إنهم يرقصون دون موسيقى،وينامون وهم جلوس لشدة النعاس(لا يعرفون الأرق)،يضحكون قبل بزوغ الشمس،ويصبون الدهون بكل غزارة على طعامهم،وإذا حدثتهم عن خطورة ضغط الشرايين،يقولون لك لا أحد سيموت قبل أن يموت،ماهرون في تفكيك الخيبات وفي إصلاح نوافذ الأمل في قلوبهم البيضاء بعد كل عاصفة هوجاء،ينظرون إلى تلك الصحراء المتجهمة على أنها غابة مطيرة،ويحسبون السماء البعيدة ستدنو حتما من آبارهم الجافة لتترك غيومها تذوب هناك كقطع الثلج،إذا شعروا بالحزن قالوا الحمد لله،وإذا عادوا بحصاد وفير من السعادة قالوا الحمد لله.
لا يذهبون للعرافة لتقرأ لهم الطالع،فالمستقبل لا يتزود بالبنزين في محطات موريتانيا،ولا يمشي في شوارعها المليئة بالحفر،وليس سياسيا قد يزرع لهم شجرة من الوعود جذورها تسقى بلبن العصافير،المستقبل لا يتأخر عن موعده،ستصلهم أخباره في الوقت المحدد!
أيتها الحياة إنك لغز كبير،فمعظم أسئلتي التافهة لم أجد عليها إجابة مقنعة،لقد أضعت الكثير من الوقت في التخطيط للمستقبل،لقد تعبت من رفع الأحلام،ومن دراسة جدوائية المبادئ والإنتظار،أظنني بحاجة لبعض الغباء والتهور الفكري،ماذا لو سافرت هذا الأسبوع إلى جنيف(نواكشوط)،وحملت ورقة الطلاق إلى وزارة التعليم وتركتها هناك،ما الذي سيحدث؟؟
سأصبح عاطلا عن العمل بكل تأكيد،وعالة على وزارة الوظيفة العمومية وعصرنة الإنتظار،هناك حكمة هندية تقول:لا تضيع عمرك في مهنة لا تحبها لأنك لن تتطور فيها ولن تبدع،لا لا الهنود رومانسيون وأفلامهم مليئة بالمطر والحب،وحكمتهم هذه لا يمكن طهو الغداء من مكوناتها،ربما أمي لم تستشرني عندما قررت الزواج بأبي منتصف الستينيات،وأبي ربما تسرع في انجابي قبل سقوط جدار برلين ودستور 91،كما أن موريتانيا تسرعت أيضا في منحي الجنسية،الوطن والأرض والجذور إنها أشياء معقدة والحديث عنها نقاش فلسفي عميق،لست مستعدا له في هذا الصباح الجميل(الكلام أعلاه)ليست تذمرا على العكس من ذلك!
في المحصلة أنا أتدفق مع نهر الأقدار الذي لا أعرف وجهته،لذلك ليس علي أن أنهك نفسي بالتفكير بدوامة العواقب،بقدر ما علي أن أهتم بالبذور التي أزرعها الآن،والتأكد من خلوها من الشر!
هنا تامشكط،والشمس مشرقة والهواء عليل والسماء صافية،وزميلي يسكب الكأس الثاني وأنا أقوم بطحن حبوب "كرت" صحبة الخبز الوطني(امبورو لحطب)،وقناة فرانس 24 في جعبتها الكثير من الأخبار الحمراء في هذا الصباح،منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل والبشر يقتل بعضهم البعض،القتل بغير حق يتنافى مع تعمير الأرض الذي كلفنا الله به،طابت أوقاتكم والحمد لله على كل حال،16 يناير 2016 والساعة 10:12 صباحا
خالد الفاضل