لا يمكن لنفس الحياة الجادة أن يطغي على كل مساحة زماننا ونحن بين دفتي هذه الحياة المتناقضة والمترامية الأطراف، حيث لا يمكن إهمال الجانب الترفيهي من حياة الانسان، فهو مهرب النفس من ضغوطات الحياة، وقسرياتها الضرورية.
إنه المساحة التي نتنفس فيها هواء السعادة ونلمس فيها تيار البساطة ونغامر في رحلة البحث عن الحظوظ فيما وراء التوقع .
ولكل مجتمع جملة من الألعاب يداري بها الناس أنفسهم وقت الفراغ وأيام العطل واثناء اجتماع الأصدقاء في مختلف المناسبات، وقد رخص أرباب النفوس في اشتغال الانسان بشيئ من الترف الذي لا يضر بالمروؤة، فهو دواء للنفس من جدية الحياة ونكدها، بل وينصح به لصفاء الذهن، وقيل إنه يمنع الانسان من سرعة الخرف.
هذا وقد كتب القبول للعبة "بلت" بربوع الترف حتى أصبحت محط الرحال وسمر الجماعة وحديث الساعة، في بعض المجتمعات، وحتى احتوت على كل علمية لعبة "مرياص" في ربوع الترف بصقعنا، و أصبح الثلاثة ينتظرون الرابع، والخامس يبحث عن زميل "بارت" كما يسميه أهلها.
لكن ما ميّز هذه اللعبة عن غيرها ليس رسوخها في العقل فللحظ والتقيد بابجدياتها ما يفوق جانبها النظري، ولا شغلها للفكر رغم أنها تتطلب درجة عالية من التركيز والحضور، ولكنها تتميز بما يرافق طريقة لعبها من حوارات تخلط بين الجدل والجد والفكاهة والبلاغة الراسخة فتلمس سياقاتها تصطدم مع ما يسود في البيئة من أساليب لغوية وطرق مختلفة في التعبير، وهنا يظهر تأثرها بالبلاغة المحلية، بعد أن ألقى عليها "آسكر" ببعض فيئه لتنتقل اللعبة من مرتبة اللهو والعبث إلى متعة نخبوية وثقافة محلية تملك صدى واسعا في نفس الانسان المحلي، وبذلك تتميز عن غيرها لتحتكر جملة من الألغاز الاجتماعية والطرف والانتقادات الشخصية والنكت المقيدة بالسياق ما يتطلب من لاعبيها حضورا محليا وتطلعا كبيرا على آخر مستجدات "آسكر"، حتى أن محليتها قابلة للتمدد وادماج كل دلالة جديدة بنكهة محلية والباسها ثوبا من الفكاهة يخرجها عن اللعب لتصنف كنمط من اللقاءات الخاصة.
وقد توسعت ثقافة هذه اللعبة لتخلق لنفسها ومن خلال محترفيها مصطلحات راسخة وبلاغة جديدة تنطبع بثقافة أهل هذه الربوع وبلغت بذلك أن أصبح لها معجما ثريا يلصق كل أسلوب من أساليب اللعبة بنمط تفاعلي كما يرافقه مستوى من الدلالة يفوق مرجع الكلمة ومدلولها في اللغة، وقد تأثرت اللعبة بالبلاغة المحلية "مابين الكثبان"، حتى أصبحت تسمع الكلمات المستخدمة في ميدان اللعبة تستعار في سياقات أخرى و أصبحت الحقول الدلالية متصلة بين اللعبة وكلام الناس ونتج عن ذلك ثراء بلاغي كبير.
كما تأثرت اللعبة بشخصيات كانت محورية فيها ولعبت دورا كبيرا في ازدهارها محليا، حتى أصبح لكل شخصية من تلك الشخصيات كلمة خالدة في اللعب، تذكر معها، وانتقلت من ترف عبثي إلى مجالس بلاغية من الطراز العالي، بل أصبحت هذه اللعبة مقياسا في الفتوة العصرية ومقياسا لمدى تمسك الانسان ب"محليته".
ومن تلك العبارات التي رافقت تاريخ اللعبة ما له قصة تروى مثل قول أحد سدنتها في حكمته : صانه "مايلعبه ماه بو اربعين اسن والل تامو العقل.
ومنها ما انتقل إلى مثل يطير به الركبان مثل قول الامام الكبير الذي روي عنه أنه كان يقول لما لا يسره من اللعب : ذاك هو ال فيه الخير "كالو" اهل انيفرار ال ش ماه مارك عندهم افش"
ـكما لكل لون من ألوان اللعبة مسميات تحمل كنايات واستعارات تستجد حسب الغاية، وذلك ما يعرفه متقنو اللعبة.
ـ ومن أمثلتها التي تطابق كذلك بعض السياقات الأخرى قولهم :اطريك ما ينكعد فيه وال ما ينبال فيه.
ـ ومما سمعنا من العلامة سالم أطال الله بقاءه :هي ما فيه المستحيل، وأصبحت كذلك مثلا يضرب في الحياة العامة.
ومن كلماتها الحماسية "اندكدكدي"ولا أدري مرجعيتها اللغوية وأظنها وافدة من جهة غريبة علينا . ومنها "كعد الوركه" و"كعد السكر" وكلها تلميح وإشارة لشيئ في محله . "العشراية منت باين".... . او ذ تعرفوه . انكوم آن كال محمد محمود..... . بيسو كال اتاه. انا لاه انكطك وهي لصديقنا بشير . انشو التركة . اطفيل تحان ولها قصة تعود لتاريخ "آسكر".
ـ "ونّ كي كاع ماكان اخرص مرياص" ونشير هنا إلى أن ون كي "ارواية اكبيره" و له قصة تروى عند أهل اللعبة وقد نخصه بشئ في وقت لاحق.... .
ـ او اشلاه انكولك وهي كناية عن الحيرة . و"لل كير" . والله ال اباص . الفلات . ذيك ديست "الشيخ ولد ابيد ".... تسع اتسعين ماه ميه" "هي عااااده اتييييييييييس" هههه
"انصار يوكلو الحوت".
ومنها"اروا كرو" ما ايغير المنكر" و"اكر لوحك"
ـ الا ذيك اباص ال اطبو اعليه وهو مبدء كذلك أطلقه أحد التابعين، ومنها أمثلة أخرى شائعة كما يروى عن اكرينات في وصفها، وما قالت "عنز لمهار" "اخيره ما ايكر" "اثنتين ماهم فيه" ومنها "مرسول اخرش" ومن ذلك ما قال ولد لبواه في رده على حليلته في قصة طويلة، ومنها "خل باده راكد" وهي كذلك حكمة تؤخذ.
ديدي نجيب