من أجل ألا يموت تراثنا في زحف العولمة ...

 التراث هوتعبير حي عن أعماق ووجدان الشعوب وعن خصوصياتها الثقافية والتاريخية وهو الوسيلة المثلى لديمومة التواصل الإنساني والتبادل الثقافي بين مختلف الشعوب ومنبع لتنمية المواهب والابتكارات والإبداعات وحين نقصد بالحديث تراث موريتانيا فإننا نقف على شاطئ محيط مزبد يكاد يختفي خلف أغطية النسيان والاهمال هو اتيدينيت والصناعة التقليدية وغيرهما من المعادن الكبرى التي لم تتح لها فرصة التنقيب والتصدير والعناية.

 

وتمتاز الثقافة الموريتانية بما يعرف بالفن أو "أزوان" وهو خزانة شاملة لتاريخ شعب ومجد أمة تم تدوينه في آلة موسيقية هي "اتيدنيت" وقد عرف هذا الفن الأصيل ركودا قويا منذ عصر الانفتاح على العالم المتقدم وازدهار الصناعات والآلات الموسيقة حتى عزف أهله عن أصيله وغادروا ما تركه الأجداد نحو التجديد والتطوير قصدا منهم لمواكبة العصر، ما جعل بعض المراقبين الثقافيين يرون في ذلك خطوة نحو اندثار هذه الخزانة العظيمة التي تحفظ لموريتانيا مجدا لا مثيل له وأصالة نادرة.

 

و الصناعة التقليدية في موريتانيا ذلك الجانب من الثقافة الذي يحافظ على قدسية الماضي والذي ظل ينتقل من الأب لابنه، حيث ساهمت الصناعة التقليدية في مقاومة الاستعمار حين كانت تختص بصناعة الآلات الحربية  وظلت الصناعة التقليدية تغطي اكثر من 90% من حاجيات المجتمع قبل انتشار الصناعات الحديثة في العقود الماضية، ومع تغير النمط الاستهلاكي للمجتمع الذي تغيرت معه انواع الصناعات التقليدية، وطرق تسويقها، استغنى الموريتانيون عن الكثير من منتجاتها، مما تسبب في كساد لهذه الصناعة وهجرة مستمرة للمشتغلين التقليديين بها نحو مجالات أخرى، مما ينذر باحتمال التلاشي والاندثار لهذه الصناعة التي تحولت ادواتها  في المعارض الي  مايشبه بعض التحف الاثرية والتراثية الباحثة عن من يقتنيها. ويرجع الفضل في وجود هذه الصناعة، لشريحة الصناع التقليديين"لمعلمين"، وهي من الشرائح الاجتماعية في موريتانيا، التي تميزت عبر تاريخها بالإبداع الفني والتفاني في خدمة المتطلبات الاساسية للحياة البدوية في هذا المجتمع الذي اختصت فيه بالحرفية في مجال الحدادة والصناعات اليدوية باشكالها المختلفة.

 

 

إن تراث موريتانيا هو جزء من ثقافتها البدوية العريقة وجزء كذلك من هويتها الصامدة في وجه الزمن وتحديات العولمة، ذلك التراث الذي يشمل الفن بأصنافه العامة والخاصة، رغم أن الفن الموريتاني ليس كغيره من الفنون العالمية لما يحمل في محتواه من العلم والأدب والمعارف .

 

ويرى بعض المراقبين التقليديين أن تفضيل الموريتانيين اليوم للصناعات الحديثة على موروثهم التقليدي هو وأد  للذات الموريتانية وخيانة لروح الأصالة حيث تم استبدال الآلات الموسيقية بأخرى صنعت في الغرب وآلات الاكل والشرب التي كانت تصنع هنا من منتوجات موريتانية خالصة وطبيعية استبدلت هي الاخرى بآلات صنعت في حضارة أخرى وتروج لثقافات مغايرة لثقافتنا.

 

وكما أن تقدم الدول اليوم متوقف على  مدى تقدمها ثقافيا ولا يمكن إنصاف الدولة الموريتانية في إهمالها لهذا الفن العريق العتيق، فعلى الحكومة  أن تعير لفتة إلى قطاع الفن وتخصص له دعما معتبرا، كأن تنشئ مدارس متخصصة في الفن والصناعة التقليدة ليظل تراثها في متناول اليد وقيد الحضور وحتى لا يختفي مجدها وتاريخها وفنها وتنمحي هويتها فلا وجود لشعب لا يملك تراثا وثقافة ومجدا تليد اورثه الابن عن أبييه وأبيه عن جده.

 

اتلانتيك ميديا

اثنين, 30/06/2014 - 11:59

          ​