تقاعُد حمدًا…/ سيدي محمد

حين اطلع الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح على كتاب إحالة الشاعر و الروائي اليمني الكبير رئيس جامعة صنعاء عبد العزيز المقالح، إلي المعاش، كتب موقعا على الكتاب بعبارته السائرة: “الإبداع لا يتقاعد”.

 

يقو ل العلامة الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمه الله عن التقاعد من الوظيفة:”الإنسان الذي يولد بالوظيفة يموت بالتقاعد ، والإنسان الذي يدفن في الوظيفة يُبعث بالتقاعد”.

 

يروى أن أحدهم قال للشيخ أحمدو باب ولد صلاحي “من باب طوارئ نواكشوط يومها إن” العلامة المؤرخ المختار ولد حامدن “التاه”، والإداري الدبلوماسي محمد فال ولد البناني “امّفال”، والترجمان والإداري محمد صالح بن الشيخ أحمد بن الفالي “النّن”، رتَرْتُو، فرد عليه:”الناس لكبار ما ايرترتو”فرد عليه:”الناس لكبار ما ايرترتو”.أمثال العلامة حمدا -حفظه الله- لايُقالون ولا يتقاعدون لأن علمهم هو عملهم، وعلمهم معهم..

كما قال الإمام الشافعي:

عِلمي مَعي حَيثُما يَمَّمتُ يَنفَعُني ::

قَلبي وِعاءٌ لَهُ لا بَطنُ صُندوقِ

إِن كُنتُ في البَيتِ كانَ العِلمُ فيهِ مَعي ::

أَو كُنتُ في السوقِ كانَ العِلمُ في السوقِ

أما تقلد وظيفة ما والإعفاء منها فهو كما يقول الأديب اعلِ ولد الميداح “الرجاله” لصديقة محمد عبد الله ولد ديدي:

تِنْگازك تِنكازْ الخَتْرَه :: تِنْگازْ امنْ الوظيفَه توْفْماهُ

تِنْگازْ امنْ السّترَه :: ؤلاهُ تِنْگازْ امنْ المَعروفْ

مثّل العلامة حمدا ولد التاه مدرسة أهل إيگيدي بعراقتها وأصالتها وأدبياتها واختلافها.

حين سأل الدكتور جمال ولد الحسن الإمام الأكبر بداه ولد البصيري رحم الله الجميع ، عن حكم الهول واصرند والدخان؟قال له الإمام الأكبر مداعبا أحيلك للمذهب الخامس!وحين سأله جمال مستفسرا عن المذهب الخامس؟أجابه بداه: مذهب أهل إيگيدي! وحين سئل العلامة حمدا ولد التاه عن حكم الهول أحال الفتوى لگاف الفنان الكبير محمد يحيَ ولد الببان رحمه اله:صَرّاگ امطگِي ماهِ گولْ :: سَمْعْ الهولْ ؤجَ مدّرْبِ وهَيّجْ فيه الصّرگه والهولْ :: يُهَيَجُ مافي القلبفالهول يحل ويَحرم حسب ما يهيجه في القلب …

ويحكى أنه أيام كان العلامة حمدا ولد التاه مديرا للتوجيه الإسلامي اجتمع ذات يوم بالعلماء والأئمة لنقاش بعض الأمور، وكان من بين الحضور الإمام الأكبر بداه ولد البوصيري- رحمه الله- لم يرق للإمام بداه طول الاجتماع فنهض من جلسته وهم بالانصراف قبل أن يختتم الاجتماع من طرف الجهات الرسمية؛ لكن حمدا أراد أن ينبهه على ضرورة انتظار اختتام الاجتماع بظرافته المعهودة فتبسم ثم تلا قوله تعالى: “وإذا كانوا معَهُ على أمرٍ جامِعٍ لم يَذهَبوا حتى يستَـأْذِنُوهُ.” فما كان من الإمام الأكبر بداه إلا أن رجع وجلس وقال بصوته الجهوري الذي تطبعه الصراحة والطرافة: یلالي مثقلك انت يولد التاه ومديمنك ومطيب سوراتك، ايو گول ذا الِّ لاَه اتگول.

يستحق حمدا على جيلنا الكثير والكثيرمن خلاله عرفنا العلوم الشرعية أدركنا أسرار مقاصدها ومدارك أقوالها وكيفية بناء الفروع على الأصول واندراج الجزئيات تحت الكليات والفرق بين القواعد والضوابط وأنواع مسالك العلل ومتى تلحق بها القوادح وغير هذا من ما يزري بطالب العلم الشرعي جهله حسب تعبير الأستاذ الأجل محمد معروف المرابط.ومما كتبه الفتى الألمعي عز الدين گرّاي، بعنوان: “في مجلس الشيخ حمدن””…

و أتيته يومًا لأشرع في قراءة نظم قواعد الزقاق المعروف ب(المنهج) فأحسست منه تحمسًا لتدريس هذا الفن الراقي من العلوم الإسلامية، و قال لي: إن عدم اهتمام أوساطنا المحظرية بما فيه الكفاية بعلم القواعد خلق قطيعة بين طائفتين من أهل العلم تطرفت كل واحدة منهما في جهة.فطائفة اهتمت بالأصول الكلية حتى ادعت الاجتهاد، و طائفة تعلقت بالفروع فجمدت على النصوص، و في رأيي أن علم القواعد هو الحلقة المفقودة لسد الفراغ بين الأصول الكلية والفروع.و لعل هذا ما أشار له الشيخ في مستهل نظمه البديع في أحكام مستجدات العصر:فبعضهمْ مال للانعزالِ :: تورُعًا مِنْ هذه الأحوالِو بعضُهمْ مال للاجتهادِ :: مع انقطاعهِ بكُلِّ وادِفضاعتِ الأحكامُ بينَ ذينِ ::

و ظهرَ الجهلُ على وجْهينِو عندما تقدم بنا الدرس في منهج الزقاق و وصلنا للقاعدة الخلافية: هل تتعلق الذمة بالعين ؟ بين لي أن من تطبيقات القاعدة: شخصٌ يُتعامل معهُ اتكالا على حانوت له أو حرث ثم شاءت الأقدار ضياع تجارته أو حرثه هل يتعلق ما يُطالب به من الدين بذمته فيتبعه به صاحب الدين، أم أن الدين يبطل لتعلقه بتلك العين الضائعة.ثم قال لي لقد كان في الخلاف المندرج تحت هذه القاعدة مخرجٌ لبعض الموريتانيين العائدين من السنغال سنة 1989 و الذين ضاعت تجارتهم و هُمْ يُطالبون بديون في تلك البلاد. و بعدها كنت أتساءل: هل يمكن أن يكون في هذه القاعدة الخلافية تنظير لما يعرف اليوم بالشركات ذات المسؤولية المحدودة ؟و حدثني أنه زار محظرة الشيخ العلامة الورع: أحمدو بن محمذن فالْ الحسني في إطار بعثة من وزارة التوجيه الإسلامي فسأل تلامذتها – و قد تحلقوا حول شيخهم– ما هو الوزن الصرفي لكلمة ”ملائكة” فانتصب في الحال للجواب منهم تلميذ لامع وقال مُصيبًا: وزنها : مَعافلة، لأنها من فعل ألِكَ على وزن فعِل، وقد تقدمت العين في بناء الكلمة على الفاء. و ألكني إليه في اللغة معناها: كن لي رسولا، قال عمر ابن أبي ربيعة في رائيته المشهورة:

ألِكْني إليها بالسلامِ فإنهُ :: يُشهِّرُ إلمامي بها و ينكِّرُ

و قال لي إن تحديد قدر معين في الأذكار قد يكون لسر في ذلك العدد، ولكن المقصود من كثرة العدد أيا كان هو أن يصادف الذاكر لحظة حضور بالفكر ولو مرة لينال إحدى أفضل مراتب الذكر التي أشار لها محمد مولود في المطهرة:و عملٌ على رياءٍ أفضلُ :: مِنْ تركهِ لخوفهِ و فضَّلواذكر اللسانِ غافلَ الجَنانِ :: على غُفولِ القلبِ و اللسان …

و في مجلس ضم رجلا من شرفاء قبيلة الأقلال قال لي: أتعرف إن قبائل موريتانيا يحتضنون من معهم من أهل البيت إلا الأقلال فقد احتضنهم شرفاؤهم في إشارة لقصة سيدي بوبكر الشريف الشهيرة مع أبناء محمد قلي.و مرة أتي بنا الحديث على علم الحساب فقال لي من بين طُرف فيه كثيرة إنه زار دولة الجزائر في وفد وكان من بين محطات الزيارة رؤية بناية شاقهة يفتخر بها الجزائريون آنذاك، فقال لهم: يمكنني معرفة طولها ببساطة، فقالوا : و كيف، فقال : آخذ خشبة بطول متر و أوقفها عموديًا على الأرض و أحسب النسبة بين طولها و طول ظلها، ثم اضرب تلك النسبة في طول ظل البناية فأحصل على طول البناية نفسها، لأن النسبة بين الأشياء و ظلالها في وقت محدد من النهار ثابتة لا تتغير…..كامل الود

جمعة, 06/05/2022 - 09:13

          ​