ذكرى الإستقلال على ضوء مسيرة شعب قاوم الإستعمار "الأمير سيد أحمد ولد أحمد لعيده نمودجا"

يوم الإستقلال و أي يوم هو يوم الإستقلال ، إنه ذلك اليوم الذي طالما إنتظرته الشعوب و بذلوا في سبيل مجيئه الغالي و النفيس من مال ونفس و مهج ، عيد الإستقلال هو تعبير و تجسيد للإرادة التي تحلى بها أجدادنا و مارافق تلك الإرادة من معاني التضحية و الفداء في سبيل الحرية و النماء من قيود التبعية و نير الإستعمار ، في صبيحة يوم الإثنين الثامن و العشرون من نوفمبر المجيد 1960 أشرقت شمس الإستقلال معلنة إنقشاع حجب الظلم و الإضطهاد ، فلبى الشعب و تداعى لذلك النداء تملؤه الفرحة و يحدوه الأمل في رؤية وطنه يرفل في أثواب الحرية و النماء يمشي بكل زهو و افتخار نحو طريق التقدم و الإزدهار و لعه جدير بالذكر أن هذا اليوم لم يأتي فجئة دون سابق إنتظار و لم يقدم على طبق من كريم الأحجار بل جاء بعد مراحل صعبة من المقاومة قادها لبر الأمان رجال عظماء ، وقد إنصهرت كل فئات المجتمع في بوتقة واحدة لمقاومة الإستعمار كل في مجال إختصاصه متخذة بذلك المقاومة الموريتانية عدة أشكال على رأسها المقاومة العسكرية التي إشتعل لهيبها باكرا من خلال معارك سطر فيها أبطالنا المجاهدون ملاحم قتالية أرعبت المستعمر وبرهنت على شجاعة و بسالة شعب يرفض الذل و الخنوع وينشد الحرية و الكرامة و الإباء ، وقد رافق هذا الكفاح المسلح نوع آخر من المقاومة لا يقل شأنا عن المقاومة العسكرية ألا وهو المقاومة الثقافية فكانت هذه المقاومة تشحذ همم المجاهدين و تمجد بطولاتهم و تحثهم على الإستبسال و المواصلة و قد إنبرى لهذه المقاومة لفيف من الأدباء و الفقهاء فسخرو أشعارهم و فتاويهم لحث الشعب على ضرورة مساندة المقاومين و مقاطعة المستعمر ثقافيا و إقتصاديا من خلال رفض دخول مدارس و معاهد المستعمر حفاظا على الهوية العربية و الإسلامية لهذا الشعب و رفضا للثقافة الفرنسية الغربية ، بعد هذا الصراع المرير جاء الدور على النخب و المثقفين الموريتانيين ليقودوا ما سيعرف لاحقا بالمقاومة السياسية التي تمثلت في تأسيس أحزاب و كيانات سياسية تنمي الوعي داخل الشعب بضرورة نيل الإستقلال الشيئ الذي تجسد أخيرا ولاحت بشائره بالحصول على الإستقلال الذاتي 1959 و نيل الإستقلال التام 1960 و إعلان الجمهورية الإسلامية الموريتاية دولة مستقلة شعارها شرف - إخاء - عدل 
الأمير المجاهد سيد احمد ولد احمد عيده .....مسيرة جهاد

في مجتمع لايهتم كثيرا بالتوثيق ويعتمد غالبا على الذاكرة يصعب الوصول إلى تاريخ الوقائع والأحداث بدقة… ويبقى مصدر التواريخ هو وثائق المستعمر و الروايات الشفهية … إلا أن حادثة سقوط الدار على والد الأمير أحمد بن سيد أحمد العيده في عام 1899 م يكاد يجمع عليها الجميع ومن هذه الحادثة المشهورة فان عمر الأمير آنذاك تسع سنوات….أي أنه ولد سنة  1889م
تربى الأمير عند الشيخ ماء العينين فتشبع فكره بأدبيات الجهاد وغدى صبوحه وليدا ولم يزل يُظن فيه علو الهمة وهو لم يحلق القرون بعد هذا فضلا عن رصيده الأدبي الزاخر والذي جسدته ذاكرة الأدباء و الفنانين تعبيرا عن نخوة و شهامة و عروبة هذا الأمير والتي يضيق المقام عن ذكرها 
المهم حين جاءت مجموعة أولاد غيلان في وفادة على الشيخ ماء العينين نهاية سنة 1904 نصحهم باصطحاب الفتى سيدي أحمد بن أحمد بن سيدي أحمد وتنصيبه أميرا على آدرار ، فعملوا بنصيحته وتم تنصيبه أميرا لآدرار
تولى سيد أحمد الإمارة وعمره خمسة عشر عاما فكان عاشر أمراء أهل عثمان بن الفظيل في فترة تمر فيها إمارة آدرار بحالة من الفوضى وعدم الاستقرار . فأنشأ تحالفات قوية داخل الإمارة وارتفع شأنه وأحبه أهل آدرار. وقاد المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في معارك : تجگجة و آمساگ وأماطيل وحمدون واكصير الطرشان و ودان ، وقاتل الأمير سيد أحمد في جيوش كبيرة من المقاومين الحملة الفرنسية التي قادها العقيد گورو والتي انتهت بدخول الفرنسيين أطار في 9 يناير 1909 م. ثم انتقل بعد احتلال آدرار إلى الحوض وظل يشن حرب عصابات خاطفة تستهدف الحاميات العسكرية، وتضرب طرق تموين المراكز الفرنسية.. وفي 21 يناير 1912 م جُرح الأمير سيدي أحمد في معركة تيشيت الضارية ضد الفرنسيين بقيادة الحاكم العقيد باتي (Patey)، وأخذ سيدي أحمد أسيرا إلى سان لويس “اندر” ، وفي أكتوبر 1913 م وبرغبة من أولاد غيلان أعاد الفرنسيون سيدي أحمد إلى آدرار مع إرجاع لقب الأمير إليه ووقعوا معه اتفاقية أعطوه بموجبها صلاحيات واسعة وخصصوا له ميزانية إدارية تقدر بعشرة أطنان من التمر ومنحوه حق اكتتاب رجال الأمن وتنصيب القضاة ، وفي سنة 1918 م اتهم الفرنسيون الأمير بإقامة الصلات مع المقاومة في الشمال فاستدعوه إلى اندر وفرضوا عليه إقامة جبرية استمرت سنتين. وعندما عاد إلى آدرار سنة 1920 م وجد أن الوضع قد تغير ولاحظ أن صلاحياته السابقة لم يبق لها أثر فاستأنف المقاومة وابتعد بحلتة نحو سهول امگطير مطلع سنة 1932 م وتابعت الحلة سيرها شمالا فيما يعرف بـ ” الهجرة ” .وبعد مناوشات جهزت السلطات الفرنسية كتبية لحقت بالأمير قرب وديان الخروب وفي معركة غير متكافئة أظهر فيها الأمير ورفاقه المقاومين شجاعة و بسالة منقطعة النظير أستشهد سيد أحمد صبيحة 19 مارس 1932 في وديان الخروب 
والدة الأمير المجاهدة: لم تكن كل سمات الأمير سيد أحمد من شجاعة و كرم و إباء و فتوة محض صدفة بل مصداق لمقولة وراء كل رجل عظيم إمرأة وهذة المرأة هي سليلة الرفعة و الشهامة عيشه منت أعل ولد أحمد اللبية 
في حادثة غير مسبوقة لم نسمع عنها إلا في المجتمعات المتوحشة يأمر الضابط الفرنسي لكوك بقطع رأس الأمير الشهيد وحمله إلى والدته 
وقال لها: هل تعرفين هذا؟ فقالت برباطة جأش مربية المجاهدين نعم: أعرفه بكل فخر هو الشهم الذي أباد جنودكم وأذاقكم طعم الفجائع ومرارة الهزائم يوم: تجكجة وفي معارك اينشيري وآدرار …واليوم قتلتموه مقبلا غير مدبر ..لم يفر أبدا في كل المعارك التي خاضها ضدكم ..واليوم فاز بالشهادة فاحمد الله على ذالك. 
قالت ذالك بكل هدوء مماجعل الضابط يتغير وجهه وذالك بقوله: ما أصلب عود هذه المرأة انها لم تهزم. 
هذه نبذة في عجالة عن رجل كان مثالا للبطولة و الشجاعة و الإباء فكان أميرا و أديبا و فارسا 
نرجوا أن نكون وفقنا في هذه المشاركة .
على أن نلتقي في مناسبة أخرى بحول الله وقوته ونتحدث عن مجاهد آخر من آدرار قصم ظهر الاستعمار باغتيال منظره كزافي كبولاني وهو الشريف سيدي ولد مولاي الزين.

 

 

بقلم احمد ولد التقي ولد اكليب

أحد, 28/11/2021 - 10:54

          ​