الرئاسيات / الطريق إلى "التأجيل"..!!

لا يمكن للرئيس محمد ولد عبد العزيز عمليا المضي بهذه الطريقة إلى الرئاسيات القادمة، ويتعين عليه اتخاذ خطوات سياسية عاجلة أكثر "حياء" و"احتشاما"، إن لم يكن لإرضاء الرأي العام الوطني، فعلى الأقل ليجد الشركاء الأجانب (وهم الأهم بالنسبة له وبالنسبة أيضا لأطراف في معارضته) ما "يحسنون السكوت عليه"..

 

أن يصارع الرئيس نفسه، ويتسابق معها في "حلبة فارغة" إلا من مرشحين "ورقيين"، فذلك أمر لا يمكن تفهمه، بغض النظر عن ملابساته ودوافعه، فلكي يكون الرئيس مقنعا عليه - على الأقل - أن يتسابق مع مرشح معارض حقيقي من "الحجم الكبير" أو "المتوسط" أو حتى "غازية الربع"، فالسباق الديمقراطي لا يحتمل المسرحيات، ولابد له من "ديكور" قوي مقنع براق خارجيا على الأقل..

 

 

لن يخسر الرئيس شيئا بتأجيل الانتخابات، فمن المعروف – ربما - أنه الفائز الوحيد فيها، لأسباب معروفة، وذات جذور راسخة في الديمقراطيات "الشكلية" في الوطن العربي وأفريقيا، وسيمكنه "التأجيل" – يقينا - من ترتيب أوراقه بشكل جيد، خاصة وأن حملته متواصلة (منذ 6سنوات وأكثر)، وينخرط فيها الجميع من وزراء، وقبائل، ووجهاء، وعسكر، ورجال أعمال،(تسخر لها التعيينات والامتيازات) وطريقته في "جلب" الأصوات فريدة من نوعها، فكل المشاريع التي بدأها يستغرق تنفيذها عادة سنة فما فوق( بما في ذلك رئاسته للإتحاد الإفريقي )، وهو ما يعنى أن "الناخبين" ملزمون بتجديد الثقة فيه، وإلا فالمشاريع و"الإنجازات" ستتوقف عند نقطة البداية، أو قبيل بلوغها المراحل الحاسمة والنهائية،( من السيئ جدا أن لا يصلنا الكهرباء لأن المولد في جيب فخامته وأن لا نبحث عن الماء لأن "الحفارة" عنده وأن لا نجد التغطية الصحية لأنها تحت سترته وأن لا نحصل على حجرة دراسية لأن تمويلها تحت وسادته) وهذه خطة انتخابية جيدة لا تقل أهمية عن ربط كل شيء في البلاد بالرئيس، من "قطع سرة الوليد" إلى توقيع "اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية"، وبمعنى آخر فإن الرئيس هو وحده صاحب "الحل والربط"، وهو أيضا - في حالة المشهد السياسي والانتخابي في البلاد -  "الخصم والحكم"..!!

والواقع أنه لا شيء يخيف الرئيس انتخابيا، وقد أعد العدة الكافية "لاكتساح" الصناديق "تعجيلا" أو"تأجيلا"، فهو لا يخشى منافسة "مسعود" ولا "جميل" ولا "أحمد ولد داداه" الذي يعتبر ترشحه أكبر تهديد انتخابي له ولأغلبيته، لأن الانتصار عليه يتطلب عادة بذل جهود قد تصل حد "المغناطيسية"، و"تطيير الحروف"، ليس فقط لإقصائه وضربه معنويا، ولكن أيضا ل"تنجيح" بعض خصومه التقليديين في المعارضة، كسرا لعظمه، ونكاية في طموحه الصبور للوصول إلى السلطة.

 

ومع ذلك فإن  كل المؤشرات تدل على أنه يتعين فعلا على الرئيس تأجيل الانتخابات، والعودة للحوار مع المعارضة، ولو لإقناعها (مثلا) بتقديم مرشحين يستخدمون "بهارات" للطبخة علها أن تكون "متذوقة" خارجيا هذه المرة أيضا..!!

يستطيع الرئيس الاطمئنان التام على عدم قدرة المعارضة على الاتفاق، أحرى على تسمية مرشح موحد، هو يعرف ذلك لما لديه من "عيون" مفتوحة في "المنتدى" وعليه، و"عقول" راجحة في "المنسقية"، ويدرك جيدا أن المعارضة لا تشكل عليه خطرا انتخابيا، إلا في حالة حدوث "سابع المستحيلات"، وهو (عملية اقتراع شفافة مجمع عليها مراقبة وطنيا ودوليا لا علاقة للإدارة وأجهزة الدولة وأموالها ووسائلها بها تديرها لجنة مجمع عليها"فيها من كل زوجين (سياسيين) اثنين" مع حيادية وسائل الإعلام ( الآن الرئيس يسيطر على وسائل الإعلام سياسيا واجتماعيا وأمنيا عبر مربع "العمليات" ولد محم، خيرة، ويرب، ومحمد الشيخ ) ووقوفها على نفس المسافة من الجميع..

 

 

وبنفس القدر يمكن للرئيس عدم الاطمئنان لأغلبيته التي لا يمكن الاطمئنان لها أبدا، فطالما "قلت" مكوناتها يوم "الفزع"، و"كثرت" يوم "الطمع"، وهي في تقلب ولاءاتها، وتنافر أهدافها ومطامحها، وتوجه "بوصلة" أطماعها وانتهازيتها، مثل "أحوال الطقس" تنتقل من أقصى البرودة والتجمد، إلى اقسي درجات الحرارة والذوبان..!!

إن الرئيس مطالب بتأجيل الانتخابات ولو شهرا واحدا، لتحسين "واجهته الانتخابية" فالشركاء الأجانب لا يمكن خداعهم بقطع "ديكور" ورقية، يتم تركيبها وقت الحاجة، فهم يطلقون عبارة "المعارضة الموريتانية"( على طريقة الأعمى مع الفأر ) على حزبي "تكتل القوى الديمقراطية"، و"اتحاد قوى التقدم"، و"ملحقاتهما"، ولا يرون معارضة أخرى أكثر إقناعا في البلاد..

ليس بمقدور الرئيس القول إن التأجيل خط أحمر دستوريا، فهو تحرك مرات عديدة خلف "خطوط النار" الحمراء دستوريا، والدستور بالنسبة له مجرد مؤشر "زئبقي"، يتمدد هنا، ويتقلص هناك، عند الضرورة..!!

 

ربما بات واضحا أن تراجع النقيب "احمد سالم ولد بوحبينى" عن خوض غمار الرئاسيات هو ضربة "تحت الحزام" لجهود الرئيس، الرامية لتقديم "كوكتيل" انتخابي تنافسي قد لا يغير شيئا من حقيقة فوزه، ولكنه - على الأقل -  يعطى انطباعا بوجود شكل من أشكال التنافس على كرسي الرئاسة..

 

فهل كان "ولد بوحبينى" طعما قذفت به قوى المعارضة في مستنقع المشهد السياسي المحلي الآسن ليبتلعه الرئيس..؟!!

لا أحد يجزم بذلك، ولكن من الواضح أن لعبة "المنتدى" كانت كبيرة جدا( مثلها مثل لعبة الرئيس الذي قذف بمرشحين لو كانت الدولة دولة قانون لما وصلت ملفاتهم إلى "الدستوري " أصلا ) فنقيب المحامين عضو فاعل فيه ،ولو سارت الأمور نحو حوار جديد، وتراجعت السلطات عن تعنتها، وتنازلت للمعارضة، فسيكون لديها مرشح مجمع عليه قدم ملفه قبل فوات الأوان، وإن بقيت الأمور في "النقطة الميتة" حاليا، فليس أسهل على "المنتدى" من إقناع النقيب بالانسحاب من المنافسة الرئاسية، خاصة وانه لم يخسر شيئا، وكل الدلائل كانت توحي بأنه لن يربح شيئا بالمضي قدما في منافسة رئيس فائز أصلا و"فرعا" في انتخابات معروفة النتائج والملابسات والآليات..!!

 

 

لا خيار أمام الرئيس سوى تأجيل الانتخابات، فعليه لعب أوراق جديدة و"رابحة" في لعبة "كسر العظم" بينه وبين قوى "المنتدى" التي ليست على قلب رجل واحد، ولكنها تدير اللعبة ( حتى الآن ) بكفاءة معتمدة على بؤس الأوضاع المحلية واحتقانها درجة "اللون البرتقالي" سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وعلى شركاء دوليين (نتذكر جميعا أنف السفير الفرنسي وهو يدسها في مقرات الأحزاب السياسية الوطنية بل حتى في منازل أشخاص يقودون منظمات غير مرخصة وفى ملفات الشأن الداخلي الوطني كلها ) لن يقتنعوا بأقل من انتخابات يشارك فيها الجميع، حتى لو كان ظاهرها مجرد "مهزلة" (يصرطونها بزغبها) كتلك التي عاشتها البلاد في مناسبات انتخابية سابقة..

 

وطريق التأجيل تبدو سالكة، وأقل مطبات من المسار الأحادي الراهن، الذي يغلق أبواب مستقبل الخروج من الأزمة السياسية المحلية الصاعقة..ويضع عربة المشهد السياسي المحلي أمام حصانه الحرون.

 

حبيب الله ولد أحمد

ثلاثاء, 13/05/2014 - 15:21

          ​