ضمير ومقاومة..العقبات الكبرى / الشريف ولد أباه

  إهلال

   "لئن يكون لي نصف وجه ،ونصف لسان، على  ما فيهما من قبح المنظر، وعجز المخبر، أحب إلي من أن أكون ذا وجهين، وذا لسانين ، وذا قولين مختلفين"

سعيد إبن أبي العروبة

كان صديقي قبل اليوم ينظر لليساريين الشباب في المهجر، ويمنيهم بالثورة على الأحكام الشمولية،ويعدهم بالوصول إلى دولة يحكمها القانون العادل،وتوزع مواردها بالقسطاس المستقيم بما ينفع الناس ويمكث في الأرض؛

وكنت أشاطره الرأي في الديموقراطية الثوبالفضفاضالذي يشبه الدراعة الموريتانية التي يرتديها بعضنا  تمشيا مع الموضة وتشبثا بالذاتية الشنقيطية، وهي عموما متعددة المنافع لمرتديها، لكنها  اليوم لاتناسب المساكن الحديثة، تهدد  الأكواب الزجاجية،والأ قداح القصديرية ،والأواني المعدنية  بالتحطم، فإن خالطتها الدراعة تصبح هشيما تذروه الرياح، وإن علق طرفها برجل مرتديها قد يحدث ما لاتحمد عقباه،وهي في الآن نفسه الدرع الواقية من الحروالقر والغبار"وريف والذمبان".

أما الديموقراطية فهي أوسع من الدراعة وأكثر انفتاحا منها إلى حد كونها كاشفة لما تستر الدراعة مما يتعين ستره، بل يجب ستره  في شرعنا طمعا في ظل ظليل يوم لاظل غيره، والديموقراطية  ليست من صنع محلي ولامن الصنع الصيني الذي تعودنا على استعماله، وأرى أننا لم نحسن استعمالها لجهلنا بنشأتها، وما حاولنا تقنينها ولاضبط فضفضتها والأخذ من طولها وعرضها لتلائم سمتنا، ووجدنا فيها من المرونة ما جعلنا نتخذها  ترسا يقينا سهام الأعداء، يقول صاحبنا:

  مافتئت أفكر في أصل الدراعة،وكيفية تغييرنسقها  ووسائل تطويرها طولا وعرضا، إلى أن عقدت العزم أن أنقل جيبها من يسارها إلى يمينها في ملابسي،وأن أنقص من طولها وعرضها،وتوكلت على الله، مع جهلي الواضح لتصميم الأزياء،  كما كنت أتأمل نظم الحكم الديمقراطي المناسب لنا ، وهل علينا أن نختارمنه الأكثر ملاءمة لقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا  قبل أن نشرع في استنساخ  دساتير وضعتها دول مغايرة لنا إلى حد كبير ،و قد لانتفق معها إلا في المبادئ الإنسانية ، والنوع البشري ، ونختلف في الدين والتراث والثقافة والقيم والأعراف والحضارة.

ولم أحسم أمر الدمقراطية لأن الحسم فيها رهين بإجماع أهل الحل والعقد ولست منهم. ويضيف: أحيانا أرفض ما تحدثني به  نفسي :أن قد كتب علينا أن نكون تبعا مقلدين،لا مستقلين مبدعين، لااجتهاد لنا ولاتجديد، والإبداع عندنا في "التبراع"فقط لاغير،ولا يقلدنا فيه غيرنا،إذ لم نستطع نقله من المحلية إلى العالمية، ولم نضف جديدا في المجال الثفافي ينسب إلينا،وليس عندنا فن معماري نعرف به،ولا وجبة غذائية معروفة خاصة بنا أبدعناها ك"كيب أجن" السنغاليه ذائعة الصيت زكية الرائحة شهية المذاق جميلة المنظر   .

ولذا نحن نتأثر بما يجري في الخارج من أحداث بسيطة أكثر مما نتأثربما يحدث فينا من طامات كبرى تهد الجبال الراسيات،فلا تتجافى جنوب شعبنا عن مضجع خشية من فتنة، ولاخوفا من فساد،ولكن نثورمع الخمير الحمر في كمبوديا، ونفورلانقلاب عسكري في بوليفيا، ونمورلأتفه الأشياءفي بعض الدول المجاورة. 

نرهق أنفسنا في موريتانيا بالجدل عديم الجدوى، وتحاليل وآراء لاتمت بصلة لقضايانا،ولما تنشرالمواقع الفضائحية "تسريبات ملفقة" نطفق   نتداولها بيننا على أوسع نطاق عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتشغل الناس عن أوجب أولوياتهم ،وتهدر من وقتهم ما لو وظفوه لرقي وطنهم لرتقوا به إلى عنان السماء.

  وعلى كل، فصاحبنا يمقت الإرجاف عموما،والذباب الألكتروني، بل الذباب بجميع أنواعه، ويجد راحة واطمئنانا في توثيق عرى العلاقات مع اليسارالعالمي وأحزابه، ومجتمعه المدني.

وكم كانت تغمره السعادة في استشراف مآلات الأمم، ويقرأ بعناية التقاريرالصادرة عن منظمات حقوق الإنسان، ويتبنى مضامينها ويدين ما تدين مع بعض التعاطف تجاه نوع الاتحاد السوفياتي القديم، والصين الشعبية، وكوريا الشمالية، وكوبا شيكيفارا، ويحزن مع من يتعاطف معه لما يلدغه ثعبان حقد خارج من جحورتقارير حقوق الإنسان.

لقد رسخ في ذهنه أيام الصبا "دهر الجقار و لكلي" حب هذا العالم مع عدم اهتمامه بالعالم الأول والثاني والثالث حسب تصنيف العوالم القديم .

ويقول: كم هممت أن تكون لي مشاركة ما في رفع التحديات التي تواجه بلدي، والهم ناشب في ضميرالمقاومة ؛ وقد ابدع الحارث اليشكري في قوله:                                

 إنما العجز أن تهم ولا تفعل

والهم ناشب في الضمير

أرقا بت ما ألذ رقادا

تعتريني مبرحات الأمور.

ويصرح: أعترف اليوم انني كنت أحلق في سماء أرض بلدي،لاأراه إلابمجهر غيري وعينه العمشاء التي لاتميزألوان طيفه، ولاأسمع إلا بأذنه الصماء عن بعض الأصوات الجادة.،

 ويضيف: كم تمنيت أن أجول سبسب موريتانيا وأرمق فدفدها، وأتملك آليات التفكير العميق فيها وفي مستقبلها من داخلها، وأبحث في تاريخها القديم عن ماضيها المعيش، وفي حاضرها عن العقبات التي تحول بينها وبين التقدم على درب الرخاء والرفاهية والإزدهار،وليت شعري، أهي التنمية البشرية والتربية والتعليم؟

أم الحكامة والحكم الرشيد ؟ أم تحديد الهوية وتخصيص الإنتماء ؟ أم إشكالات الحداثة وما بعدها ؟ أم ما يراد بوطني في العولمة ونهاية التاريخ ؟ أم الإرهاب والفكر التكفيري التفجيري في وطني ومن حوله ؟ أم ما تريد دول الجوار منا أن نكون ؟

وأبدأ بها، وهي: السنغال ومالي والجزائر والمغرب، ويمكن تقسيمها على قسمين، القسم الأول السنغال والجزائر، والقسم الثاني مالي والمغرب ؛

وذلك أن القسم الأول وظف اسمه المستعمرفي إحتلالنا وقهرنا ،والقسم الثاني ساند المقاومة  في حمايتنا من الاحتلال والقهر.

 هذه هي الحقيقة التاريخية المجردة،وسنراها في هذا الحديث العابر والذي لن أرهق نفسي فيه  بالتقسيم والتبيين لأني استهدف فيه فتح باب الحوار والانصاف فقط .

 وسيكون الخيط الناظم له هو المقاومة، تاركا للقراء الكرام حرية اكتشاف وخزات الضمير.    

أولا السنغال

وسنغال  تصحيف للفظ صنهاجة ـ قبائل حمير التي هاجرت من اليمن السعيدإلىهذه الربوع وامتزجت بالأفارقة امتزاج الماء باللبن،وبخاصة ممالك"والو" و "السنغاي"والولوف" والليبو" وسكان فوتاطورو" والتكروروالسيرير......  وأسست حاضنة للتآخي مع  السنغال قبل تشكل الإمارات العربية بقيادة المغافرة .  وكان ــ سقوط امبرطورية غانا على يد المرابطين في القرن الخامس الهجري ــ،بداية تاريخ جديد، إذ اتجه مركز القوة المرابطية إلى المغرب  الأقصى،   وحماية الأندلس في جنوب أوروبة وغربها الجنوبي؛   ولن نترك جاذبية التاريخ تزج بنا في متاهاتها البعيدة ، لذا سنعود سريعا إلى ما يفيدنا منه في فهم تطور علائقنا مع السنغال ، وكيف و صلت إلى ما وصلت إليه الآن،ليتسنى لنا بلورة تصور يساعدنا على اكتشاف مطلبها في بناء العلاقات معنا،  مرورا بما نسجته تجارة الصمغ العربي  مع الأوروبيين و النخاسة عبر المحيطات،التي  كنا جميعا من ضحاياها ، و لن ننس الرافضين لهذه التجارة البغيضة والمقاومين ضدها،ومنهم العلامة أحمدو بابا التنبكتي والإمام ناصر الدين،و العلامة ابن الأعمش، فالأول حبس في مراكش أيام السعديين ، والثاني استشهد غدرا في تلتلاس، والثالث امتهن التدريس و انزوى يحل الغاز النوازل في شنقيط واعتزل الفتن والسياسة، وكانت وجهة نظره الشرعية مع المغافرة والقوة القادرة على التحكم وبسط الأمن وحماية الثغور، ويرى أن المغافرة أقدر عليه من الزوايا، وأن أمور الإمامة ليست من أصول الدين وتلتبس بحظوظ النفس وأهوائها؛ وهذا رأي العلامة مينحنا والزعيم العلامة الفغ الأمين بن سيدي الفاضل ، فالدين عند هؤلاء القوم كاف لتنظيم أمور الناس، فإذا صلحت القلوب انتفت الحاجة إلى الإمامة.

والرق جزء من علائقنا مع السنغال ولن نتعداه حتى نميز الخبيث من الطيب، فالخبيث هو النخاسة عبر بحر الظلمات، والطيب هو رفضها ومقاومتها، فالأول من صنع أوروبا وبابوات الكاتوليك ، والثاني عمل أئمة بلاد شنقيط وأمرائها.

 ويقول الشيخ آنتجوب إن الإسترقاق قضية إفريقية ولا يد للمرابطين فيها ، ومن المسلمات  التاريخية أن الدول الأوروبية   مارست هذه التجارة الرذيلة دون استثناء يذكر، وسنت لها القوانين وعقدت الاتفاقيات مع بعض السكان المحليين لتوفير الرقيق بلا خجل ولا وجل ولا تأنيب ضمير عبروا عنه، حتى البابوات والقساوسة والرهبان ما وقذتهم رهبانيتهم عن إباحتها والتشجيع على مما رستها، بل جعلوا الرق من شعائر دينهم  وزلفى للمسيح الذي ضحى بنفسه فداء للبشرية(راجع النص الكاملللفتوى البابويةالملزمة للمومنين الكاتوليك للبابا نيكولاس الخامس، 8 يناير 1454 ]

وكذلك [المدونة السوداء بتاريخ 23 ابريل 1615موجودة في الشبكة العنكبوتية ] ، وللقارئ الكريم المحترم حق السؤال عن سبب إثارتي للنخاسة القديمة، فأقول له، إنه " الاستغراب" كما نسمي من درس الثقافة العربية من الغربيين مستشرقا، وللتنبيه  فأني لم أجد في الغرب الحر من أحرق مثل هذه الفتاوى الجائرة، ولا من طالب بإعادة كتابتها وتنقيحها  ولا من نصح بالعزوف عن تديسها.

وأعود إلى مكمن نسج العلائق في "آكمني" عند مصب نهر صنهاجة في بحر الظلمات والمظالم ، مقر الشركات الأوروبية للنخاسة وتجارة العلك ، لأشير إلى  هزيمة جيش التوابين الذي يدين بالولاء للإمام ناصر الدين. إن هذا الجيش بيع أكثرمن أسرمنهم  لشركات النخاسة في آكمن أو اندر، وهجروا إلى العالم الجديد عبيدا، وأرغموا على اعتناق النصرانية كرها.

 ولو نجحت جهود الفغ الأمين بن سيدي الفاضل ــ الذي قاد الزوايا بعد ناصرالدين ـــ  والأميرهدي بن أحمد بن دامان في "الوحدة الوطنية " لما استطاع تجار الرقيق تنصيب أمراء موالين لهم في جولف وفوتا طورو، وإنشاء مراكزفي داكانا وبودور،أو كلفهم التمركز في هذه البلاد ثمنا باهظا.

ولما استقرت فرنسة في السنغال، بعد فشل تلك  المساعي  الحميدة  استمرت الحرب بين العرب وبين الزوايا واستشرت الفتن،في شرق فوتاطورو مع أمراء لبراكنة، ولجأت إمارة الترارزة لإبرام الاتفاقيات تارة مع البرتغال وهولاندة وتارة مع فرنسة والانكليز، وقد لاحظت إن استقرار الفرنسيين في السنغال يشكل تهديدا لوجودهم، والهيمنة على الأرض والإنسان في بلاد شنقيط جميعا، كماسبق لهم أن تجرعوا  مرارة خيانة الفرنسيين للعهود، ونقدهم المواثيق الغلاظ التي أبرموها معهم، فتوجس الأمراء خيفة من مكرهم ،فبدأوا يغازلون الانكليز  بعد اقتناعهم أن هولندة لم تعد قادرة على المنافسة التجارية للمملكة الفرنساوية في مجالي الرقيق والعلك في آكمانَ وبخاصة اندرالذي أصبح سانلوي، ولافي أغلب مناطق غرب افريقية .

وهكذا كان الانكيليز المنافس الشرس لفرنسا في إفريقيا كلها حيث استطاعوا بسط سيطرتهم على كمبي الأقرب إلينا وانسحبوا من غينيا بعد أن أخذوا منها ما شاء الله أن ياخذوا من صامت المال والخول،ولذلك فأول عملة ذهبية انكليزية سموها "غينيه " "جينيه ، واستقروا في غانا والسيرليون ونيجيريا والقرن الإفريقي وانشغلوا بها ؛وخلا الجو للفرنسيين فصمموا علىإهانة أمراء هذه البلاد واحتلال  ارضهم ، فتمركزوا على ضفاف نهرصنهاجة في سينلويهم وبودورهم وعكفوا على إعداد بعض السنغاليين وتعليمهم اللغة الفرنسية وتدريبهم على الرماية والمهارات العسكرية ، فكانوا قوام جيشهم لاحتلالنا، واكتفى البرتغاليون بالرأس الأخضر وبساؤو وبعض المواقع الإفريقية وتشتت جهود اسبانيا في آمريكا اللاتينية .

 وهكذا استجلبت فرنسا الكثير من الأفارقة وكونتهم مع الرماة السنغاليين وهم الذين  عزز بهم كبولاني  جيشه الجزائري للهيمنة علينا صلحا أو عنوة، و شاركت أربعون من "الرما ة السنغاليين"  في غدر الأمير بكار ولد أسويد أحمد في بوكادوم فاتح بريل 1905، يقودهم "أفرير جاه"، ويركضون خلف دليلهم "أبو رغال" ولد جابر .                                                          

إن جراح الأمير الشهيد لم تندمل بعد، فما تزال تنزف في ذاكرة الأحرار من المجتمع الموريتاني إلى يومنا هذا، وإن كانت رؤيا الشريف سيدي ولد مولاي الزين قد جعلها ربي  حقا، مساء عاشر مايو من العام نفسه بمقتل كبلاني، وهو أمر ما غاب عن تنفيذه ابطال إديشلي والزاوية الغظفية وأمير آدرارالشاب سيدي أحمد ولد أحمد العيدة شهيد  "وديان الخروب" والشيخ حسن بن الشيخ ماء العينين، وقبيلتي كنته في الرشيد، وإدوعلي في تجكجة.

فإذا كان مقتل كزافييه كبولاني رأس غزاة الإستعمار مفخرة المجاهدين وأبناء أبنائهم،  فكذلك ذكر السنغاليين  والجزائريين في مقتل أمير الشهداء بكار ولد أسويد أحمد، وصمة عار غير قابلة للإندثار.

 ولكن هل الأربعون سنغاليا الذين ذكرهم أفرير جاه هم فعلا سنغالييون؟ وما الفرق بينهم وبين التكاريرفي جيش الغدرالفرنسي؟ وإلى أي بلد من بلاد التكرور ينتمون ؟ وما الفرق بينهم وبين "كوميات" في ذلك الجيش ؟ وما الفرق بينهم وبين أفراد من قبائلنا الذين اضطلعوا بمهام لخدمة المستعمرفي عملية بوكادوم؟ أم أن أجزاء كثيرة من التاريخ تزور لترسيخ العداوة والبغضاء بين الشعوب ؟ ومن له مصلحة في وضع الألغام في طريق التعايش السلمي بين الجيران؟

لنترك باب التفكير في الإجابة عن هذه السؤالات مفتوحا لأصحاب الإختصاص من المؤرخين وغيرهم. 

والعلاقات مع السنغال متعددة الأبعاد ،غامضة الأسباب، لكن ثورة الشيخ الحاج عمر طال،كان لها مابعدها، فجهاده المستعمر،و دعوته للوثنيين،  واختلافه مع إمارة اولاد امبارك وقبيلة ماسنة، وانتشار قبيلته في عدة دول، وإقصاء فرنسا لهم عن السلطة،وهم أحق بها حسب رأيهم، كل ذلك زاد العلاقات تعقيدا بعد الاستقلال.

وهو بلا شك مقاوم الزاويةالتجانية الأول في هذه البلاد، يناصره بعض أنصارها، ويناصبه العداء أعداؤها، وإن كان   الحاج مالك سي  في تواون فضل أن يعكف على تربية أتباعه محافظا على   الدين من داخل النظام الفرنسي الذي خضعت له بلاده ،وعلى المودة في القربى مع الموريتانيين .

أما الشيخ أحمدو بمبا فما هان ولااستكان ،ومع أن له صداقة حميمة مع الشيخ سيديا باب،  وقضى مدة منفيا تحت رعايته في كثيب الجرارية وفي الصرصارة ،وله أتباع من مشايخ موريتانيا وعلمائها منهم سيد أحمد ولد اسمه، مؤلف كتاب "ذات الواح ودسر"                                

ومن هذه العلائق يأتي ما يمكن تسميته بالمجتمع المدني في اندر الذي نشأت فيه مدرسة ثقافية من أبرز أعلامها دودو سك أبن المقداد الذي أنقذ بعثة  ابلانشي من الموت في إينشيرى أوآدرار، وكانت داره ناديا ثقافيا بإمتياز مفتوحة  ،                  

 وهي                                                 

هذي الدار الل لا خلات                 

عادو فيها لفلوحة                      

بيها لكدام ا لا اتبات                    

ليلة ماه مفتوحة                        

وقد أبدع الشعراء في مدحه عند قولهم             

ومع ذ من فعل  إغل                       

وتموريره اتفكريشة                        

ناكظ ومشنكر بيه الل                       

غابنتو وذنو فالعيشة                        

ويمكن القول دون كثير عناء أن مدرسة اندر مزجت بين الثقافة العربية في بعدها الأدبي عموما والشعري خصوصا وبين الثقافة الإفريقية في جوهرها الفني الموسيقى ومروياتها وتقاليدها عموما والرقص خصوصا، ويبدو ذلك جليا في الاحتفالات التي تمارس في مناسبات الأفراح والأتراح بما يعبر عنه في الظاهر وفي الخفاء من آلام الماضي  الأليم، وآمال المستقبل الواعد بما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، ومتعة  الحاضرالمعيش في أحضان المستعمر الفرنسي.                                                                         

ولقد صمدت هذه الثقافة الهجين أمام مناهج الشك والتشكيك وسادت القارة الإفريقية كلها، وحاولت بناء ذاتيتها على نتائج مجموعة من البحوث التاريخية والسوسيولوجية والسياسية فجاء آنت جوب ب"السبق الحضري" لإفريقيا نابذا أطروحات الغربيين وأ طاريحهم التمدينية حيث يقول " إن امبراطورية غانا سبقت دولة شارلمان بأربعة قرون " وان لا معنى لإفادة حضارية قادمة من الشمال إلى الجنوب، وسلك المؤرخ الكيني علي المزوعي نهجه واقتفى أثره.

وعكفت مجموعة ثانية من الأفارقة على إستخراج قيم الحضارة الإفريقية وإنسانيتها، فأستخرجوا "التضامن" و"الإيثار" و"التشارك"، فتبنى  سنغور و انييريري التشارك، الأول في وحدة الإنسان وإمتزاج الدماء الإنسانية بنسب متفاوتة ،والثاني جعل منه مشروعا سياسيا أكثر إنغلاقا .

 وتجدر الإشارة إلى أن هذه الثقافة  بما فيها "الزنجية" عند آمي سيزير وليوبول دار سينغور ظلت متحولة غير ثابتة على حال ،تميل احيانا إلى جعل الحضارة الإنسانية كلها إفريقية المنشأ،وفي هذا المنحى انصبت جهود المؤرخ الشيخ آنتجوب وبعض معاصريه ممن اقتنعوا بتلك الأطاريح وحاولوا جاهدين البرهنة علي السبق الحضاري الإفريقي من خلال البحث الأركولوجي وأصول السلالات الإفريقية ، وقدماء المؤرخين اليونان .           

أما الطائفة الثانية فما لبثت أنانبهرت بالرخاء الإقتصادي الفرنسي،"توباب" وحاولت الانصهار في بوتقة الثقافة الغربية عوض منازلة الإستعمار، فلم يبق من عملهم كله غير النزر القليل، لا يعدو أن يكون من النقد الذاتي الفرنسي لا غير.

فعند تأسيس العاصمة نواكشوط ظهرت رواسب مدرسة اندر في  ممارسة بعض العادات الغربية الإفريقية،و من أبرزها الرقص، فكان حكام العاصمة نواكشوط في مهدها الأول يحثون كبار رجال الدولة على المشاركة في حفلات الرقص برفقة زوجاتهم دون تحفظ ، وأستمروا يرقصون ردحا من الزمن جهارا في امسيات صاخبة ،وليتهم كانوا يرقصون على إيقاع "اكنو" و"لبليدة" و"دكداكة"  عوض "الروك" و"اسلاو" و"لباتانغا".

وتجدر الملاحظة إلى أن  رفض اليسار العربي  الموريتاني للاستلاب والرقص الجماعي ــ الذي اختلط فيه حابل اندر بنابل  نوكشوط ــــ ، كان أقوى وأنجع من رفض الأئمة والوعاظ  التقليديين في العاصمة الفتية نواكشوط ، والأمانة تقتضي الاعتراف لهم بما حققوا من منجزات النضال.            

وإذا تجاوزنا تلك العادات التي لم تصمد أمام تيارات الرفض العربية  والانتماء الإسلامي، ويمكن أن نلاحظ أنه لم يبق من الرقص الفاحش  في موريتانيا اليوم غيررقص النساء في الأعراس، حيث يتفاخرن باللياقة البدنية  متبرجات بزينتهن، متنكرات بتغطية وجوههن؛ولولى اليوتيب ووسائل التواصل الاجتماعي لبقي محدودا في محيطه الخاص ؛ ونحمد الله حمدا كثيرا على أن الرقص الأول سبق وسائل التواصل الاجتماعى واختفى قبلها.

وأظن أن النخبة السنغالية المتفرنسة في وقتها كانت مزهوة بهذا التحول في "نار كنار"والتأثرالعميق بمدرسة سينلوي واعتبارها المثل الأرقى  إن لم نقل هيمنتها على ساسة النظام الجديد، الذي لن يكون منافسا للسنغال ما دام مقلدا لها ومتشبها بها، إذ "المشبه بالشيء لا يقوى قوته"، بل سيبقى تبعا مكملا في أحسن أحواله، لا مرجع له غير "سينلوي" و"داكار" و هذا ماكانت  النخبة السنغالية  تريد من الدولة الموريتانية المستقلة  حسب رأيي المتواضع والذي حاولت تبسيطه هنا لأفتح باب النقاش فيه واسعا ولتسبر أغواره مع المؤرخين والانتربولوجيين والسياسيين .وقبل مغادرة السنغال أشير إلى أهم ما حققنا معا من تعاون مثمر، وهوعلى إنشاء منظمة استغلال النهر، ولوقلدتنا فيه مصر والسودان واثيوبيا لما خلق سد النهضة هذه الازمة الحادة بين الدول المذكورة آنفا؛  وحان وقت الحديث عن  مالي                                       

ثانيا مالي              

 مالي بلاد الأئمة أوبلاد السودان، أوبلاد التكرور، ولا تعنينا تسميتها ب"فرس النهر",

وإن عرفت بها في التاريخ الغابرلكثرة خروج ذلك الحيوان الغريب من نهرها .

 فمالي الحالي بلد شاسع مترامي الأطراف متعدد الأعراق : "المانديك"، "البنمربرا" ، "التكرور"، "السرغلي"  ، الفلان، الطوارق، العرب ، ويحتضن مدينة تنبوكتوالتي دانت للملك السعدي المنصور الذهبي وخرجت عن دولة السونغاي طوعا أوكرها، وهي بلا منازع  إحدى عواصم الحضارة العربية الإسلامية،  وبها سجل مخطوطات علماء الشناجطة ، ويقطنها خليط من العرب والطوارق والفلان والأمازيغ،وكذلك مدينة أروان  العالمة التي كانت تهوى إليها افئدة من الناس  طلبا للعلم، وهي من  أزواد ملتقى الحضارات ومعبر تجارة الملح والتوابل والبضائع بمختلف أنواعها، وفي مالي مدينة جنة عاصمة السحرة، ويقال إنها من المدائن  التي بعث إليها  فرعون مصر رسله حاشرا سحرتها، لمواجهة سيدنا موسى عليه السلام،  ومنها مدينة سيغو المحورية على ضفاف نهر النيجر عاصمة جهاد  الحاج عمرطال ومقر جيوشه لغزو الوثنيين ومن تحالف معهم من النصارى وقبائل ماسينا وامارات العرب وزواياهم. وقد كتب كثير عن ذلك التاريخ، وما يروي منه أكثرتشعبا مما كتب، وتختلط فيه الحقيقة بالخيال والحق بالباطل .

ولا نروم في هذه الورقة إعادة كتابة تاريخ مالي، وإنما نود اكتشاف ما بقي من تاريخه مؤثرا في العلائق الحالية مع موريتانيا علما أن دولة مالي الحديثة لم تحقق الوحدة الوطنية الصلبة منذ خروجها من بيت الطاعة الفرنسي، ودخولها في حروب أهلية لاهوادة فيها، وجد فيها الارهاب ملاذا مناسبا له كما وجد فيها تجارالحرام سوقا رائجة، فاشتعلت فيها نار فتنة كادت السنة لهيبها تحرق النيجر،وتدمر بوركينا فاسو، وتربك الأمن المريتاني، وتستدعي تدخل جنرالات الجزائرلمآرب أخرى،فشاع اختطاف الرهائن ، وقتل الأبرياء العزل بدم بارد، في دول السهل الإفريقي والساحل والصحراء،وأصبح أمرا مألوفا ،نحمل "القاعدة" أو"داعش" أوزاره ومسؤوليته بعيدا عن حركات الانفصال في المنطقة وجذورها الممتدة في أرضنا وأرض دول الجيران.

 من ذلك أن العرب في  مالي يستمدون قوتهم من أبناء عمومتهم في موريتانيا ،كما يجد طوارق مالي  الدعم والمساندة من "زندر" و"أكدز" في النيجر، وترعاهم عيون  في جبل نافوسة في ليبيا و تراقبهم عيون من تمغاست في الجزائر، ويتلقون المساعدة ذات الطابع الإنساني من المغرب عن طريق بعض إماراتهم التي لجأت إليه في عهد موديبوكيتا. حيث لجأ أمير كلنتصار محمد على إلى المغرب بعد نضال مرير في مالي للحفاظ على الهوية التارقية، فمنحته المملكة المغربية ،ليس حق الجوء السياسي فقط وإنما، حق الاندماج في المجتع المغربي ومنحته الجنسية المغربية ولمآت من أتباعه، وفتحت لهم مدارسها وجامعاتها، وأعطتهم الأولوية في الوظائف الشاغرة،ووفرت لهم المساكن اللائقة، وأكرمهم العرش العلوي بهبات وافرة يعود إليهم ريعها إلى يومنا هذا.

وكان هذا الأميرمحمدآعل أوفر حظا من الأمير زكريا بن خينو ولي عهد إمارة د كيماغا الذي جاب الدنيا بحثا عن معين لاستعادة إمارته من المستعمر الفرنسي .

ولا يمكن ان ننسى أن مالي كانت مركزا لجناح جيش التحرير الذي قاده الزعيم حرمه ولد ببانه النائب الأول لموريتانيا في البرلمان الفرنسي، ولم يكن صوته خافتا فيه ، فهو الذي عارض تقسيم فلسطين 1948، وكانت له ميول يسارية مفعمة بقيم الدين، ورفض الهيمنة الفرنسية، وأشتد خلافه مع الحكام الفرنسيين في اندر وداكار، وحاكموه غيابيا ، وحكموا عليه بالإعدام، فلجأ إلى عبد الناصر في القاهرة، وحط الرحال في الرباط، وبايع سلطان المغرب معلنا أن موريتانيا جزء لا يتجزء من المملكة المغربية ،وأعلن الحرب على فرنسا وأعوانها على حد سواء، فانتمى لجيشه التحرري الكثير من أبناء القبائل الموريتانية وصالوا من بامكو على النعمة والحوض والغربي، وجالوا في أرجاء موريتانيا يرهبون المستعر وعملاءه وآخرين من دونهم، وربما تكون مقاومة  هذا الجيش  من مالي آخر مقاومة مسلحة ضد المستعمر الفرنسي بعد إعلان الاستقلال وبعد "تكل"و"السنين"و"محرقة وكوفيوه" الآثمة.

      ولزوايا الصوفية المناهضة للمستعرانتشار في مالي وإن كانت مرجعيتها موريتانية، القادرية بفرعيها الكنتي والفاضلي، والتجانية بفرعيها العمري والحموي، والشاذلية وبخاصة جناحها الغظفي، فالفاضلية أنجبت المجاهد الشيخ ماء العينين الذي أقض مضجع المستعمرفي الحوضين وعقد حلف الجهاد مع أمراء إدوعيش وأمراء آدرار واستقر مرابطا في السمارة وتيزنيت ومراكش وفاس يجمع السلاح تحت الرعاية الساميةلملوك المغرب وبدعم منهم، ويوزعه عبر آدرار وصولا إلى انيورو وتنمبوكتو وأروان.

 أما الشاذلية الفرع الغظفي فهم الذين قتلوا كبولاني، ولا مراء في أنهم أبلوا بلاء حسنا في الجهاد وشاركوا إخوانهم في تحرير بلادهم، من ذلك معركة سواني بن يادم 4 11   1911  بين المجاهدين في ليبيا والمستعمر الايطالي ؛ومكثوا مدة 8 سنوات في المدن الليبية ثم توجهوا شطر المسجد الحرام لأداء فريضة الحج ،وجهادهم في ليبيا بلغ صيته السلطان التركي عبد الحميد فحملهم إليه في قصطنطينة،واستقروا في بلاد الأناضول بعد الحج مهاجرين، ويسمى عام قدومهم إلى ليبيا عام الشناقطة .

واتباع الشاذلية اشربو في قلوبهم الجهاد، وذلك أن الشاذلي نفسه جاهد الفرنسيين في معركة المنصورة وانضم للجيش المصري وقد تقدم في السن وكف بصره واستنارت بصيرته رضي الله عنه وأرضاه.

 أما التجانية فقد تحدثنا عن الشيخ عمر طال.

 ولابد من الحديث عن الشيخ المجاهد حماه الله والحديث عنه ذوشجون ،لقد رفض هذا الشيخ الخنوع للفرنسيين من أول يوم فنفوه من أرضه في مالي والشرق الموريتاني  إلى المذرذة في غرب البلاد وذهبوا به إلى "الكوتديفوار" وداكارالذي جمعوا له فيه المشايخ تغطي النياشين ملابسهم ويخطف البصرلمعانها، ومنهم من يتوكأعلى صولجانه المرصع، ربما بالنحاس والفضة والذهب لاندرى.

 وجيئ بالشيخ حماه الله مكبلا بسلاسل الحديد ليسمع هرطقة خارجة من  فم الحاكم الفرنسي، يأمر مترجمه بترجمتها بلغة يفهمها الشيخ، قال المترجم " يقول لك الحاكم المبجل، إن الدولة الفرنساوية العظيمة قادرة أن تفعل بك الأفاعيل، ولكنها فضلت أن تعود إلى رشدك ،وتخضع لفرنسا وتتعاون معها وستعاملك معاملتهالهؤلاء المشايخ، وستكون مثلهم في الأبهة والجاه والاحترام الممنوح لهم من لدنا نحن، وهذه فرصتك الأخيرة"

فما كان جواب الشيخ إلا أن قال: "ما أنا فيه أفضله على ماهم فيه" وبعد هذا المشهد الرائع الذي لقن فيه الشيخ حماه الله لفرنسا والمشايخ درسا صوفيا عميق المعنى، قرروا نقله إلى الجزائر ووضعوه في خلوة معزولة في وهران، ذاق فيها الشيخ حماه الله حلاوة الإيمان . وكانت المقاومة الجزائرية  في مرحلة صعبة من محاولة إعادة التنظيم

ولما أن جاءهم نبأ وجود الشيخ في وهران في خلوته طودا شامخا ، أصبح مزارالمقاومة ووجدوا فيه المدد الروحي  المزلزل لفرائص الاستعمار، فنقله المستعر الى باريس، ويوم وصوله إليها دخلها الالمان ،وسقطت عليها صاعقة من السماء ،وبعد مدة رحلوا به إلى"موه ليسوه" ليقضي الله أمرا كان مفعولا .

   ولنتقل الى الجزائر                      

ثالثا : الجزائر        

والجزائر في أيام ثورتها على الاستعمار الفرنسي ليست هي جزائر مابعدالاستقلال،وجزائرالخلافة العثمانيةمختلفةعن  الجزائرالمستعمرة، وجزائر فجر الاستقلال غير الجزائر اليوم.

ولكن لكل مرحلة أثرها في الحقبة الزمنية التي تليها.

وأود هنا أن أقول إن جيش الجزائر الذي غزت به فرنسا بلادنا لايمثل الجزائر الحالية قطعا ،مع أني لا أنكر أن لأفراده بعد عودتهم أثرا ما في أذهان بعض المجتمع الجزائريغير المقاوم، ويبدو ذلك جليا في أمرين : أولهما  شعور الشعب الموريتاني أن ما أملوا فيالأ شقاء الجزائريين بعد استقلال الجزائر،لم يبلغ مداه دون سبب واضح،وثنيهما ما يروج بعض الصحراويين من قدرة الجزائر على التدخل في الشأن الموريتاني الخاص دون حرج،وعدم الإلتزام بما يتم الاتفاق عليه بين القادة  من تفاهمات ثنائية تمس المصالح العليا للوطن ، ومثله ــ كما يقال ــنكوص  هواري بومدين على عقبيه في قضية الصحراء، مما أجج حربا أهلكت الحرث والنسل ،وأفسد اتحاد المغرب العربي.

وأرى أن انطباع الجزائريين ــ في جيش كبلاني  ــ،عنا من الأسباب الغامضة التي قد تجعل المتفرنسين منهم قد تبنوا آراء الضباط الفرنسيين فينا ،وهو اننا مجموعة من البدو الرحل أشبه مانكون بالحيوانات التي نعيش معها ، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.

ولافرق بين بعض الجزائريين في هذا الشعوروبين بعض السنغاليينفنحن "ناركنار"بما تعبرعنه من الازدراء والدونية والاحتقار.

ولقد تأخر استقلال الجزائرعن تاريخ إعلان استقلال موريتانيا الصوري، وحشدت فرنسا أساتذة من الجزائر ووطنتهم في المدن المويتانية لترسيخ اللغة الفرنسية وثقافة فرنسة المرفوضة من لدن المجتمع الموريتاني التقليدي، وقد نجحوا في هذه المهمة إلى حد ما في بتلميت ،وأطار،وروصو،ونواكشوط ،واستعملوا سلاح الازدواجية بين الفرنسية والعربية.

 وبعد استقلال الجزائر حصل تقارب في الآراء الموروثة، وخصوصا بعد "حرب الرمال" ،ووصل التفاهم ذروته في التعاون المالي في بداية سبعينيات القرن العشرين، لما أرادت نواكشوط الخروج من المنظومة المالية لغرب إفريقية والاستقلال بعملتها الوطنية، وتأمين شركة الحديدالفرنسية في ازويرات ، تحت ضغط حركة الكادين ومظاهراتهم التي هددت الحي الفرنسي في ازويرات ،وما صدها عنه سوى ضربهم بالذخيرة الحية وسقوط بعض الضحايا؛

 عندئذ أدركت نواكشوط أن لامناص من تلبية بعض مطالب الحركة الوطنية، ووجدت في الجزائرالمناضلة من أجل الحرية والكرامة المؤازر القوي الشجاع ،  فساعدونا بإنشأت  محطة لتكرير النفط في انواذيبوخاصة بتكريرالنفط الجزائري، وتكلفوا بطباعة العملة الجديدة "الأوقية".

 وما لبث صرح التعاون الموريتاني الجزائري أن تهاوى بسبب الحمم التي تساقطت على العاصمة نواكشوط والتي كادت أن تؤدي بحياة الرئيس والوزراء في حفرة واحدة.

 وأمطرت جل المدن المريتانية بالقنابل،وعادت السيبة جذعة بعنفوانها الأول، ولولى تدخل طائرات "الجاكوار" الفرنسية لتلاشت الدولة كلها.

 ولما قررت فرنسا حماية الدولة الموريتانية  في الحدود التي رسمتها لها، لجأ بعض حكام الجزائر إلى التخلي عن دعم النظام المالي الموريتاني إن لم نقل إغراق السوق المويتانية بالعملة غيرالمأذونة أوالمزورة، أما المصفاة فقد توقفت عن العمل بطبيعة الحال،وتفرقطلاب العلمالذين كانوا يدرسون في الجزائرإلى جامعات الدول المجارة، وتحولت لغة التعاون والحوارالبناء الى التنابز بالألقاب والتقاذفبالمجانيق والقنابل للأسف.

ولابد من الوقوف مع الثورة الجزائرية لنختم بها حديثنا عن هذه المآسي،ولولى الخوف من أن أكون مملا لحدثتكم عن الأمير عبد القادر وابن باديس وعائلة الابراهيمي وعن عنابة ولغواطوعين ماض والزاوية التجانية والطريقة القادرية،وأعدكم إن شاء الله بالعودة إلى جزائر الأمجاد والبركات في حديث خاص.

 ولقد حرصت  فرنسا على أن لاتغادر الجزائر ،وسامت الجزائريين المقاوميين لها سوء العذاب، وارتكبت محرقة تيزي وزو بالنبالم في الجبل،واعدمت آلاف السجناء، واقترفت من الجرائم والموبيقات مالايمكن حصره وجعلت من صحراء الجزائر ميدان تجارب ذرية.

وتاريخ الثورة الجزائرية لم يكتب حتى الآن بالطريقة التى يتعين أن يكتب بها ، ولا يزال محل تنازع بين فرنسا وبين الجزائر ،ولكن يمكن القول دون تردد أن فرنسا لما عمت الثورة الجزائرية  أرجاءها واشتدت في صحرائها ،أدركت أن لابد من استقلال من قدم مليون شهيد، أو ثلث سكانه لحماية الثلثين .

 واستقلت الجزائر شاءت فرنساأم لم تشأ ..                   

كان اكزافيي كبولاني يدرس الفكرالصوفي في الجزائر، ويترصد الانقضاض على بلاد شنجيط .و كانت البلاد في ذلك المنكب البرزخي ــ حسب تعبير الشيخ محمد المامي ــ تعيش فوضى عارمة،  التناحر على السلطة داخل الإمارة الواحدة ،والحروب بين الإمارات ، حتى أضحت السيبة سيدة البلاد ، وفي هذه المعمعة تم تعيين كبولاني لمهمة احتلال بلاد شنجيط 1899م ، ولم يجد عناء في احتلال الحوض الشرقي فضمه إلى مالي بمساعدة جيشه الجزائري الجرار، ثم اتجه إلى اترارزة مع افراد من جيشه وقوة سنغالية مدربة وضباط من الجيش الفرنسي النظامي، فدخلوا اترارزة حتى لجأ أمير اترارزة إلى إمارة آدرار.ولاندري أدخولها عنوة كان أم صلحا؟ لكل ما يدعمه. ثم احتل لبراكنة فلجأ أميرها أحمدو ولد سيد اعل الى المغرب، ثم احتلت تكانت التي قاومت فيها إمارة إدوعيش مقاومة شرسة بمساعدة قوية من الزاوية الغظفية والزاوية القادرية  فرع الفاضلية المقاومة بقيادة الشيخ ماء العينين ،كما آزرتهم إمارة آدرار قبل غزو الفرنسيين لها واحتلالها ، لكن المقاومة أعادت ترتيب صفوفها في اترازة ولبراكنة واركيبة والحوضين وتكانت وآدرار واستطاعوا دحر الجيش الجزائري الفرنسي السنغالي في مواقع كثيرة ،ومن طرئفها يوم "لكويشيش" حيث حاصر الجيش الفرنسي الأمير أحمد ولد الديد مع مجموعة قليلة من المقاوين على شاطئ المحيط فجرا ولما رأوهم يحيطون بهم، خاطب  ولد الديد قومه قائلا:"أنتم لاتعرفون السباحة ، وهذا البحرلاساحل له، وعليكم بالتمترس بهذه الرمال وترشيد الذخيرة ، لاتضيعوا طلقة واحدة ،فاجؤوهم بالرصاص لما يقتربوا منكم،وإياكم والعجلة فإنها من الشيطان".

 ولما حمي الوطيس، كان أحد الرماة يراقب تسديد الرصاص، فقال للأمير أنت لاتقتل إلا العبيد، فأجابه ماعلي الآن هو قتلهم وليس تحرير آبائهم.

 وفي الجيش الفرنسي يوم لكويشيش مجموعة كبيرة من الأفارقة وضباط من فرنسا الأوروبية وانتصرت عليهم الفئة قليلة العدد محدودة العدة بقيادة الأميرأحمد ولد الديد وغنموا[U1]  16 جوادا و18 سيفا و14 بندقية حسب ماورد في رسالة الشيخ محمد لغظف إلى أبيه الشيخ ماء العينين ، ويذكر فيها  مقتل القائد الفرنسي ، وهو الملازم ريبول، والانتصار العظيم للأمير ولد الديد  وفي رواية فرنسية، استطاع الجيش الفرنسي الإنسحاب تحت تغطية المدفعية حاملين جثة الملازم القتيل،وبعد هذا الحدث أمر العقيد كورو النقيب أووديود أن يقود تعزيزات عسكرية قادرة على نجدة هذه المنطقة المنكوبة . أما الصحافة الفرنسية فتحدثت عن معركة لكويشيش يوم 5  12  1908 وكانت المعركة يوم 28 11  1908  ومن  المصادفات أن يكون  يوم انتصار ول الديد  هذا هواليوم الذي صادف يوم تاريخ  اعلان استقلال البلاد 1960،وفي يوم 13 مارس 1910 دفن ريبول في مرسيليا وسلك جثمانه طريقا صعبا من لكويشيش إلى المذرذرة  محمولا على ثور، "وعظامه تذرذرت من لكويشيش إلى المذرذرة" ومنها إلى روصو وصولا إلى اندر لتنقله باخرة استامبول إلى مرسيليا. وتعتبر لكويشيش ثاني معركة تغنم فيها المقاومة غنيمة كبيرة ، فالمعركة الأولى معركة دركل أنتصر فيها جيش إمارة إدوعيش على جيش كبولاني في أواخر الشهر الثاني من عام 1905  بعد أن أمتهن افرير جان النهب فنهب 200 رأس من الغنم وأطنان من الحبوب من أحياء قبيلة كنتة، ولم يكن هذا كافيا لنفقة الجيش الجرار من الجزائيين والرماة السنغاليين وكوميات، فأرسلوا الضابط "ليسستر دي راي" يقود كتيبة منتقاة لنهب دركل وعلمت مخبارات إمارة إدوعيش بالأمر ونصبوا لهم كمينا في بئر دركل وقتلوا منهم 13 وجرح القائد "دي راي" جراحا بالغة فحاول الانتحار خشية وقوعه في الاسر وغنمت المقاومة بنادق ذات طلقات سريعة وكميات من الذخيرة واستطاع جيش كبولاني حمل قائدهم مثخنا بالجراح إلى كبولاني راضين من الغنيمة بالإياب .                           

   وحان وقت الحديث عن  المغرب

رابعا المغرب                    

أود في البداية أن أبشر القاراء الكرام أني لن أحدثهم عن أبي عمران الفاسي ولاعن وكاكبن زلواللمطيولاعنأبي بكر بن عمر،وسأريحهم من إعادة قراءة نشأة المرابطين ونهاياتهم، وأريح نفسي من العصفالذهني،واختصرحديثي على "أهل مولاي إسماعيل" كما نسميهم في بلاد شنقيط ،وتعالق الأرواح  بيننا وبين الزوايا الصوفية والعرش العلوي في المغرب الأقصى،ولن اترك                                                                                                

 السيبة في برزخنا المعزول الذي يتهافت الأوروبيون للسيطرة عليه وتتهافت الآراء حولهم ، وللطمع فيما عندهم رجاله، وصولا إلى تهافت التهافت ،إذ لا تكاد بلادنا في ذلك الوقت تخرج من معركة إلاإلى حرب ولا تكاد تخرج منه إلاإلى فتنة ،وكانت الزوايا الصوفية في المغرب تحرص أشد الحرص على ابعاد مشايخ الصوفية في برزخنا عن طلب السلطة والاشتغال بالسياسة لما في ذلك من خطر على الدين والدنيا معا حسب رأيهم ، ولأنهم خاضوا الذي خضنا ، فتجربة الإمارة السملالية في سوس غير مشجعة ، بل فشلت فشلا ذريعا، وكانت نهاية  عاصمتها إيليغ  نهاية مأساوية، والزاوية الدلائية لما بدأ تطلع مشايخها للسلطة والحكم دمروا وأصبحت أثرا بعد عين .

وكان مسكة ولد بارك الله وعبد الله ولد محم ينقلان تعليمات مشايخهما من تمكروت إلى علماء شنقيط في آدرا ر ويوصلانها إلى تينشيكل حيث  يوجد محمد الكريم ومينحنا والشيخ اليدالي، مرورا بأمراء آدرار،واترارزة وتكانت ،ولبراكنة  وأولاد امبارك وعلماء البلاد، وقد استطاعابعلمهما الواسع وفضلهما الجم مد جسورالمحبة بين الزاوية الناصرية في تمكروت وشرق بلادنا وغربها وشمالها، فكانت الزاوية الناصرية إحدى محطات بلادنا إلى الحج، ونجد فيها المأوى والرعاية والزاد في طريقنا إلى بلاد الحرمين ، ونحن أمة نجيد  اغتنام الفرص.

وبعثت الزاوية الناصرية إلينا أيضا سفيرها فوق العادة وكامل السلطة الروحية سماحة الشيخ المربيزينالعابدين الفاسيليسقرفي شرق البلاد مع الشيخ محمد لغظف ، {والله متم نوره ولو كره الكافرون}.

وبلغ التعالق بين سكان موريتانيا والمغاربة ذروته مع السلطان المولى إسماعيل وهوابن إبنتهم الموريتانية، ولما جاء إلى تنبكتو التي كانت جزء من المملكة المغربية ،عرج على الأخوال وما كان بإمكانه أن يحقق رغبته في زيارة مدينة شنقيط وتشيت ووادان وبلاد اترارزة، ووجد محصر الأمير بكارعلى مشارف تيرس وأظنه  في قلمان،كما أظن أن المحصر كان على علم أن السلطان آت إليهم،لما سيترتب على مجيئه من توثيق عرى الروابط، فلا غرابة في حضور الأمراء والأعيان والعلماء من جميع ارجاء موريتانيا إليهم،إما بدعوة من بكار الغول، وإما بمبادرة من قاض قضاة  وادان أومسك بن بارك الله وإما من علماء موريتانيا وأعيانها صحبة وفود صنهاجة وأمرائها وقادة المغافرة، ليحضروا حفل زواج السلطان بالأميرة اخناثة ،وذلك مذكور في بعض الروايات.

وليس من الغريب أنيتحدثوا مع السلطانعما أصاب حواضرهم وبواديهم من محن وفوضى ، وحاجتهمإلى إمام يبايعونه يسوسهم بالعدل ويحفظ بيضة الدين ، وبعضهم من أحفادالمرابطين يذهبون إلى أن الحاجة قائمة إلى رباط جديد يحيي الجهاد ويطبق أحكام الشرع ،ويحارب المنكرات التي عمت بها البلوى . ومعقول جدا أن يحملالشيخ سعيد كبير قضاة وادان  لواء هذه الدعوة،أليس هومن رحل إلى بلاد اركيبة محاولا تأسيس رباط جديد يحيي دعوة المرابطين؟ بلى، وقد أخفق بعد أن أغارت عليه قبائل من المغافرة متهمة إياه بنقل ملحمة ناصر الدين إلى شرق البلاد.

  ومعلوم أن السلطانيراقبثورات الزوايا التي انتقلت من تربية القلوب وتهذيب السلوك إلى حمل السلاح ، واحدثوا كارثة بالمغرب الأقصى خصوصا بلاد درعة وسوس ،أدت إلى دمار وفوضى، بعد تحلل دولة السعديين ،وهم يرون أنهم يخوضون نزاعا من النوع نفسه ، فمرادهم تأمين هذه البلاد وكبح حروب القبائلويعولونعلى السلطان مولاي إسماعيل في هذا الأمر، خصوصا أنهم أخواله وقد أصبحوا اليوم أصهاره .

يقول الأستاذ الشنقيطي " إن السلطان رحب بالجميع وأكرم وفادة ضيوفهولم يبين رأيا أويتخذ موقفا    "

وإذا كانوا قد بايعوا السلطان،فهم جماعة الحل والعقد في بلادنا إجماعا في ذلك الوقت،وبيعتهم تلزم سكان البلاد جميعا ،وربماتكون بيعتهم إياه  هي سبب تجهيز "امحلة" الجيش الذي رافق أعل شنظورة وابن رازكه إلى بلادنا لإقالة العاثرواستصلاح الفاسد في الإمارات وحقن دماء الناس وكبح جماحالسيبة.

ومن يقرأ تراجم علمائنا وكتب رحلات الشناقطة وديوان شعرائهم سيفهم عمق الروابط المغربية الموريتانية و سيجد من أخبار  الملوك العلويين والثناء عليهم الشيء الكثير، لايستثني منهم ملكا،وبخاصة مولاي عبدالله  الثاني ومولاي سليمان ومولاي عبدالرحمن ومولاي محمد الرابع ومولايالحسن الأول ومولاي عبد العزيز و مولاي احفيظ ومولاي يوسف وملك الحرية والتحرير محمد الخامس.

ومن تقصى أخبار "الوفد الموريتاني" وانقسام النخبة السياسية المغربية على مجموعات متعاندة،منهم من يتحدث عن"المغرب النافع"القادرعلى النماء السريع بموارده الذاتية بما تنبت أرضه ويستبعد مناطق شاسعة منعمق المغرب الحالي ومدنعريقة عن مغربه النافع، وسيجد منهم كذلك من  يبحث عن المغرب بعد الاستقلال لايعرف له حدودا،يردد مع الشاعرالموريتاني "[لستقلال] إنهول .خل بين العينين .عابدين إسول .عن عابدين امنين"أهوالبلاد الإسلامية التي لم تحكمها الابراطورية العثمانية؟أم بلاد القبائل التي بايعت أمير المومنين في مكناس أوفاس أوالرباط أو مراكش بيعة شرعية؟أم هو المملكة المغربية المعروفة؟

وكان الزعيم علال الفاسي رئيس حزب الاستقلال ممن يرى حدود المغرب الجنوبية نهرصنهاجة،وكان ذلك محل تندر من معاصريه وأقرانه،ويقولون له لم تتوقف عند نهر السنغال ؟ فلتذهب جنوبا إلى البحيرات العظمى وإلى نهر النجر وجبال التبستي شرقا                                                 

 وفي المغرب آنئذ جيوش تحريرمتنافرة كل جيش يسعى إلى احتكار أمجاد المقاومة ومفاخر التحرر لجيشه وإقصاء غيره من هذا الشرف العظيم.

ومن بحث وتقصى وغربل معطيات تلك الحقبة،يعرف الموقف الحقيقي لمحمد الخامس وولي عهده مولايالحسن المعروف بذكائه الخارق   وصراحته،وثقافتهومهارته البيانية،وكان يوافق بعض "الوفد  الموريتاني" على، أن الهدف  هو تحرير موريتانيا من الاستعمار، ولها ما يريد  شعبها بعدتمام حريته،ولما صار ملكا لم يغير موقفه،وقد سأل بوما أحد رجالات المغرب المتميزين في تلك الحقبة،هل تعتبرنواكشوط مثل فاس؟ فأجابه بنعم،يقول جلالة الملك رحمه الله :"تمنيت أن أصفعه" وقد أتيحت له فرص  1978 وطلب منه التدخل حسب بعض الروايات،ولكنهفضل بقاء الجيش المغربي حاميا عصب الاقتصاد الموريتاني في نواذيب وازويراتتاركا للموريتانيين اختيار نوع النظام الذي يحبون، وهذا شبيه بموقفالملك محمد الساس من المآزق الموريتانية والكوابيس"المتا مورفوزية " كما هي عند "فرانس كافكا"،التي أدخلنا فيها قلب النظم ظهرا على بطن، فكان موقف جلالته ــ  تجنيد ديبلوماسيته ــ لرفض حصار موريتانيا على المستوين العسكري والاقتصادي ،والحيلولة دون التدخل الأجنبي في الشأن الموريتاني الخاص، وتقديم  استتباب الأمنعلى الديمقراطية  الشكلية والفوضى .وقدم الكثير من الدعم المادي والمعنوي دون من ولاأذى، وهذا عشناه خلال "العشرية" وقابلناه بالجفى عوض الوفاء كعادتنا..............................                    

 وقدم ملوك المغرب قديما وحديثا  لنا من المساعدات مالا يعد ولا يحصى،  ولكن الاستعمارصنفهم عدوه الأول في بلادنا،لتبنيهممقاومتنا التيفاجأتالمحتل بضربات موجعة .

ولما كان إلي المغرب مهرب المناوئين للاستعمار، ودارهجرة المقومين، ذهب رجالنا الذين هيأهم المستعمر لاستلام البلاد من بعده إلى مناصبة المغرب العداء دون وجه حق ، ناسين أو متناسين فضله علي هذه البلاد، إذ منهامتدت جسورالفقه المالكي والعقيدة الأشعرية ، والمحبة والإحسان الجنيديان إلى هذه الربوع، وصحيح انه علم وثقافة وسلوك تشكل مجتمعة حصنا حصينا يستعصي على المستعمراختراقه.

ومع الوقت يتجدد التعالق المغربي المويتاني تلقائيا دون تخطيط،  ويتوطد عبر العصور والدهور دون قصد مبيت،قبل دخول الاستعمار وخارج سيطرته وبعد تحكمه في البلاد وخروجه منها،فلم  يفهم كنه هذه الروابط  والعرى الوثقى التي لاتنفصم، والتي يستعصي فهمهاعلى من لم يقرأ إلا ليقدم مسوغات لحكم جاهز لديه سلفا ماغاب الاستعمار عن بلورته في ذهنه.

وإذاكانت فرنسا لم تشيد  لنا بنايات،ولم تعبد لناطرقا في موريتانيا وكان تركيزها طوال فترة الاستعمار على غسل أدمغة السكان وتفكيك ارتباطهم بالمغرب ومحو ماضيهم من سجلات التاريخ الحديث أوتشويهه، فإننا نلاحظ اليوم وجود مجموعات من الشباب الموريتاني خارج السيطرة تغني مع بشير عبدو"نحنا مغاربة"بكلاعتزازوشموخ غير مكترثين بتوجهات السياسة والسياسيين.

كما نجد بعض النخب السياسية الجادة والرزينة تقول في مجالسها الخاصة إن من المناسب في الوقت الحالي الإقدام على الاعتراف بالوحدة الترابية المغربية علنا والسعي إلى تحريرسبتة وامليلية ودعم أي جهد يبذل في رجوع هاتين المدينتين إلى السيادة المغربية ولو بالمقاومة المسلحة ودعم المملكة المغربية في قضاياها.وإعادة النظرفي قضية الصحراء بعقلانية وهدوء وحكمة وأناة، فموقف السيدالرئيس الأسيق محمد خونا ولد هيدالةـ شفاه الله وعافاه ـ من الصحراء يتسم بالارتجال وتنقصه الشرعية،وغير ملزم للحكومات الموريتانية المدنية المنتخبة،ويدعون إلى سحب الاعتراف بالجمهورية الصحراوية لأنها ليست دولة حسب رأيهم إلا في أذهان من كانوا بالأمس القريب يتفاخرون بقتل الأبرياء ونهب ممتلكات المواطنين، ويرون أن على الاخوة  الصحراويين الاعتذار عما اقترفوا من جرائم الحرب تصفية للنفوس وجبرا للخواطر،{وقد خاب من حمل ظلما}.كما يقترحونفتح قنصلية في مدينة الداخلة لتجسيدهذا التوجه على أرض الواقع،تعنى بتسهيل مرورالقوافل التجارية ورعاية المصالح المشتركة وتنظيم حركة السياحة وتنسيق جهود الصيد البحري وتوحيد سوق منتوجه بما يحفظ المصالح ذات الصلة، بحجة أن العالم قد تغيرولامكان فيه للأسواق الصغيرة.

ونحن ندرك حساسية هذه المواضيع ،ولكننالانرى مانعاعنإخراجها من الظلمات إلى النورلتدرجفي جدول أعمال  أول حوار وطني، أوتخصيص جلسات لتدارسها في البرلمان لاتخاذ مايلزم مع العلم أن المكبوت يمارس سرا؛ وإن لم نفعل يبقى الهم ناشبا في الضمير.

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وعليه فاليتوكل المتوكلون الشجعان.

جمعة, 25/06/2021 - 11:56

          ​