يحمله، فكان أن هجم البوذيون على بلدة المرأة وأحرقوا كل شيء بما فيها أشجار المانغو، والحال أن الروهينجا أصبحوا ضحية لا للسلطات الدكتاتورية (وصمت المعارضة) بل كذلك لفئة الكهنة الذين قاموا بحملات كراهية منظمة ضدهم، فأحد رهبانهم لا ينفك يحذر في عظاته من أن المسلمين «سيتغلبون علينا ويستولون على بلادنا ويحولونها إلى دولة إسلامية شريرة».

 

وهو ما يدخل مسألة الروهينجا، داخل ميانمار وخارجها، ضمن حرب أيديولوجية عالمية توظّف الإسلاموفوبيا المتنامية حول العالم، والتي تضيف كل جماعة سياسية أو أمّة شيئاً من أوهامها ومصالحها عليها بحيث تهدم أركان الإنسانية وتجعل من المسلم ضحيّة افتراضية جاهزة لأي إشكال سياسي في العالم.الذي حصل للروهينجا في السنوات الأخيرة، بحسب متخصصين في قضايا الإبادة الجماعية، هي مرحلة «الإضعاف» التي تسبق عملية التصفية الشاملة، فالذين لا يهربون نجاة بأرواحهم، يعانون الإفقار والتجويع والحرمان من مكان العيش والمبيت، والأمراض الجسدية والنفسية، ومنع السفر، والتعليم، والزواج، والولادة، والعمل إضافة إلى وقوعهم تحت طائلة العنف الحاضر في أي وقت.

وبدلاً من مد يد المساعدة لهذا الشعب المطارد قرأنا عن مراكز إتجار بهم ومجازر جماعية بهم في بلدان مثل تايلاند، وشاهد العالم بأجمعه آلافا منهم مرميين على جزيرة مهجورة يتضوّرون جوعا وعطشا، وتابعنا مجزرة البنغال والروهينجا الشنيعة على سفينة الموت، ورأينا تقاذف البلدان المحيطة بهم كما يتقاذف اللاعبون كرة القدم.تبين قضية الروهينجا أن البشرية تهبط نحو هاوية عميقة مظلمة وأننا كلّنا صرنا ركابا في سفينة الموت.

 

رأي القدس

جمعة, 22/05/2015 - 09:19

          ​