شاهدناها في السوق الاسبوعية لزاوية "سيدي حمزة" نواحي مدينة "ميدلت" جنوب شرق المغرب تحمل طفلها الرضيع فوق ظهرها. حجمه يغطي نصف جسدها، ومن خلفها طفلة في السادسة من عمرها .
قالت الام الصغيرة ان عمرها لم يتجاوز العشرين سنة بعد ، ومع ذلك هي ام لكليهما ، وضعت الاولى وهي لم تتخط بعد سن الرابعة عشر.
تشير احصائيات وزارة العدل المغربية، ان المملكة سجلت خلال السنة الماضية تزويج قرابة 40 ألف فتاة دون سن الـ18 عشر، وذلك بتأشير من القضاء المغربي، الذي أصبحت القوانين تفرض موافقته في حال اختارت عائلة الطفلة توثيق زواجها.
لكن هذا الخيار يظل استثناء في بعض المناطق المغربية النائية بحكم بعد المحاكم عنها حيث تقبل الأسر تزويج بناتهن الصغار بمن يكبرنهن كثيرا في السن بمجرد قراءة الفاتحة .
هذ الزواج هو ما يعرف في المغرب بـ"زواج الفاتحة"، وهو أقرب إلى زواج بعقد عرفي غير موثق او مكتوب ، من استتباعاته ضياع حقوق الزوجة والأطفال، وحرمانهم من التسجيل في دفاتر الحالة المدنية المغربية.
نواحي إقليم "إملشيل" الممتد على مساحات جبلية واسعة، قضينا أكثر من 12 يوما نتنقل بين قراه المترامية على سفوح الجبال حيث تبدو الحياة صعبة الى حد يصعب معها الانخراط في مسالك الدراسة خاصة بالنسبة للفتيات اللاتي يتحولن في ظل الظروف المعيشية الصعبة الى عبئ ثقيل على الأسر وجب التخلص منه بسرعة.
تركن اغلب الاسر في هذه المناطق الى اسهل الحلول في نظرهم وهي الإسراع بتزويجهن ولو في سن الحادية عشر، وهي حالات وثقناها في أكثر من قرية .
تقول رئيسة مؤسسة "يطو" نجاة إيخيش، إن تزويج القاصرات ظاهرة ماتزال منتشرة بقوة في المناطق الجبلية المغربية. حيث تقدم الأسر على وهب القاصرات لمن يدفع مهرا زهيدا للأسرة.
وتعتبر المتحدثة أن ما يشجع على استمرار الظاهرة هو غياب قوانين زجرية تحمي الصغيرات من الزواج في سن مبكرة، بالإضافة إلى غياب شروط اتمام التعليم، وعدم تفعيل مبادرة إنشاء دور للطالبات، تأوي الفتيات اللاتي يرغبن في إتمام تعليمهن بعيدا عن أسرهن.
وتشدد رئيس مؤسسة "يطو" التي تنظم سنويا قافلة اجتماعية وقانونية لمحاربة تزويج القاصرات، على أن استمرار التطبيع مع "زواج الفاتحة"، يمنح للأسر فرصة "التحايل على القانون"، وفرض تزويج القاصرات دون موافقة القضاء المغربي عليه. وهو ما يترتب عليه أولا ضياع حق الطفلة في رفض الزواج، وضياع حقوقها وحقوق أطفالها ثانيا. ويوفر "زواج الفاتحة" للزوج إمكانية أن يهجر الطفلة دون أن يترتب عن ذلك امكانية متابعته قانونيا، أو اثبات نسب أطفاله إليه.
وبالعودة إلى "إملشيل"، التي ينظم بها سنويا ما يعرف بـ"موسم الخطوبة"، وهو تقليد موروث عن أسطورة "أسيل وتسليت" (أسطورة تحكي رفض قبيلتان زواج شابين واختيارهما للموت بسبب ذلك)، يتضح أن المهرجان تحول إلى غطاء لتزويج القاصرات، حيث لا يتعدى المهر حسب شهادات مجموعة من سكان الإقليم الذين تحدث إليهم الموقع 200 درهم (حوالي 20 دولار أمريكي).
ويتم خلال المهرجان تزويج العشرات من الفتيات، نظرا لتوافد عدد كبير من الراغبين في الزواج من الذكور من مناطق بعيدة، غرضهم البحث عن شريكة للحياة دون تقيد بضرورة بلوغها السن القانوني للزواج.
ومن بين المشاكل التي تنتج عن تزويج القاصرات ضياع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثلما يوضح المحامي بهيئة الدار البيضاء والمتخصص في هذه القضايا مهدي مساعد، مشيرا الى أن تزويج القاصرات يتم غالبا عبر "زواج الفاتحة"، وذلك دون توثيق للعقد، ما يستحيل معه توفر الأسرة على دفتر للحالة المدنية الذي يمنح للأم وأبنائها غطاء قانونيا يضمن لها حقوقها من زوجها.
ومن بين ما يضيع من حقوق الزوجة والأطفال يضيف مساعد، عدم قدرتهم على استصدار الأوراق الثبوتية المدنية، ومن بينها بطاقة التعريف الوطنية بعد بلوغ الأطفال لسن الرشد ، وعدم أحقية الزوجة بالمطالبة بالإرث في حال وفاة زوجها، بالإضافة إلى استحالة زواجها مرة أخرى سواء تركها الزوج أو توفي، على اعتبار انها في نظر القبيلة ومن يسيرها، على ذمة زوج وإن كان بطريقة عرفية.
ويزيد مساعد الى ذلك، الحرمان من الخدمات الاجتماعية والصحية، والتي يوجب التمتع بها توفر مجموعة من الوثائق والتي من اهمها ثبوت الزوجية، والتوفر على رقم مرجعي في دفاتر الحالة المدنية.
ظاهرة تزويج القاصرات حضرت بقوة في مدونة الأسرة المغربية، والتي أقرت في مادتها الـ 16 ضرورة توثيق جميع الزيجات التي تمت بـ"زواج الفاتحة" حتى نهاية السنة الجارية، ومن بينها زيجات القاصرات، لكن البرلمان المغربي مددها حتى نهاية سنة 2020.
هذا التعديل بالتمديد رأت فيه الجمعيات الحقوقية والنسائية، فرصة اخرى تمنح للراغبين الاستمرار في تزويج القاصرات دون وجه حق واعتبرته الى ذلك ضربا صارخ لحقوق الطفلات القاصرات على حد تعبيرهم.
اصوات الكثبان