لا ننظر للأمور كما هى بل دائما نلجأ للتأويل و نقفز للشك و نضع ليس العصا فى العجلة فلا تتحرك بل نضع فيها قنبلة فتفجرها تفجيرا.
لم تمض بضع ايام من التوقيع على الإتفاق السياسي الليبى بالأحرف الأولى فى مدينة الصخيرات و قبل ان نقول باسم الله و نبدأ فى قراءة الآمال المعلقة على الإتفاق, حتى انبرى طابور طويل من الضفتين ! يؤول ما يؤول كل على هواه هذا يشد نحو الشمال و ذاك يجدب نحو الجنوب ! و كلاهما يتفقان فى الا تلاقى.
يقولون بأننا رجعنا الى نقطة الصفر و أنه لا جدوى و أننا عدنا الى المربع الأول , و نقول لهؤلاء ان سنن الكون تقول بأنه لا عودة ! فإما حركة الى الأمام و إما ممات و تلاشى ! فلا شيئ يعود الى الوراء و ما فات مات و كل ما هو آت آت !!
علينا ان ننظر للأمور كما هى لا كما نريدها نحن أن تكون ! و لنكن واضحين نحن لا نعانى فقط مشكلة شرعية و صراع بين سلطتين تختصمان أيهما أحق ؟ و لكن نحن فى حالة حرب اهلية و دولة منقسمة الى ثلاث دويلات و ربما اربعة بعد خلاف مجلس شورى درنة مع داعش و المزيد فى الإنتظار ؟ علينا ان نقر بهذا الواقع و ان نعمل على انهاء هذه الحالة حتى تكون لنا سلطة واحدة قادرة على بسط سيطرتها على كل البلاد.
ليبيا فى حاجة الى الإستقرار و الشعب الليبى قد تعب كثيرا من حالة الفوضى و الإرباك التى قلبت حياته الى جحيم و حولته من انسان يحلم بالرفاهية فى وطن له كل المقدرات الى انسان يعانى الفاقة و العوز و مهجر فقد اهله و بيته و غير مطمئن على البقية الباقية من الأمل فى استعادة الإستقرار.
علينا أن ندرك بأن جميع الأطراف المتفاوضة و المشاركة فى الحوار الوطنى فى مدينة الصخيرات و فى غيرها من مدن العالم بما فى ذلك المدن الليبية ! هم جميعهم أطراف فاعلة لهم ما يقولون و لهم دورفى الحوار و فيما ينتج بعده !
نعم مجلس النواب يمتلك شرعية الإنتخاب و لكن مجلس النواب فى ظل الأمر الواقع لا يبسط سيطرته على البلاد و لا يتحكم فى مواردها و لا يستطيع توفير الأمن للمواطنين و لا تقديم الخدمات الضرورية لهم .
مجلس النواب بطبرق لايملك اجهزة انفاذ القانون و لا يستطيع و لن يستطيع حتى و ان رغب فى ذلك فرض شرعيته بالقوة المسلحة لأنه ببساطة لا يملكها و لأن القوة المسلحة و للأسف هى الآن قوتين رسميا و قوات متعددة واقعيا .
من هنا علينا البحت فى الآليات التى يمكن بها أن نصل الى توافق لقيادة المرحلة الإنتقالية و تحقيق الإستقرار و نؤكد بأننا نتحدث عن مرحلة انتقالية لمدة محدودة سنة تزيد أو تنقص قليلا . المرحلة الإنتقالية بعد الصراع المسلح لها خصوصياتها و آلياتها و التى يعد التوافق و تقاسم السلطة و المشاركة فى الحكم من أركانها الأساسية .
عندما تكون المنطلقات واضحة من البداية و صحيحة تكون الحلول ممكنة و كل شيئ قابل للنقاش . نعم المواضيع القادمة صعبة و لكنها ليست معقدة وايجاد حلول لكل الإشكاليات العالقة ليس بالمستحيل .
تعتبر المبادئ الحاكمة للأتفاق انجازا مهما فى سبيل تحقيق الأمن و الإستقرار و تهيئة الطريق لبناء الدولة الليبية اذ تؤكد هذه المبادئ على و حدة ليبيا و الإلتزام بمادئ الديمقراطية و التداول السلمى للسلطة و احتكار الدولة الحصرى فى الإستخدام المشروع للقوة و احتكار الدولة لإنشاء مؤسستى الجيش و الشرطة و الإلتزام بعودة المهجرين و النازحين ومكافحة الإرهاب و غيرها من المبادئ و التى جميعها تصب فى مصلحة استقرار ليبيا .
تعتبر هذه المبادئ الحاكمة للأتفاق السياسي مهمة للغاية و ليست مجرد بنود شكلية كما يحاول البعض ان يوهمنا و لا ابالغ اذا ما قلت بأنه باتفاقنا عليها فإننا نكون قد قطعنا شوطا كبيرا جدا و مهما للغاية نحو الحل .
التفاصيل الباقية و ما ستتناوله الملاحق أيا كانت صعوبتها لا تخرج عن كونها امورا فنية اكثر منها مبدأية و فى التفاصيل لا يكمن الشيطان كما يقولون بل يكمن فيها مفاتيح الحل .
نريد السلام و بسط الأمن و الإستقرار و المحافظة على ليبيا و هذا يحتاج الى ارادة سياسية و جهد و مثابرة
و يحتاج منا ايضا الى الكثير من الفطنة و الحكمة فليبيا اكبر من طموحات الأفراد و الأحزاب و الجماعات على مختلف انتماءاتها .