
أكد المفكر الإسلامى الكبير د. عبدالحميد أبوسليمان «سعودى الجنسية» رئيس المعهد العالى للفكر الإسلامى بواشنطن أن العالم الإسلامى كله يمر بأسوأ حالاته، وأن ثقافته المعاصرة بها خلل وضعف وتحتاج لإعادة نظر حتى تتحقق الخيرية التى ذكرها القرآن فى الأمة.
وأشار «أبوسليمان» إلى أنه بالرغم من ذلك فعلى الغرب أن يدرك أن حضارته ما هى إلا حصيلة للحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات الإنسانية وأنكر رئيس المعهد العالى للفكر الإسلامى بواشنطن على الغرب اتهامه للإسلام بإهدار حقوق المرأة المسلمة، مبيناً أن المرأة لم تحصل على حقوقها ولم تشعر بصيانة كرامتها إلا فى ظل الإسلام، ومن يطالع القرآن والسنة يثبت له ذلك.
وأثنى «أبوسليمان» على الأزهر، مؤكداً أنه أكبر مرجعية إسلامية سنية فى العالم بسبب منهجه الوسطى الذى يقوم عليه منذ القدم، «الوفد» التقت المفكر الكبير أثناء زيارته مؤخراً للقاهرة ومن ثم كان هذا الحوار:
< فى البداية.. كيف تقيم واقع العالم الإسلامى فى الوقت الراهن؟
ـ أرى أن العالم الإسلامى كله يمر بأسوأ حالاته، ورغم ثورات الربيع العربى التى ضربت بعض بلدانه وكنا نظن أنها ستسهم فى إيقاظ المسلمين، فإن الواقع يؤكد عكس ذلك مع الأسف، ما يعنى أن ثقافة العالم الإسلامى المعاصرة بها خلل أو ضعف وتحتاج الى إعادة نظر، حتى تتحقق الخيرية فى الأمة التى قال عنها القرآن «كنتم خير أمة أخرجت للناس»، فالإسلام والقرآن الكريم رسالة للإنسانية جمعاء، وليس لأحد بعينه، ولهذا لابد أن نعرف كيف عاش المسلمون الأوائل بإمكانيات محدودة ومع ذلك استطاعوا نشر الإسلام فى العالم بالحكمة والموعظة الحسنة، وكيف أصبح العالم الإسلامى بكل موارده وإمكاناته خارج عباءة التاريخ، فقد كانت الأمة الإسلامية فى الماضى صانعة للتاريخ، لكنها اليوم انسلخت من عباءته وخرجت عن إطارها الصحيح بسبب بعدها عن منهج الدعوة الإسلامى السليم، ولهذا فالأمة فى حاجة إلى «الاستغفار الحضارى بدلاً من الاستغفار اللفظى الذى غرقت فيه الأمة الآن، وتناقضت الأقوال مع الأفعال، فالأمة الإسلامية فى حاجة للعمل ثم العمل حتى يغفر الله لها إهمالها فى حق الدين الخاتم، مما جعلها سبة فى جبين الإنسانية ولهذا لابد من إصلاح التعليم على الدين الإسلامى حتى نستمد منه القيم التى نادى بها ديننا الحنيف، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التى تعانى منها الأمة.
< هل ترى أن التشدد الغربى ضد الإسلام والمسلمين هو السبب فى ظهور التيارات المتشددة فى المجتمعات الإسلامية؟
ـ من يدرس حال المسلمين يرى أنهم فى العالم وهم اليوم أكثر من مليار وثلاثمائة مليون نسمة، أى ربع سكان الأرض فى حالة سلام مع النفس ومع الجيران ولكن الضغوط السياسية التى تتعرض لها الشعوب الإسلامية أصابت الشباب ممن لم يدرسوا الشريعة الإسلامية بالإحباط ويجب أن يدرك الغرب أن حضارتهم ما هى إلا حصيلة الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات الإنانية فالحضارة الإسلامية وضعت وبشهادة المنصفين أسس العلوم التطبيقية والقيم الأخلاقية التى بنى الغرب عليها تقدمه، فالفكر الإسلامى هو الوحيد الذى نجح فى التوفيق بين العقل والنقل.
< دائماً الغرب ما يلعب بورقة المرأة لتوجيه النقد ضد الإسلام بأنه يمتهن كرامتها ويهدر حقوقها.. فما ردكم؟
ـ كذب وافتراء.. وهذه حقيقة أن الإسلام، دائماً يتعرض لحملة شعواء فى الغرب ويتهمه بامتهان المرأة والعنصرية ضدها، وعدم حصولها على حقوقها وحريتها فى ظل الإسلام، وهذا أمر بعيد عن الصحة، لكننا نجزم دائماً أن المرأة المسلمة حصلت على كل حقوقها بفضل الإسلام وإذا كان هناك تعصب ضد المرأة فهو لا يعود للإسلام، ولكن يعود للموروثات القبلية، ومن يطالع القرآن والسنة يرى منظومة من القوانين الإخلاقية والتشريعات البرلمانية التى تنظم علاقة المرأة مع الرجل والمجتمع المسلم ولن يرى ديناً منح المرأة حقوقها مثل دين الإسلام، حتى الميراث لم يظلمها فيه قيد أنملة، وهذا ما لا يوجد فى ثقافات مغايرة وأديان أخرى.
< هناك من ينادى بفصل الدين عن السياسة وقصر الدين على العبادات فما تعليقك؟
ـ من ينادى بفصل الدين عن السياسة جاهل لا يفهم لا ديناً ولا سياسة، فالدولة فى حقيقتها أرض وشعب ونظام، والحكومة جزء بسيط من النظام وبالدعوة يمكن أن يتعلم الشعب الدين وقيمه وأهدافه ومن خلال ذلك يستطيع الشعب أن يكون وصياً على الحاكم، والأحزاب السياسية تقدم برامج فيها وقيم ومصالح، والمواطن هو الوصى على ذلك وهو الذى يمكن إقرارها أو منعها.
< هل نحن فى حاجة لتطوير الخطاب الدينى فى نظرك؟ وما أهم النقاط التى تضعها لتطوير هذا الخطاب؟
ـ بالتأكيد هناك أهمية كبرى لتطوير الخطاب الدينى وفى ذلك إصلاح لحال الأمة وتوجيهها نحو الأفضل، لكن هذا التجديد لابد من معايير تبقى محل نظر الجميع، فتطوير الخطاب الدينى بما يمكنه من تحقيق إصلاح حقيقى للأمة كلها من خلال إحياء الدين فى النفوس لا يقوم ولا يتحقق فى الدنيا بأركانه الخمسة الا بإقرار بها عن يقين وإيمان بمشروعية كل العبادات التى فرضت على المكلفين بشأنها وأدائها من المكلفين بها على وجهها الكامل الصحيح، واعتصام الأمة الإسلامية بوحدة الصف والكلمة لإحياء هذه الكليات الدينية والدنيوية معاً، مع البعد عن الخلاف والنزاع فى مجال تطبيقها فى الحياة العملية، مع مراعاة الواقع ومراعاة أعراف الناس وعاداتهم المتغيرة من زمان لزمان ومن مكان لمكان بما لا يتعارض مع نصوص الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت والدلالة.
< كيف تقيم دور الأزهر الشريف فى تصحيح صورة الإسلام فى الغرب؟
ـ الأزهر أكبر مرجعية سنية فى العالم، والمسلمون يلجأون له، خاصة فى الأزمات، فله قدسية خاصة بالرغم من أن هناك تيارات أخرى تحاول السطو على دوره، لكنه يظل دائماً وأبداً محل الثقة والاعتماد، وهذا ما يزداد يوماً بعد يوم بسبب منهج الوسطية الذى التزمه الأزهر عبر تاريخه العريق.
< البعض ممن يجنحون للتشدد والعنف يسارعون فى تكفير المخالفين لهم فى الرأي فكيف نحاصر آفة التكفير؟
ـ التكفير آفة ذميمة ومرفوضة خلقاً وديناً، فالدين يحذر من تكفير الخلق أبلغ درجات التخدير ويحرم التسهل فى اطلاق هذه الأحكام الخطيرة التى يترتب عليها نتائج خطيرة على من يوصم بالكفر، ولهذا علينا أن نحاصر هذه الآفة بإظهار النصوص الشرعية التى تنهى وتحذر وتؤثم، من يتساهلون فى هذا الأمر.
< أخيراً.. للمعهد العالى للفكر الإسلامى تجارب تربوية متنوعة قام بتحويلها لأمر واقع فما أبرزها؟
ـ المعهد بدأ مشواره من خلال تجربة الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا حيث أنشأت الجامعة مركزاً لأبحاث مناهج التعليم والتربية والعمل على بناء مدرسة نموذجية تابعة للجامعة، وقام المركز من خلال عدد من أساتذة التربية المختصين وعلى ضوء الخطة التى وضعها بإشراف من الجامعة، وبالتعاون مع لجان متخصصة من أساتذة الجامعة فى مختلف المجالات الأكاديمية وضع مسودات أولية لمناهج تربوية لمختلف مراحل التعليم ويتم تنفيذ هذه المناهج فيها، ونجح مركز الأبحاث فى تأليف كتب منهجية كاملة على أساس تلك المناهج التربوية المطورة، ونحن نتعاون مع من يرغب فى التعاون معنا فى العالم الإسلامى ونقدم خبراتنا لمواصلة العمل والبحث العلمى لتنمية كل الجهود التربوية الرائدة.