تعيش موريتانيا هذه الأيام فترة من الفوضى الأخلاقية لم يسبق لها مثيل، فوضى في الاعلام في البرلمان وفي الشارع وفي سيارة الأجرة وفي السوق وفي المؤسسات العمومية وفي الرأي العام وحتى في صفوف المثقفين وأصحاب الكلمة السياسية وفي الموالاة وفي المعارضة.
فالبرلمان الذي يمثل مكان القرار والرأي ويعمل لمصلحة الدولة والمواطن أصبح قبة للشحناء والكلام الساقط وكشف مثالب القوم، بل أضحى حلبة صراع يعتادها رجال السياسة للدفاع عن قضاياهم الشخصية ويبررون فسادهم وتقاصرهم في خدمة المواطن والدولة ولو بسب الناس والغوص في أعراضهم، وييعرضون عضلاتهم القبلية وقواهم المادية في قبة البرلمان وكأنهم في عصر الجاهلية، وكان آخر مظهر من مظاهر الفوضى والانحلال أن يخرج علينا وزير في الحكومة بكلمات ساقطة ورد هزل غث لا يسمو للأخلاق ولا ينبئ بخير وهو أمر مستغرب فللوزير مكانة كبيرة تمنعه من قول الكلام الساقط تحت أية ظروف وأحرى أمام البرلمانيين من هم لسان حال المواطن وممثلوه، فلم يعد البرلمني يقوم بعمله كما يجب ولا يمثل البرلمان.
أما الاعلام فحدث ولا حرج عن موجة من الفوضى والسقوط والانحلال والتجرأ على الكذب والتلفيق والايقاع بين الناس، ولم يعد لأهله من شغل سوى تجريح الناس وكشف مستورهم وتتبع أعراضهم ونقل الطافح من الأخابر والمبالغة في بث الحوادث المروعة التي يحدث أغلبه خراج البلاد، ولم يعد الإعلامي على طريقه الصحيح بل اصبح الاعلام سوقا تبيع الكلام وتسوقه حسب الغاية والطلب.
وكان آخر موجة من الفوضى هي ظهور بعض الحركات وأصحاب الأفكار المتطرفة الذين غزوا الساحة وبدأوا يوزعون أفكارهم ويزرعونها في أذهان الشباب الموريتاني بكل جرأة وحقد.
وحتى في السوق وحتى في سيارة الأجرة تشاهد انحطاطا أخلاقيا صارخا وابتعادا عن العادات والتقاليد المأثورة عن السلف وعن امجتمع البيظان المتدين ، وحتى في مؤسساتنا العمومية هناكجملة من السلوك البدوي الفاسد والفساد الأخلاقي ومظاهر عدة لتفشي المحسوبية والقبلية وأشياء يباع االصمت عنها، وتبرز عند الفتن والتلاسن.
ولم يعد لأهل السياسة من عمل سوى تبادل الشتائم على الملا، فلا الموالاة تقوم بدورها كمسؤول عن ما يحدث على أرض الواقع من أزمات وتحقيق ما يفرضه دورها من مطالب للشعب، ولا المعارضة على المستوى المطلوب من احترام الرأي وامتلاك الروح الرياضية لعرض مشاكل المواطن ونقد هفوات النظام بالصفة الصحيحة، وأصبح المواطن ضحية الهجمات المتبادلة بين النظام والمعارضة وما يتشادقون به من مساوئهم التي لا تنتهي.
فلا بد أن هناك أياد خفية تقف خلف هذه الثورة الأخلاقية التي تسود المؤسسات الحكومية وتطبع روح الشارع وحياة السياسيين وتقود أقلام الصحافة نحو الحضيض وتخيم على خطابات أهل السياسة في محافل اللقاء.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه من المستفيد من هذه الفوضى التي تخيم على جميع قطاعات الدولة وتسيطر على روح المواطن الموريتاني؟ وما السر خلف هذه النزعة الأخلاقية التي لا تنتمي للدين ولا تمت بصلة لعادات المجتمع ولا لتقاليده؟
اتلانتيك ميديا