انواكشوط وبحار الخريف !

ما إن تقطر القطرات الأولى من زخات المطر على أرض العاصمة انواكشوط حتى تبدو وكأنها بحر يتقلب أوكأنما  بليت بطوفان نوح، ولست أدري هل ذلك لكرم تربتها أم لعفتها عن ابتلاع المياه المحملة بأصناف الأوساخ والأوبئة والجراثيم ؟ أم  أن وجه العاصمة شفاف و صغير لا يخفي الكثير من الأمور التي ترسو على السطح كالماء وغيره؟ أم لإنعدام صرف صحيّ يناسب عمر العاصمة وازدهارها؟

فعلا لقد أصبح يوم المطر هنا في العاصمة يوم عطلة بامتياز ويم حرب وجهاد ..وأصبحت مياه المطر عائقا كبيرا أمام جميع  فئات المجتمع، بل وساعدت في  تدهور الإقتصاد لما يعترض له السوق والباعة من مصاعب تحول بين البضاعة والزبون، ودعك من ضياع المواد التجارية إثر البلل وتناقص عملية البيع فالوصول للسوق أمر تأباه السيارة ويعجز المارة.

 

لقد تجاوزت إعاقة  الماء الإقتصاد والثقافة ، ووصلت حياة الفرد فلم يعد خروجك من الدار ووصولك للسيارة ترفا تستدعيه الرغبة، بل أصبح جهادا لمن سمع بالجهاد، ومشقة عظمى يبذل في سبيلها الغالي والنفيس، ومن الطريف أن لكل قوم طريقتهم في المعاملة مع المياه التي تملأ الطريق فمنهم من فرّق الحجارة وجعل بين كل حجرين خطوة رياضي متمرّس، ومنهم من حفر أفاقا ينحدر إليها  الماء من كل جهة وصوب، وانتهز أهل اللحمير هذه الفرصة لحمل الناس في الأماكن الغائرة والتي يبلغ فيها الماء ارتفاعا يعلو الساق، ولا ترى الناس في ازدحام كبير على الطريق كل يبحث عن مكان لرجله الأخرى.

 

وكل ما يقال عن أثر المطر في العاصمة انواكشوط  أنه البحر الجديد المتجدد، بحر لم يحسبه الخليل بن أحمد من بحوره الستة عشر لأنه صعب المركب، وأحبّ أن اسميه بحر الخريف، الذي يجد من يقول فيه شعرا ولا نثرا مطابقا لعروضه، ولم يجد من يقف في وجهه حتى الآن فالناس مابين عائم ونائم، وقد تساوى في ذلك اهل السيارة مع المارة، ولست أدري من المسؤول عن الصمت أمام هذه الظاهرة المتجددة والتي أصبحت تؤرق سكان العاصمة الثابتين في العالصمة؟ هل تحسب على وزارة الصحة أو وزارة البئة أم وزارة المياه؟

 

وكل ما في علمي أن مواجهة هذا الطوفان الجارف تتطلب رجالا من رجال البحر لا من رجال الكلام الطويل المطرّز والملابس الجميلة فلا رجال إلا رجال البحر.


ديدي نجيب

اثنين, 31/08/2015 - 10:26

          ​