احتقار التخصص أكبر تحديات الاقتصاد الاسلامي

بين قِصة احتقار تخصص الاقتصاد الاسلامي وأهله ،وبين قصة احترام ذلك التخصص وأهله بون واسع كما بين السماء والأرض ، لكن لايدرك ذلك بعض الذين يريدون لتجربة الاقتصاد الاسلامي المزدهرة أن تذوب في وحل ( الكزرة ) والتلاعب بالتخصص وأهله .

وحينما انبلج نجم الاقتصاد الاسلامي والبنوك الاسلامية في ظل الأزمة المالية المعاصرة ( أزمة الرهن العقاري الامريكي ) تسابق الشرق والغرب إلى هذا التخصص باعتباره ياقوتة تُدر سيولة هائلة ويُحقق أمانا منقطع النظير لرﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎل الوطني و الأجنبي .

وبعد ذلك عُقدت آلاف الندوات والمؤتمرات العلمية عن هذا العلم الحديث النشأة ،وأُسست مئات المصارف الاسلامية حول العالم ( والقليل القليل منها أُسس على التقوى ) ، واعتمدت الحكومات العربية والغربية على الصكوك الاسلامية التي هي البديل الشرعي عن السندات ،و أذونات الخزينة في تمويل الدين العام ،وفي معالجة عجز الموازنات ، وافتتحت عشرات التخصصات والأقسام في الجامعات بدءا من جامعة هارفارد التي تحتوى على درجة التخصص الماجستير في التمويل الاسلامي مرورا بجامعة درم البريطانية التي تمنح شهادة الدكتوراه في البنوك الاسلامية ، ومرورا ببلادنا التي واكبت الركب ـ بفعالية والحمد لله ـ وفتحت شعبا وأقساما للاقتصاد والبنوك والتأمين الاسلامي .

لكن أكبر تحد يواجه هذه التجربة الرائدة هو احتقار التخصص والمتخصصين في هذا المجال وخاصة الوطنيين منهم، خاصة وأن الكثير من أساتذة التعليم العالي والفقهاء يغتصبون ويحتلون تلك الأقسام ويعتبرونها مبادرة مالية لهم الحق في احتلالها عن غير دراية بهذا العلم الدقيق والحديث ، ويقضون جل وقتهم في تدريس هذا التخصص أو في احتلال مناصب هيئة الرقابة الشرعية في البنوك وشركات التأمين، وإبعاد أهله .

كما أن المؤتمرات التي تُعقد لدراسة هذا النوع من التخصصات يتم فيها تقديم الأجنبي الوافد الذي ـ رغم احترامنا له ـ إلا أنه لا يدرك مشاكل المجتمع الاقتصادية والمالية ، ولا نوازله الفقهية الخاصة. ولهذا فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال.ويتم إبعاد الباحث الوطني عن سبق ترصد وإصرار.

إن المُتمعن في جُل الندوات والمؤتمرات التي تُعقد في بلادنا لبحث قضايا التمويل والاقتصاد الاسلامي ـ رغم قلتها ـ سيرى أنها تتسم بظاهرتين اثنتين هما:

أولا: احتقار أخلاقيات البحث العلمي : فليس هنالك التزام بتقييم التجربة الوطنية في هذا المجال ، أو وضع حلول لمشاكل البنوك الاسلامية في بلادنا ،و المشاكل الأكاديمية التي تحيط بهذا التخصص، وبالتالي هي ندوات لا تقيم للبحث العلمي وَزنا ، للأسف الشديد ولا تخدم بالتالي المشروع الوطني الذي يحتاجنا جميعا.

ثانيا: احتقار الخبراء و الأكاديميين الوطنيين : حيث لا تضع الثقة فيهم ولا تهتم بهم.

وتحضرني قصة عجيبة تُحكى كطُرفة من إحدى الطُّرف عن أحد المراكز المالية في بلادنا حيث استدعى خبيرا مرموقا في الاقتصاد الاسلامي من دولة عربية شقيقة ، بمبالغ هائلة وعندما طرح الجمهور سؤالا عليه عن ( المرابحة كما تجري في البنوك الموريتانية ) اعتذر وقال إنه لايدري شيئا عن تلك البنوك ولاعن معاملاتها وبالتالي لايمكن له الاجابة عن ذلك السؤال.وللأسف قامت إحدى القنوات الفضائية المحلية الخاصة باستضافته كخبير ضيف على بلادنا وطرحت عليه نفس السؤال عن المرابحة فأجابها بنفس الجواب السابق.

إن على الجميع من أساتذة ومُدراء تنفيذيين ومراقبين شرعيين إن هم عجزوا عن المساعدة في خدمة الاقتصاد الاسلامي ومؤسساته كما ينبغي ، فعليهم أن يتخلوا عن تدميره وتدمير أهله وخبرائه .وإلا فإنهم ظالمون مُعتدون و عَنْ أَبِي مُوسَى , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ الظَّالِمَ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ " . ثُمَّ قَرَأَ : وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ سورة هود آية 102 . الآيَةَ .قال شُعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم. صحيح ابن حبان بتحقيق الأرناؤوط .

و كثمال تطبيقي على صِفات المُتخصصين في الاقتصاد الاسلامي نورد هنا صفات المُفتين الشرعيين في المؤسسات المالية الإسلامية فيجب أن يتصفوا بالعلم والخلق والورع إضافة إلى التخصص في فقه المعاملات المعاصرة وهذا مانص عليه قرار المجمع المتعلق بلجان الرقابة الشرعية حيث يقول:

" 1ـ هيئة الرقابة الشرعية : وهي مجموعة من العلماء المتخصصين في الفقه الإسلامي وبخاصة فقه المعاملات لايقل عددهم عن ثلاثة ممن تحقق فيهم الأهلية العلمية والدراية بالواقع العملي للتأكد من أن جميع معاملات المؤسسة متوافقة مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وتقديم تقرير بذلك للجمعية العامة وتكون قراراتها ملزمة"(2).

كما عدد المعيار الشرعي رقم (٢٩) شروط المفتين في ما يلي :

1ـ يشترط في عضو الهيئة أن يكون ذا ملكة فقهية متمكنًا من فهم كلام المجتهدين قادرا على التخريج الفقهي أو الاستنباط في القضايا المستجدة طبقا للقواعد المقررة لذلك، وأن يكون متصفًا بالفطانة والتيقظ والعلم بأحوال الناس وأعرافهم، والتنبه لحيلهم في التزوير وقلب الكلام وتصوير الباطل بصور الحق.

2 ـ تعرف الأهلية الفقهية بالاستفاضة أو بالقرائن كالدراسات المتخصصة في الفقه، وبخاصة فقه المعاملات المالية المعاصرة.(1).

د محمد الأمين و لد عالي خبير في الاقتصاد الاسلامي

سبت, 23/05/2015 - 09:32

          ​