هل يولد الإرهابي إرهابيا؟!

إن كنت تبحث عن دليل معرفي وعلمي عن العنف والإرهاب الذي يضرب منطقة الشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم، قديما وحديثا، بجانب الحصول على مفاتيح تحليلية اجتماعية ونفسية فثمة كتاب صدر حديثا عن دار الساقي لعالم الاجتماع والكاتب العراقي إبراهيم الحيدري، حمل عنوان «سوسيولجيا العنف والإرهاب»، الكتاب الذي يقع في 336 صفحة من القطع الكبير يغطي بمنهج علمي ما جرى في العالم، وما يجري من عنف وإرهاب، أيا كان دينه أو لونه أو أهدافه.
الكتاب يشي من مضمونه واتساع معالجاته لظاهرة العنف أن جهدا جبارا بذله المـؤلف ليلج هذا الميدان المعقد جدا، والمفخخ أيضا بعشرات المزالق والأسئلة والأجندات المتعارضة.


خرج كتاب «سوسيولوجيا العنف والإرهاب» في خمسة فصول محتشدة يتضمن كل واحد منها عناوين داخلية ذات أهمية بالغة، ففي الفصل الأول يتناول المؤلف سوسيولوجيا العنف من حيث التعريف والاتجاهات النظرية في تفسيره وعلاقته بالطبيعه البشرية، كما يبحث في إشكالية الإرهاب من حيث تعريفه وتاريخه وأسبابه، مع عرض لأهم النظريات الفلسفية والاجتماعية والنفسية، التي عالجت العنف والإرهاب.
أما الفصل الثاني فخلاله يعمد المؤلف إلى البحث في الثقافه والعنف، من حيث سياق التثقيف وتأثيره على شخصية الفرد، باعتبار أن الثقافة هي حاملة القيم والمعايير الموجهة للسلوك.
مفهوم الأصولية في الشرق والغرب والمرتبطة بالحركات الدينية، خاصة حركة الصحوة الإسلامية التي تعم منطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة، هو محور تناول المؤلف في الفصل الثالث من كتابه، حيث يتناول أهم الحركات الإسلامية الأصولية المتطرفة في الشرق الأوسط وهي حركة الإخوان المسلمون وتنظيم «القاعدة» وتفرعاتها، كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش». وفي الفصل الرابع يعمد المؤلف وبمنهج الباحث الاجتماعي والنفسي والتحليلي لينسج الروابط الدقيقة التي تربط بين المجتمع والإرهاب عبر دراسة سوسيولوجية، مدى تأثير الإرهاب على الفرد والمجتمع.

 


أخطر ما يواجه البشرية


مع أن المولف إبراهيم الحيدري يستهل مقدمة الكتاب بالإشارة إلى الهجوم المرعب على مبنى مركز التجاره العالمي في 11 سبتمبر/أيلول2011 وكيف أنه فجر سجالا واسعا في وسائل الإعلام حول إشكالية العنف والإرهاب، مما يجعل القارئ عند الوهلة الاولي يظن أن الكتاب سيمضي نحو الإرهاب كمدلول سياسي ومن منطوق غربي يعتبره البعض غير دقيق وتفرضه الأجندة وليس المعرفة، غير أنه سرعان ما يتلاشى هذا الشعور المتوهم، وأنت تطالع المـؤلف إبراهيم الحيدري وهو يغوص عميقا في ظاهرة العنف والإرهاب، محللا اجتماعيا ومدققا علميا ومحققا تاريخيا، حيث يطرح في مقدمة كتابه رؤيته عن الإرهاب باعتباره ظاهرة عالمية قديمة جديدة عامة وشاملة، ولكنه ظاهره معقدة وخطيرة، بل هي أخطر وأعقد المشاكل التي تواجه البشرية، فهو لا يقتصر على دولة دون سواها، أو جنسية دون أخرى فهو في أفغانستان وسوريا وليبيا والعراق مثلما هو في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ونيجيريا والصومال، وفي جميع الدول والحضارات. المؤلف يسارع إلى فتح باب الأسئلة في مؤلفه عن الصفة التي يمكن إضفاؤها على حركات التحرر الوطني منتصف القرن الماضي، وأين هي مما يدخل في تقاطعات مع العنف حيث يقول: «إن حركات الاستقلال الوطني التي لجأت إلى الكفاح المسلح كان انتصارها في نهاية المطاف رهنا بوضوح الهدف ونزاهة الوسيلة حتى في الحالات القليلة جدا أثناء حركات التحرر الوطني، سواء في الجزائر أو في فيتنام أو غيرها. فحينما كان المناضلون يلجأون إلى ما يبدو أنه إرهاب فقد كان ذلك ردا على عمليات إرهابية قامت بها قوات الاحتلال أولا». غير أن المؤلف ومن واقع علمه واختصاصه يبتدر أسئلة التحليل الاجتماعي النفسي «إذا لم يكن هناك اختلاف في مظاهره فالاختلاف يكمن في دوافعه وأساليبه وغاياته وعلينا معرفة وتحديد من هو البادئ: القامع أم المقموع ؟ الجلاد أم الضحية؟
ثمة سؤال جوهري وعميق سيطر على المؤلف حيث تتجلي في إشاراته المتسائلة: السؤال المهم والمطروح أمامنا هو: هل يولد الإرهابي إرهابيا؟ ولماذا يفجر الإرهابي نفسه وهو منتش من الفرح؟
الاتجاهات النظرية في تعريف العنف
يشير عالم الاجتماع إبراهيم الحيدري إلى أن مفهوم العنف ينطوي على أبعاد عديدة ومختلفة تتداخل بعضها مع البعض الآخر، بحيث لا يمكننا أحيانا التفريق بين أهمية البعد الاجتماعي أو النفسي، أو أهمية البعد البيولوجي، كما يضم العنف سلسلة من الأفعال التي تتراوح بين الضرر المادي والجسدي والنفسي والمعنوي، وغيرها من أشكال العنف التي تندرج في سلم متعدد الدرجات، تبدأ بالتهديد والوعيد، مرورا بالإيذاء الجسدي والسب والتكذيب حتى التجويع والقتل والإبادة. قدم المؤلف قراءة لأربعة اتجاهات نظرية رئيسية تحاول تفسير العنف، وفي مقدمتها المدرسة البيولوجية الخاصة التي تحلل الطبيعه البشرية والسلوك الإنساني، ثم تناول المدرسة النفسية وقال إن اغلب هذه النظريات النفسية التي تفسر العنف ترجع إلى مـؤسس مدرسة التحليل النفسي سيغموند فرويد وارائه بصدد غريزة العدوان.

 


أما المدرسة الثالثة وهي المدرسة الاجتماعية التي تنظر إلى العنف والإرهاب كظواهر اجتماعية خطيرة لها أسباب وعوامل ودوافع متعدده اجتماعية ونفسيه وثقافيه وسياسية ودينية وأخلاقية، فيجب دراستها وتفكيكها وتحليلها ونقدها نقدا داخليا وتوضيح علاقاتها وتداخلها مع ظواهر أخرى للتعرف عليها واقتراح سبل معالجتها ومكافحتها، وهنا يبدو واضحا انحياز المؤلف إلى المنهج الذي تعتمده المدرسة الأخيرة، أي المدرسة الاجتماعية لما تتضمنه من أبعاد متعددة من شأنها عند إخضاعها للدراسة أن تقدم مستخلصات أكثر وضوحا وعمقا عن ظاهرة العنف والإرهاب، واعتمادا على هذه المدرسة يمضي المؤلف ليعرف العنف بأنه «ليس سوى صنيعة من صنائع المجتمع المريض والسلطة القمعية الجائرة والعقائد الدينية السقيمة، ومن هنا تصبح نظريات علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي الأكثر قبولا وأهمية في تحديد العوامل الاجتماعية للعنف والإرهاب وتطورهما وممارساتهما المختلفة.
عرف الإرهاب بأنه الطرائق والأساليب التي تحاول بها جماعة منظمة أو فئة أو حزب تحقيق أهدافها عن طريق استخدام آليات العنف والقوة والقسوة أحيانا وتوجيهها ضد الأشخاص، سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو ممثلي السلطة ممن يعارضون أهداف الجماعة، التعريف السالف هو ما أورده مؤلف الكتاب عند تطرقه لظاهرة الإرهاب وأسبابها وتاريخها، ومن ثم يوضح كيفية عمل المنظومات الإرهابية، «يستند الإرهابيون إلى منظومة فكرية وثقافية تسوغ أعمال العنف وتحاول تبريره وإعطاءه شرعية وتستعين بشعارات ومقولات تخاطب الغرائز وتدغدغ العواطف البدائية دون الوعي والعقل».
هل الإرهاب ظاهرة عالمية؟


المؤلف ولتعميق ما أورده عن عالمية ظاهرة العنف والإرهاب يقدم لمحات من تاريخ الإرهاب خلال حكم اليعاقبة بزعامة روسبير وسان جوستفي الفترة من 1793-1794 حينما ساد حكم الإرهاب في فرنسا.

 

 

وأطلق المؤلف على هذا النوع من الإرهاب سياسات الإرهاب الثوري ملحقا بذات المسمى ما حدث في روسيا إبان حكم ستالين، كما تناول المؤلف أيضا تجربة ألمانيا النازية إبان حكم هتلر. وفي ما يخص المنظمات الإرهابية التي ظهرت في أوروبا واليابان في العصر الحديث، أي ما بعد الحرب العالمية الثانية، أشار المؤلف إلى عدد منها وما قامت به من عمليات إرهاب، مشيرا إلى منظمات الجبهة الألمانية للجيش الاحمر ومنظمة بادرماينهوف في ألمانيا كذلك ومنظمة الجيش الأحمر الياباني.


وعدد المؤلف وجود أكثر من 60 منظمة إرهابية دولية خطيرة في العالم، مسميا ست منظمات منها بأنها كانت المسؤولة عن معظم العمليات الإرهابية في العصر الحديث وهي: «منظمة الخلايا الثورية وهي منظمة ألمانية غربية، منظمة القوى الشعبية في هندوراس، الجيش الأرمني السري، منظمة حزيران الأسود – منظمة تصحيحية انشقت عن حركة فتح ـ منظمة 15 أيار الفلسطينية، ثم أخيرا منظمة «القاعدة» وأخواتها التي يمتد نشاطها من أفغانستان وباكستان إلى المغرب العربي مرورا بوسط وشمال أفريقيا.


كاتب سوداني
أنور عوض

سبت, 07/11/2015 - 09:49

          ​