مقاطعة المنتدى: مغامرة سياسية! ... أم رعونة ديمقراطية؟

اكثر ما اخافه على موريتانيا هو الانقياد و راء المصالح الشخصية و العواطف العابرة، في القضايا الوطنية المحورية لأن ذلك باختصار يضع البلد في حلقة مفرغة، في غنى عنها و لا مبرر لها منطقيا، و لا سياسيا، و لا ديمقراطيا ... و أكثر ما استغربه هو تخلي البعض عن مسؤولياته الاخلاقية و السياسية و التاريخية، في هذا المنحى لأسباب غير مقنعة.في الرابع من شهر مايو المنصرم، أعلن المنتدى الوطني للديمقراطية و الوحدة (الذي يضم احزاب  معارضة و شخصيات نقابية و مستقلة) عن مقاطعته للانتخابات الرئاسية الجارية، مبررا قراره بتعذر الحوار مع النظام و بأن هذه الانتخابات ليست توافقية و لا تعني له شيء، و ندد المنتدى برفض النظام لمطالبه الاساسية (تشكيل حكومة توافية، اعادة تشكيل المجلس الدستوري و لجنة الانتخابات، تأجيل الانتخابات ... الخ) ... الا يحمل هذا التصرف في ثناياه ارتباك سياسي، و تمرد على الديمقراطية؟

و هل تشكل  المقاطعة رهانا جديدا للمنتدى، بعد أن فشلت اغلبية مكوناته في رهانات الرحيل، و (عجز الرئيس) !؟منطقيا لا مبرر لمقاطعة انتخابات جاءت في وقتها الدستوري الطبيعي و في جو مريح على المستوى المحلي  (استقرار ـ أمن ـ تنمية ـ حريات ...الخ) و اكثر اريحية على المستوى الدولي لان البلاد حاليا تحظى بهيبة دولية و مكانة مرموقة تمنحها ثقة عالية بين شركائها في التنمية و ثقة اكبر على المستوى المحلي تضمن مرور الانتخابات بكل شفافية و نزاهة، لكن المنتدى تجاهل هذه المعطيات و راهن على خيار (المقاطعة) كخطوة يرى انها الاجدر لإفشال الانتخابات الاحادية حسب تعبيرهم، معتبرين ان مشاركة نظرائهم في المعارضة (بيجل ولد هميد ـ ابراهيما صار) جاءت بضغط من النظام.لقد راهنت المعارضة سابقا على (ضجة الرحيل) تقليدا لمهازل الربيع العربي (او الصيف الجاف) ان صح التعبير، و لكنهم فشلوا في القضية حين عرفوا ان الرئيس محمد ولد عبد العزيز خيار للشعب و ان صلته بالقاعدة الشعبية صلة متجذرة لا صلة شعارات، بل هي علاقة صفاء وود مبنية على الانجازات المجسدة على ارض الواقع، وهكذا ظهر للمعارضة حينها تمسك الشعب برئيسه المنتخب الفائز في شوط اول بنسبة مريحة و في انتخابات شهد العالم بنزاهتها و شهدت المعارضة نفسها بأنها شفافة، لكنهم ظلوا يرددون شعار(الرحيل لعزيز و بدون تأخير) و ردد الشعب بلغة الافعال (لا ترحل يا عزيز فأنت بيننا مكرم و عزيز).و ايام (رصاصة أطويله) ظهرت اغلب قوى المعارضة بخطاب جديد اقرب الى (الحقد على شخص الرئيس) منه الى التعامل عبر الاساليب الديمقراطية المتحضرة مع نظام يحكم باغلبية مريحة، و كثفوا جهودهم التعبوية و ضاعفوا نشاطهم في الداخل و الخارج و اعلنوها في ضحى النهار (عزيز عاجز جسديا عن تسيير البلد) و أقسم احدهم على ذلك امام حشود المناضلين ...

 

وقع ذلك كله في جو اظهر فيه الموريتانيون (حكومة و شعبا) تمسكهم بالرئيس (الحاضر الغائب) و تمظهر ذلك التمسك بالهدوء التام و الاستمرارية الطبيعية لعمل المرافق العمومية و سير هيئات الدولة على احسن ما يرام، رغم غياب تفاصيل صحة الرئيس لفترة معتبرة، و كان ذلك اكبر برهان على هشاشة المعارضة و قوة الرئيس و قربه من قلوب البسطاء و تماسك نظامه (و قد شهد الرأي العام الدولي و الاقليمي و المحلي بذلك)، و هكذا لم تكن المعارضة منصفة و لا متريثة و هي تتجهز (لاستقبال جثمان الرئيس) على حد تعبير احد قادتها، مستعجلة اعلان مرحلة انتقالية في البلاد و متجاوزة في ذلك كل التقاليد (الاخلاقية و العرفية و السياسية) في التعامل مع الغير و مؤازرة (أغلبية الشعب الموريتاني) في محنته ... بل ضربوا بكل ذلك عرض الحائط و شمتوا بأنصار الرئيس و اهاليه بأسلوب غير لائق.و فجأة ظهر الرئيس في صحة جيدة و عاد الى البلاد معززا مكرما و خرجت جماهير انواكشوط عن بكرة ابيها احتفالا بقدومه و عكس ذلك الاستقبال العفوي الخارق للعادة مدى الثقة بين الرئيس و شعبة، و تأكدت المعارضة بأن (عزيز حي يرزق) ... و تحول (عجز الرئيس) الذي اقسم عليه بعض رموز المعارضة الى (عجز المعارضة نفسها)، و افلست المعارضة و بدأت تبحث عن وجه جديد تقابل به الرأي العام.رجعت الامور لمجرياتها الطبيعية و بدأت الحكومة في التحضير للانتخابات التشريعية و البلدية و فشلت المعارضة (كعادتها) في التماسك و الاتفاق على موقف  واحد، فمنهم من شارك و منهم من قاطع و نظم المسار الانتخابي بهدوء و حسمت نتائجه لصالح الاغلبية الرئاسية مع وجود حصة معتبرة لصالح المعارضة المشاركة.بدء التحضير لرئاسيات 2014 و شـُـــكّـل المنتدى و اخفقت المعارضة في التوافق على مرشح موحد لمواجه الرئيس محمد ولد عبد العزيز ولم يوفقوا ايضا للوصول الى حوار منتج مع النظام (بالرغم من استعداد الاخير للتجاوب معهم)، لكن تصلب مواقف المنتدى أثر بشكل حاسم على مجريات الحوار، و وصلت اطراف الحوار الى مفترق طرق ادى بالنظام و المعارضة المشاركة الى البدء  في التحضير للانتخابات، و شرع المنتدى في التحضير لرهانه الاخير و هو (المقاطعة) ... و هنا اوضح ملاحظات اساسية على ضوء ما سبق ذكره:

 

 ·       ان السياسة اداة للتعبير عن الرأي بطريقة محترمة تستلزم من صاحبها الالتزام بلكثير من الحيطة و الروح الرياضية، و الترفع عن العواطف الذاتية و النزوات العابرة، إذ السياسة مواقف جماعية لا قرارات فردية؛

·       لقد فشلت المعارضة في الاستحقاقات الماضية (التشريعية والبلدية) في حسم خيار المقاطعة، و حينها شارك بعض المعارضة و قاطع البعض الآخر، و هو تصرف ينم عن عدم انسجام تلك المعارضة و تصدعها الداخلي؛·    

 

   الخطاب السياسي للمعارضة لم يعد مرحبا به لدى المواطن البسيط (لأنه خطاب سطحي) مبني على التجريح و الشتائم الموجه الى شخص الرئيس، بينما المفترض أن تكون المعارضة على مستوى التطلع من حيث مراقبة عمل الحكومة و تقديم أدلة واضحة و مقنعة على اخفاقات النظام بطريقة سلسة، بدلا من السطحيات و اثارة البلابل عبر استغلال أي حادثة عابرة؛·       الدافع الاساسي للمقاطعين دافع (شخصي مصالحي) لا تحكمه المصلحة العامة للبلد و لا السعي وراء استقراره و تنميته المستدامة؛·       المواطن العادي اليوم مقتنع بانجازات المترشح محمد ولد عبد العزيز، الملموسة ولن تثنيه شعارات المقاطعين و لن يقتنع بهم لأن من واجبه تثمين الانجازات و المواصلة فيها سعيا الى تنمية البلاد، بعيدا عن مغالطات المقاطعين و خطاباتهم التي اكل الدهر عليها و شرب؛

·       هناك عدة مؤشرات نراها من داخل حملة المرشح محمد ولد عبد العزيز قد تؤثر سلبا على نسبة المشاركة، من ابرزها مثلا: أن الناخب البسيط هدفه الاساسي نجاح المرشح محمد ولد عبد العزيز، و مادام لا يرى منافسا حقيقيا لمرشحه فلن يبذل الكثير من الوقت (قد لا تسخره له ظروفه المحلية)، و هذه النقطة هي بالذات الامل الوحيد المتبقي لدى المقاطعين ... بطبيعة الحال سيكثفون جهودهم الدعائية للتطبيل لهذه المسألة و تقديمها للرأي العام كمكسب يراهن عليه المنتدى.

يرى الكثير من المراقبين المحليين للساحة السياسية الموريتانية أن المنتدى الوطني للديمقراطية و الوحدة (كمرحلة من مراحل اهم تكتل معارض في البلاد)، تلقى ضربة  حاسمة إذ فشل في تقديم مرشح توافقي للانتخابات الراهنة، حينها اختار  ان يغطي على فشله  بقرار المقاطعة الذي لا مبرر له، و لسوء الحظ لم تسلم تلك الخطوة من بعض (الرعونة الديمقراطية) و سيظل المنتدى بكل تشكلته يدفع ثمن تصرفه المتسرع، فعلى غرار قاعدة ( لا عذر لأحد في جهل القانون) فانه تماما ( لا عذر لأحد في جهل الديمقراطية). 

 

  عبدي ولد البشير ولد امحيحم

منسق حملة شباب المرشح محمد ولد عبد العزيز على مستوى ألاك

 [email protected]

46907260

اثنين, 16/06/2014 - 21:01

          ​