اللغة وعاء يحوي ثقافة المجتمع، ولكل مجتمع حدود ثقافية تمثلها هويته وتحميها، ولايشعر الانسان حدود هويته إلا حين يصطدم بالآخر أو بثقافة جديدة أو حين يشعر أن مألوفه الفكري بدأ يزاحم في كيانه، وكثيرا ما تتأثر الهوية عندما نبدأ في اتقان لغة غير لغتنا الأم، رغم أهمية تعلم اللغات العالمية، فالتضلع منها مطلوب للحياة، ذلك أن لكل لغة شوائب فكرية ومرجعيات تصوريةن ترافقها وتجعل الانسان في صراع دائم، بين ذاته ومعرفته، من هنا ننتبه لمعنى اللغة وعلاقتها بالهوية.
فالثقافة كما يرى بعض الباحثين هي نظرية في السُّلوك أكثر من أن تكون نظرية في المعرفة، والهوية هي تمسكنا بذلك النمط السلوكي الذي يثبت وجودنا ويحقق ذاتيتنا ويمثلنا ونعيشهن حتى في صمتنا، "فالصمت جزء من اللغة كما أخبرت بذلك جوليا اكريستيفا".
يقول الفيلسوف الألماني هيدجر :إن لغتي هي مسكني، هي موطني ومستقري، هي حدود عالمي الحميم ومعالمه وتضاريسه، ومن نوافذها ومن خلال عيونها أنظر إلى بقية أرجاء الكون الواسع، فاللغة التي تدل على هوية الفرد وتكشف عن ذاته ومن هوهي هويته.
وحين نصل لصلب الموضوع ونخص بالذكر اللغة العربية فإننا نتحدث عن لغة تختلف عن اللغات الأخرى بشيئ واحد هو أنها تتصل بحقيقة عقدية راسخة، ونعني أنها لغة الاسلام ولغة القراءان لا غير ذلك، وذلك ما منحها قداسة ومكانة عظيمة، ودعك من جمالها وعذوبة شعرها وصفاء أصواتها، ومن بلاغتها وتعدد أساليبها وقدرتها التعبيرية وشفافيتها، ومنطقيتها، فهذا حديث غابر ليس متاحا للجميع مناله..
فقد كتب الشعر الجميل بجميع لغات الكون ولهجاته حسب أذواق أهلها، ووجدت الثقافة في مختلف أنحاء العالم، وطرحت الأفكار النيرة والخطيرة بمختلف ألسنة البشر وبنيت الحضارة على ايدي رجال تحدثوا لغات غير العربية، ولا مجال لمقارنتها بلغة أخرى، فاسياد العالم اليوم وسدنة الحضارة هم من يحدد قيمة اللغة والثقافة ولا تزن عندهم العربية مثقال ذرة، حيث أنهم قد أداروا وجه الصناعة والاكتشاف والعلم والاقتصاد إلى لغاتهم التي تبدأ من اليسار، ومنحوا بذلك ابجديتهم قدسية عظيمة وقيمة نادرة، لمن أراد أن يعيش ها هنا، لكن ذلك لا يغير من قيمة الهوية لبقية أناس العالم.
وعليه فإنه من عاب لغة قوم على قدر مكانتهم الحضارية وسخط على هويتهم بسبب الواقع الاقتصادي والقدرة المادية التي يقبعون بها، فإنه قد ظلمهم حقهم، بل نراه يضمّن فكره دعاية خفية لتغيير الهوية من أجل لقمة العيش والحصول على نعمة الحياة..
ديدي نجيب