أصبح الزواج المبكّر ظاهرة متكررة في مالي و هو أحد أهم أسباب الانقطاع المدرسي للفتيات خاصة اللواتي يعشن في وسط ريفي. و حسب دراسة السكان و الصحة (EDSM-V) التي نشرت في 2014 فإن 20 % من الفتيات يتم تزويجهن قبل بلوغهن سن 15 سنة بينما 50 % منهن يتزوجن قبل بلوغ 18 سنة.
كانت هوى في 13 سنة من عمرها عندما أراد أبواها تزويجها. هي مراهقة تحب المدرسة كثيرا و قد جعلها نبأ تزويجها تنهار باكية. و تخبرنا هوى : " حتى أن أبويّ لم يخبراني بالأمر مسبقا!" قبل أن تضيف: "لقد علمت بالأمر من صديقاتي عند العودة من المدرسة. شعرت بالحزن لمجرد أن علمت بأنني سأتزوج ولن أذهب إلى المدرسة مجددا".
تمكنت هوى من الهرب قبل ليلة من زواجها: "نجحت في الهروب و الذهاب إلى أذربيجان. هاتفتني إحدى العمّات فيما بعد لتنصحني بالعودة و التسجيل بجمعية التنمية و النهوض بالمرأة (APDF) و هو ما فعلته وتمكنت من مواصلة تعليمي بفضل العناية الإلهية و كذلك بفضل جمعية التنمية و النهوض بالمرأة (APDF) و اليوم أدرس بالسنة الأولى سكريتارية بالمدرسة المركزية للصناعة و التجارة الإدارية (ECICA)".
و توفر جمعية التنمية و النهوض بالمرأة (APDF) مراكز إيواء و إحاطة في باماكو و في كل جهات مالي. و تحدثنا السيدة دياريسو مريم كايتا، و هي مستشارة قانونية لدى جمعية التنمية و النهوض بالمرأة (APDF)، عن الجهود التي تبذلها الجمعية في سبيل مساعدة النساء و الفتيات من ضحايا الزواج المبكر فتقول: "لقد ساعدت الجمعية الكثير من النساء و الفتيات و حاليا تأوي مقراتنا ثمانية منهن نعلمهن الحلاقة و الخياطة و العديد من الأنشطة الأخرى و تبقين في حمايتنا كل الوقت الذي تردنه".
الزواج المبكر في مالي هو حقيقة اجتماعية ثقافية تمارٙس لأسباب متعلقة بالتقاليد و بالدين. فإمام بانانكابوڨو، السيد موسى ديارا يرى أن الزواج ليست له سن محدّٙدة : "نحن نتبع تعاليم الإسلام و كل زيجة تعرض علينا سوف نعقدها"، كما يقول قبل ان يضيف : "الطفلات تكبرن بسرعة اليوم و لذلك وجب علينا تزويجهن في اسرع وقت ممكن عوض أن ننتظر أن تصبحن أمهات عازبات".
و على العكس من ذلك يرى السيد حيدرا، و هو مدير مدرسة بانانكابوڨو بباماكو، أن التمدرس هو السلاح لمحاربة الزواج المبكر و يقول: "هناك نسبة انقطاع تقدر بواحد على خمسة في صفوف الفتيات المتمدرسات و ذلك لأنهن لا تقدرن على التوفيق بين أعمال المنزل و الدراسة". و في هذا السياق يؤكد رجل التربية على أهمية تنظيم حملات تحسيسية لفائدة الأولياء بغية تغيير عقليتهم.
و لكن بالرغم من الوعي بمخاطر هذه الظاهرة، تجدر الملاحظة بأن الفتيات يتعرضن إلى أشكال عديدة من العنف. و تفسر ذلك السيدة ساماكي روكيا كوناتي، و هي قابلة بعيادة في باماكو، فتقول : "الزواج المبكر ينتج عنه حمل مبكر مع احتمالات مرتـفعة للإصابة بمضاعفات أثناء الولادة. الفتيات اللواتي يتم تزويجهن بصفة مبكرة، قبل سن البلوغ أحيانا، تخضعـن لعلاقات حميمية إجبارية تجعلهن عرضة للأمراض المنقولة جنسيا".
من ناحيته يقول الدكتور ريشارد الذي يعمل بمستشفى ڨرابريل توري : "الزواج المبكر هو شكل من أشكال العنف المسلط على الشابات و هو يقف وراء العديد من المشاكل مثل الانقطاع المدرسي و اكتئاب ما بعد الولادة و الدمّل و وفيات الأمهات و حديثي الولادة. كما له نتائج كارثية على الفتيات بداية من العنف الجنسي و مرورا بالتعنيف المنزلي و الإقصاء الاجتماعي و الفقر المدقع ثم وصولا إلى المضاعفات الصحية الخطيرة". و يخبرنا الدكتور ريشارد أن وزارة الصحة تحارب هذه الظاهرة عبر محاولة اقناع الحكومة بتحديد سن 16 سنة كحد أدنى للزواج.
و يرى السيد الياس توري و هو قاض بمحكمة كاتي، المدينة القريبة من باماكو أن "السن القانونية للزواج المحدّٙدة ب15 سنة للفتيات في تناقض تام مع بروتوكول الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان و الشعوب في جانبه المتعلق بحقوق المرأة في إفريقيا الذي وافقت عليه مالي و الذي يحدِّد في فصله السادس ب 18 سنة السن الأدنى للزواج".
كما يعتبر القاضي أن السلطات عليها ان تبدي جدّية أكبر في نية تطبيق القوانين المتعلقة بمجلة الزواج و العائلة حتى تتمكن من تقليص المخاطر المرتبطة بهذه الزيجات، علما بان نسب الزواج المبكر في مالي بحسب ما صدر في دراسة "MICS" التي وقع انجازها في 2010 تقـدّر ب73.60 % في كاياس، ب73.20 % في ڨاوو، ب71 % في كوليكورو و ب 67 % في تومبوكتو.
عن اصوات الكثبان