
بعد سنوات من التعاطي مع مختلف المراحل التي مر بها البلد منذ 2005 تزداد قناعتي أننا نُحمل بعض معارضتنا أكثر مما تحتمل، ونُعجزها عندما نطالبها بما لا تطيق، فكم مرة استطاعت هذه المعارضة أن تحل مشاكلها الداخلية عن طريق الحوار؟ لقد كانت دوما تتفتق عبقريتها، وتتوقف عند أسهل الحلول الذي هو التشرذم، وفي أحسن الأحوال تأجيل الأزمة في انتظار أن تتتلاشي مع مرور الوقت، وبروز معطيات جديدة، وأحداث تعيد ترتيب الخلافات حسب الأولوية، لتعود لنفق مراكمة المشاكل انتظارا للحظة الانفجار العظيم. إن ثقافة الحوار ،وتبنى أنصاف الحلول، والأخذ والعطاء، تبقى عصية على مدرسة سياسية تريد للغير التناوب، وتحرم نفسها هذا الحق الديمقراطي الأصيل، مدرسة يتعامل أطرافها بنفس الحدة التنافسية فيما بينهم، تماما كما يتعاملوا مع خصومهم السياسيين، مدرسة كانت نتاج الفكر الإيديولوجي أو الأنظمة الرافضة لفكرة التعددية السياسية، وأخرى تعتبر نفسها من يمتلك وحدها ناصية الحق الأبلج دون غيرها، ورابعة من أصحاب الطموحات الشخصية الصغير. إن رفض الحوار وحتى التشاور، بحجج المطالبة بضمانات وأحيانا استخدام حصان طروادة الذي يطلقون عليه مسمى "الجدية"، كلها جزء من قمة الجليد التي تخفى تحتها الحقيقة المرة ما نريده نصيبنا من "الغنيمة" التي يتوهمون أنها الغاية والهدف النهائي للعمل السياسي، أو ما يطلقون عليه من باب التجميل الوصول إلى السلطة ،والذي هو غاية العمل السياسي حسب زعمهم، متناسين أن هذه الغاية تسعى إلى تحقيق الرفاه للشعب لا للسياسيين، الذين يفترض أنهم ـ عندما يصلون إلى السلطة ـ مجرد أجراء لدى الأمة. إن الوقوف في بداية الطريق كل مرة مع انطلاق حوار جديد، موقف لا يستقيم عقلا خصوصا إذا كان المبرر الوحيد لهذا التوقف أن السلطة غير جادة في الحوار، فاحتراما لعقول منتسبي المعارضة يفترض أن نُجدد في المبررات، فلا معنى للسياسي أن يقف في نفس النقطة سنوات عديدة دون أن يتقدم، فلماذا إذن نصفه بالمرونة والقدرة على إيجاد الحلول للمشاكل والأزمات، لا خلاف في أن الحكومة يجبرها على الدخول في الحوار، وكلنا يعرف علاقتها بالمجتمع الدولي، ولا الشعب أظهر المعاناة والتبرم من الوضع الراهن فتستجيب لضغوطه، إن هذا الادعاء الغير مؤسس لا يمكن له أن يكون المبرر الذي نحشره في أذهان الناس كلما عجزنا عن مواصلة حوار. لتكن لمعارضتنا الرافضة للحوار الشجاعة الأخلاقية وتعترف بخطئها، ولتتجاوز العقدة، أو على القيادات السياسية لهذه المعارضة أن تتنحى بناء على عجزها عن إيجاد مخرج و لفشلها المتتالي في الخروج من عنق الزجاجة، وتتيح لقيادات شابة فرصة إمكانية إعادة الألق للمعارضة والذي فقدته بسبب المواقف المتصلبة لقلة تختطف هذه المعارضة، وتستخدمها في تصفية حساباتها الشخصية أو تستنزف باسمها آخر أوقية في جيب كل رجل يكره هذا النظام لسبب أو لآخر. إن تبنى الخيار الديمقراطي دون اعتماد الحوار الذي هو آليته الوحيدة لفض الخلافات، يبقى تبنى ناقص لن يتمكن أصحابه من قطف ثمار هذه الديمقراطية، كما لا يمكن أن تستفيد ديمقراطيتنا من أداء إحدى ركائزها الهامة ـ بدونها تبقى عرجاء ـ والتي هي معارضة ديمقراطية تنقد الأداء الخاطئ للأغلبية الحاكمة، وتشكل بديلا فعليا في حالما إذا لم تتمكن هذه الأغلبية من الوفاء بتعهداتها، كل ذلك استعدادا لنضوج ديمقراطيتنا الفتية، التي لن تنضج ويستقيم صلبها، إلا بتناوب سلمي على السلطة نحتاج له في قادم الأيام.