رفيق الروح

امرأة ستينية سألتني هل أنا متزوجة؟ فأجبتها: لا…
فسألتني لماذا؟
فأجبتها: لم أجد الشريك المناسب…
فسألتني مرة أخرى: هل هذا يعني أنك بحثت عن شريك ولم تجدي أم أنك تتوهمين أنك تبحثين وأنت في الحقيقة مشغولة بحياتك وعملك ومن حولك وتنتظرين من السماء أن تهبك شريكا بالصدفة؟
هالني السؤال لأنه لأول مرة يطرح عليّ. كما أدهشني لشدّة دقته. لقد لامستني تلك السيدة الجنوبية من لبنان ووضعتني في مواجهة نفسي…
أولا لأني فعلا منشغلة جدا عمّا يمكن أن يبني نصف قلبي الثاني، وثانيا لأني فعلا لم أكلّف نفسي بالبحث عن شريك. بل انتبهت وهي مسترسلة في الشرح أني ابنة هذا المجتمع الذي ربى الإناث تربية صارمة فيما يخص عواطفهن. فحتى حين نحقق نجاحاتنا على الصعيد العملي ونتميز ونحلّق بأجنحتنا في فضاءات العالم كله، يبقى لدينا القفل الأصعب ليتحرر، وهو قفل قلوبنا.
نحن لا نعرف أصلا أن للقلوب مفاتيح، وأنها تنفتح بسهولة على براري شاسعة من الخيارات بإمكانها أن تجعل حياتنا أجمل.
السؤال الذي لم يسأله أحد لنفسه في مواجهة شجاعة هو هل بحثنا عن الشريك الحقيقي لنا قبل أن نجزم أن العملية صعبة وغير مجدية؟
لماذا يجد البعض نصفهم الآخر بسهولة والبعض الآخر لا؟
لماذا يدخل البعض في علاقات لا نهاية لها كلها تكون فاشلة والبعض الآخر يجد ما يريد من أول لقاء؟
ولماذا نحسد أولئك الذين يتزوجون مرات عدة- خاصة حين تكون امرأة مطلّقة أو أرملة- ونأسف على حالنا لأننا عزّاب ولم نجد شخصا واحدا نخوض معه تجربة الحب أو الزواج؟
تقول إحدى صديقاتي أن الزواج موهبة!
وأنا شخصيا أصدقها. بل أتفق معها من باب أن الرّغبة في الإرتباط وإيجاد الحبيب مبني على الموهبة لكنّه ايضا مبني على توافق الأذواق والقيم التي بدواخلنا.
للرومانسيين العملية صعبة، إنه البحث عن التناغم الذي لا ينتهي، عن الصدق بلا حدود، عن العطاء دون نقاش، عن رقصة تانغو لا تتوقف فيها الموسيقى ولا اتزان الخطى وتمايل الراقصين.
و يبدو أن العاجزين عن إيجاد نصفهم الثاني هم هؤلاء، ليس لأنهم لا يعرفون كيف يبحثون عنه أو أين؟ بل لأنهم يتفادون ألم الصدمة حين يطعنهم شريك عابر…
تكرار التجربة يبدو مؤلما لديهم وهذا ما يحول بينهم وبين الدخول في تجربة جديدة.
فعادة حواس هؤلاء تكون شفافة وتخترقها النظرة أو تلامسهم تصرفات الآخر بشكل مختلف.
نسمع منهم تلك العبارات الكبيرة:
حدث زلزال حين التقت عيناي بعينيه!
براكين الدنيا كلها انفجرت في داخلي حين لمس يدي!
فرح لا يمكن للغة أن تصفه عمّ جسدي كله حين التقينا!
و كل الكلام على هذا النّسق دون أن يحوي أيّ مبالغة. فالحب عادة يفعل أكثر بصاحبه، لكن الأغلبية الساحقة لا تعرف ذلك. وللأسف أحيانا تتعامل بسخرية من عواطف هؤلاء العشاق، مما يجعلهم يدخلون قوقعة ما تحميهم من تلك السخرية، لكن للأسف تدخلهم أيضا في سجن فيشارك الجميع في حرمانهم من إيجاد الشريك المناسب.
بعضنا يصاب بجنون مفاجئ حتى الخوف من شدّة العشق، ولا تفسير لماذا يعيشه أبدا سوى أنّه وجد الروح التي تعانق روحه.
لماذا لا نترك أنفسها نجد ذلك الآخر الذي يطير بنا فوق كل تعاسات الكون ويجعلنا نعيش فوق من السعادة؟
لماذا ينزعج البعض من هذه الغيمة التي تسعد إثنين؟
لماذا يتفلسف البعض الآخر في جعل الغيمة خطيئة؟ لا مكانا آمنا لشخصين يرفضان التدخل في شؤون من حولهم والتعاطي مع العالم بسوداوية مؤلمة؟
أريد شريكا أتقاسم معه حياتي، لأن حياتي المبعثرة تتعبني ولأن الوحدة لها أنياب تنهشني…
بماذا نجيب؟
السيدة الفاضلة التي أعطتني قواعد العشق الخاصة بها اختصرتها بعشرة قواعد ولا أدري هل ستتفقون معها أم لا؟
أولا: إن أضعت شيئا وبحثت في مكان ولم تجده فهذا يعني أنك تبحث في المكان الخطأ. عليك أن تحدد ما تريد أولا ثم تبحث في المكان الصحيح. لا يمكن أن نبحث عن البلح في قمم الجبال.
ثانيا: النصف الآخر ليس شخصا نصلحه ونضع له إضافات وشروط، إنه ذاك الذي نتفق معه دون أن نخطط لذلك. يفهم نظرتنا ونفهمه. يحب ما نحب ويكره ما نكره، بالتالي القاعدة الذهبية تقول: لا تذهب لنقيضك لتجد الحب.
ثالثا: لا داعي للتمسك بأي كان لأننا لم نجد ما نريد. النصف الآخر طمأنينة، وأي شعور بالقلق والشك تجاه هذا الآخر يعني أن الأمر لا يستحق إهدار الوقت من أجله.
رابعا: كل تقارب بين اثنين يرافقه شوق إشارة قوية بأن الحب الصحيح طرق القلب. وكل ما علينا فعله في هكذا حالة هو أن نعيشه. رفض النعمة نكران لهبات الله علينا.
خامسا: جدار الخجل الذي يكون حاجزا بين عاشقين إشارة إلى أن العطاء الكامل بينهما غير موجود. لا خجل بيننا وبين من نحب. إنه مرآة لنا، نرى فيها أنفسنا بدون رتوشات. علينا هنا أن نتذكّر أن الحياء والخفر الذي يتحدث عنه موروثنا الثقافي عنصر مهم في إفشال العلاقات الزوجية والعاطفية بين اثنين. نعم يمكن للرجل أن يتزوج امرأة تشعر بالخجل أمامه لكنه لن يكون سعيدا تماما معها، وهي لن تكون سوى مدبرة منزل إن لم أقل واحدة من «حريمه» ففي العلاقات الحميمة إذا كان الخجل وتدا ثالثا بحث أحد الأطراف خارج فضاء العلاقة عن ما يملأ فراغات روحه.
سادسا: من يعتقد أن العلاقة الجميلة والجيدة يجب أن تكون شبيهة بنهر هادئ لا يصادف عقبات يكون خاطئا، لكن علينا أن ننتبه أن كل عقبة يصادفها الحب الحقيقي تتحوّل إلى عارض يؤجج العواطف ولا يبعثرها في شجارات لا معنى لها….
سابعا: هناك مقولة تقول إن الحب هو حين ننظر في الإتجاه نفسه وإن لم تكن لنا نفس النظرة. وهذه مقولة عظيمة تبين أن العلاقة الناجحة توافق واختلاف في الوقت نفسه. إنّه سر رباني ربما ولكنه ليس صعب التحقيق. بالتالي لمن يبحث عن رفيق العمر عليه أن لا يغير مساره، سيجده في الأفق نفسه مع مباهج إضافية …
ثامنا: حين ندخل علاقة غير صحيحة نتعامل مع الشّريك بحذر، لأنّ أي زلّة قدم ستجعله يتخلّى عنا ويبحث عن بديل. الشعور بالأمان قاعدة أخرى من القواعد الذهبية التي تعلمتها. إن لم تشعر بذلك الأمان وتضطر للتعامل مع من تعتقده شريكا وكأنّك في امتحان مستمر فالأفضل أن تخرج من أقرب باب حتى لا تتحوّل مع الزمن إلى شخص آخر يثقل كاهلك قبل أن يجهز عليك.
تاسعا: عليك فعلا أن تصاب بالدهشة لأن الذي أمامك كأنّه أنت، وإلا فتوقف عن التقدم وإعلان حرب الإستيلاء عليه وكأنه غنيمة.
عاشرا: الشعلة نفسها تبقى متقدة بين حبيبين من الصنف المتين. حتى حين يفترقان، أو تفصل بينهما ظروف كهذه الحروب التي نعيشها، أو ظروف العمل، أو زيجات خاطئة، فالشعلة نفسها تتوهج حين يلتقيان.. تلك الشعلة وحدها وهي تلهب مشاعرهما تجعلهما يدركان أنهما روح واحدة لجسدين… وكلاهما يرى في الآخر رفيق الروح.

شاعرة وإعلامية من البحرين

بروين حبيب

اثنين, 18/01/2016 - 00:36

          ​