وفعلتها السعودية وقطعت العلاقات مع إيران، في قرار ظاهره رد الفعل على مهاجمة الممثليات الدبلوماسية السعودية في طهران، وفي باطنه انعكاس لعلاقات سعودية إيرانية عاشت على مدى السنوات الماضية أجواء قاتمة من التوتر، ولقد جاءت حادثة إعدام الشيخ الشيعي السعودي نمر النمر لتضيف مزيدا من التوتر على علاقات قلقة أصلا بين الجارين الإقليميين السعودية وإيران، فرد الفعل الإيراني على إعدام النمر كان صاخبا، حيث انتقد المرشد الأعلى خامنئي عملية الإعدام قائلا إن “الانتقام الإلهي” ضد حكام السعودية سيكون قويا، كما اشتعلت المظاهرات في طهران وتم الاعتداء على مبنى السفارة السعودية في طهران، ورغم أن القرار السعودي بإعدام النمر حمل جرأة غير مسبوقة وشكل رسالة قوية للداخل والخارج أن المملكة ماضية قدما في تنفيذ قراراتها بغض النظر عن ردود الفعل الخارجية، كما شكل “توقيعا برسم الدم” أن حكام السعودية الجدد دخلوا في مرحلة اللاعودة في تحدي الجار الإيراني القوي الذي يعتبر نفسه وصيا على الأقلية الشيعية داخل الممللكة.
ولقد شكل إعدام النمر مجرد حلقة جديدة من حلقات التوتر المزمن بين الخصمين اللدودين، الذين ظلت علاقاتهما قائمة على الشك المتبادل منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية نهاية سبعينيات القرن الماضي، حيث يعتبر كلا البلدين أنهما الأحق بقيادة العالم الإسلامي، فالإيرانيون الذين يحمل بلدهم اسم الجمهورية الإسلامية يرون في أنفسهم التجسيد الحقيقي للمفاهيم الإسلامية، مستفيدين من ثقلهم المالي والبشري والاقتصادي مدعوما بطموح سياسي جسور وامتدادات مذهبية من بيروت حتى بغداد ومن باكستان وحتى دمشق، بدورها ترى السعودية في نفسها الزعيم الحقيقي للعالم الإسلامي فهي حاضنة الحرمين الشريفين، كما أنها تأسست على تحالف نادر بين عائلة عبد العزيز آل سعود وأسرة محمد بن عبد الوهاب ذات الثقل الديني، وطوال مسيرتهم التاريخية المعاصرة، لم يشعر السعوديون بمنافس جدي على الزعامة الدينية إلا بعد ظهور الجمهورية الإسلامية المعاصرة في إيران والتي حملت الإسلام شعارا وتحت اسمه بنت سياستها الخارجية والداخلية..
ليس إعدام النمر نقطة الخلاف الوحيدة بين الإيرانيين والسعوديين، فبين البلدين تاريخ طويل من الخصومات والخلافات، وكومة كبيرة من الحطب القابل للاشتعال، فالتنافس السياسي بين البلدين لم يكن دائما ناعما، وإنما على العكس من ذلك شكلت الخشونة طابعه الأبرز ، بدءا من ثمانينات القرن الماضي حينما اشتعلت الحرب الإيرانية العراقية ووقف السعوديين بشدة تسليحا وتمويلا خلف صدام حسين، ورغم أن السنوات التالية لانتهاء الحرب وخصوصا في فترة رفسنجاني شهدت هدوءا نسبيا في علاقات البلدين، إلا أن فترة ما بعد سقوط صدام والتغلغل الإيراني في العراق ومن ثم محاولات طهران التمدد شرقا وغربا وأخيرا تدخلها القوي إلى جانب النظام السوري كلها أمور شكلت عوامل خلاف شبه مزمن بين الرياض وطهران، فالسعوديون يتوجسون خيفة من مساعي طهران لبسط نفوذها على شرق أوسط مفكك ويعاد تشكيله من جديد، ووسط انسحاب أمريكي لافت يترك فراغا هائلا…
قد يكوت إعدام نمر النمر تدويرا من الرياض لطاولة المقامرة، فالاحتمالات كلها مفتوحة لأن الكبريت في جيب الجميع وتاريخ المنطقة مع الاشتعال طويل، والأقلية الشيعية في الخليج وخاصة في المملكة تشعر أنها الآن محمية بطرف إيراني قوي، وأن الوقت الحالي هو الوقت الأنسب لأخذ الحقوق ورسم ملامح جديدة مع العائلة السعودية الحاكمة، ورغم أن الوقت لازال مبكرا إلا أن قضية إعدام النمر من الصعب أن تمر مرور الكرام، فهي تشكل “رقصة خطرة” على حافة حبل مشدود في علاقات سعودية إيرنية سيماها التوتر والشك وعدم الثقة المتبادل
*كاتب وإعلامي موريتاني/رأي اليوم,l