شهدت المؤسسات المحسوبة على تيار "الإخوان" الموريتاني(حزب "تواصل")حراكا غير مسبوق خلال السنة المنصرمة، بدأ بالواجهة الإعلامية للحركة، حيث أقدم الحزب على تسريح بعض الركائز الصحفية المحسوبة عليه من مواقعها الدعائية المتقدمة.
فعلى سبيل المثال، تم الاستغناء عن خدمات الصحفي أحمد ولد الوديعة في مؤسسة "السراج"، وهو الأمين العام الأسبق (وربما مدى الحياة...) ل"الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا"، الذراع الطلابي والعمود الفقري لحزب "تواصل" وخزان أطره السياسيين (راجع الهيكل الإداري الحالي لمؤسسة المعارضة الديمقراطية)، في خطوة فاجأت الأوساط الإعلامية والسياسية على حد السواء، مما أجبر المناضل السياسي ولد الوديعة على تسجيل محاولة –متأخرة حينها- لتلافي الموقف من خلال تدوينة بعنوان "هذا ماتم في السراج الإخباري"، إلا أن الإيجاز المتأخر لم يقنع أحدا، إذ ظل المهتمون بالشأن الإعلامي يطرحون سؤالين بسيطين، دون الحصول على رد مقنع لأي منهما:
أولا: لماذا لم يسبق التبرير المكتوب خطوة التسريح؟
ثانيا: هل من تفسير لتوقيت التسريح ومبرراته الإدارية أو المالية أو غيرها؟ومما زاد الأمر تعقيدا أن خليفة ولد الوديعة في إدارة "السراج" هو محمد سالم ولد ...الخليفة، من مؤسسة "الأخبار" والتي ظل الرأي العام الموريتاني ينظر إليها باعتبارها مرفقا إعلاميا منافسا (نفس الخدمة) "للسراج".
صحيح أن "أهل الذكر" في مجال الإعلام السياسي الموريتاني حيرهم طويلا لغز لسان حال "تواصل": أهو "السراج" أم "الأخبار" أم "زهرة شنقيط"؟ ولعل إقالة ولد الوديعةواستبداله بأحد ركائز "الأخبار" حلت اللغز المذكور كاملا، إذ تأكد الجميع من أن "الأواني" الثلاثة ...متواصلة وهو ما يعبر عنه البعض محليا ب" السراج والاخبار وزهرة شنقيط، ألا كثرة الاسامي".
وجاءت الاستقالة المفاجئة لمدير التحرير في "الأخبار"، السيد سيدي أحمد ولد باب،عبر تدوينة(وداعا وكالة الأخبار) هو الآخر، بعد 12 سنة من التربع على عرش الإعلام "التواصلي"، دليلا قاطعا على وجود برنامج واضح لتنحية رموز المد الإعلامي "الإخواني" في موريتانيا، حتى وإن التمس المبعدون العذر لمشغليهم السابقين والحاليين -كما يفعل دائما الساسة المحنكون- من خلال إثارة موضوع "ضخ دماء جديدة"، فلم لم يتم التفكير في عملية الضخ تلك خلال 12 سنة من عمر "الأخبار"؟ ولم الآن بالذات؟ فمدير تحرير "الأخبار" المستقيل كان ولا يزال ...مديرا لموقع "زهرة شنقيط"، كما أصبح، بعد استقالته، مديرا مساعدا لـ"الأخبار"! زد على ذلك أن للرجل "ركلات" في مرمى "الاتحادية الوطنية لكرة القدم" وأنه من أدار، بحضور السيد جميل منصور، المحاضرة التي ألقاها "العثماني" خلال زيارته الأخيرة لنواكشوط. إنه الإعلام "الحر" و"المستقل"، حسب العقل "الأخطبوطي الإخواني" الذي لا يقيم لمفهوم التناقض وزنا.
أما في مجال الإعلام المرئي، فقد تم تسريح عبدوتي ولد عالي من إدارة قناة "المرابطون" بالتزامن تقريبا مع تنحية مدير "السراج"، الشيء الذي أثبتمجددا أن الأمر يتعلق بتنفيذ مخطط حزبي أفرزه تقييم سلبي لأداء الأبواق الإعلامية "الربيعية". ويعتبر الأستاذ في "كلية الآداب والعلوم الإنسانية" عبدوتي ولد عالي، الأمين العام الفعلي (وربما مدى الحياة) "للنقابة الوطنية للتعليم العالي"، الذراع التاريخي لحزب "تواصل" على مستوى التعليم العالي.كما تمت تنحية رئيس مجلس إدارة القناة وتعويضه، هذه المرة، بشيخ مقاطعة مدينة "كيف"، في إشارة غير قابلة للتفنيد، إلى أن حزب "تواصل" لم يعد يتستر على تعدد زيجاته الإعلامية.
وعلى المستوى النقابي، قرر حزب "تواصل" تنحية الأمين العام السابق ل"الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا" (الذراع الطلابي ل"تواصل")، السيد محمد سالم ولد عابدين، بعد ست سنوات من "خدمة القضايا الطلابية العادلة"، سبقتها فترة تربص مماثلة في "المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية"، إنه المنطق "الإصلاحي" الذي يتباهى به "إخوان" موريتانيا: تدليس وتسييس وتكريس...
دائما على الصعيد النقابي، جاء دور السيد محمدن ولد الرباني، الأمين العام للنقابة المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي (ذراع "تواصل" داخل سلك التعليم الثانوي)، جاء دوره إذا لإعادة مئزره، تنفيذا لمخطط واضح المعالم، بعد سنين –الله تعالى أعلم بعددها- من النضال من أجل "انتزاع الحقوق المشروعة للأستاذ وإصلاح المنظومة التربوية".
أما على مستوى التعليم العالي، فسوف تشهد السنة الحالية (2016)–حسب تسريبات شبه أكيدة- تنازل الأستاذ محمد ولد اعلي الكوري، عن رئاسة "النقابة الوطنية للتعليم العالي" (ذراع "تواصل" على مستوى سلك التعليم العالي)، وذلك تنفيذا للخطة آنفة الذكر.
ويتباهى مسؤولو "تواصل" على حلفائهم على المستوى العربي، بأنهم يتحكمون في نقابات التلاميذ والطلاب والأساتذة (بجميع أسلاكهم)، الشيء الذي لم يعد صحيحا البتة، ولا أدل على ذلك من التراجع المخجل ل"النقابة الوطنية للتعليم العالي" عن الإضراب الذي أعلنت عنه بصخب إعلامي منقطع النظير (في الأخبار و السراج وزهرة شنقيط والمرابطون )، والذي كان من المقرر أن ينطلق في الرابع عشر من الشهر الماضي، تزامنا مع إضراب الطلاب.
لقد دب الوهن، لأول مرة، إلى المنظومة التربوية الموريتانية عندما تم استهدافها سياسيا وإيديولوجيا من طرف "الإخوان" المحليين خلال ثمانينات القرن الماضي، تنفيذا لتوجيهات ملهميهم على الصعيد العالمي. وغرر عقلاء الغرب بقادة "الإخوان"، فاستغلوا سذاجتهم الفطرية وقودا لإضرام نار الحرب والخراب في عدة دول عربية في إطار "الربيع العربي"، وها هم نفس العقلاء يحررون اليوم التقارير الاستراتيجية التي تصف "الإخوان" بأبشع النعوت.فلو لم يوجد الرئيس محمد ولد عبد العزيز للدفاع، بحنكة وذكاء، عن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم في خضم "الربيع"، لكنا –نحن و"إخوان" موريتانيا- اليوم في وضع لا نحسد عليه...
إن الحراك الفوضوي الذي تعرفه مختلف مجسات "الأخطبوط الإخواني" في موريتانيا، يؤكد –مما لا مجال للشك فيه- أن موارد ما (ولعلها خارجية) بدأت تنضب وأن "حتمية الفشل" أصبحت واقعا معاشا يفرض على "تواصل" مراجعة جذرية لطموحات لم يعد لها من مسوغ...
سيدي ولد محمد أحمد