كم كنت ولا زلت اتمنى ان يتوقف شبابنا العربي عن السطحية في تلقي الخبر والتفكير والتعاطي مع قضاياه المصيرية… فها هم شباب العرب يطبلون ويزمرون فرحا بقرار الرئيس الروسي فلادمير بوتين بالانسحاب من سوريا !!!.
انني واذ اسطر هذه الكلمالت فانني استغرب ، كيف لنا ان نقتنع بان روسيا اتت الى سوريا لتنسحب بهذه الطريقة البسيطة . لن ينقصنا من الامر شيئا لو استخدمنا عقولنا ولومرة واحدة قبل اصدار الاحكام و فكرنا بطريقة وكيفية واسباب قدوم روسيا الى سوريا ، وان فعلنا ذلك فانني على يقين باننا لن نصفق ونهلل لقرار بوتين ” الملغوم” كما اراه اليوم.
ما اشبه اليوم ببارحة حروب الخليج عندما تجردت امريكا عن كل القيم والاخلاق والاعراف وورطت صدام حسين لدخول الكويت لاجل ان القضاء على اكبر قوة عربية يمكن لها ان تهدد اسرائيل في ذلك الوقت وايجاد موطىء قدم لها في قلب الخليج وتمخض عن ذلك كل هذه الفوضى والعشوائية والقتل والتدمير تحت مسمى الربيع العربي.
اليوم بتكرر المشهد في سوريا ولكن اللاعب روسي بامتياز حيث اتى الجيش الروسي ظاهرا لمحاربة داعش والعصابات الارهابية وفي باطن الامر ان روسيا قد اتت لاجل نفسها واعادة هيبتها وهيمنتها ومجدها الغابر.
فلو استعرضنا ايام التدخل الروسي القصيرة والتي لم تستكمل ستة اشهر حتى كتابة هذا المقال لوجدنا بان روسيا حققت نجاحات عجزت عن تحقيقها عبر عقود…. فهي:-
1- لقد استطاعت ان تعود للساحة الدولية كقوة عالمية وقطب يظاهي الغرب كله ومن خلال البوابة السورية..
2- استطاعت الترويج لسلاحها الجوي والصاروخي وبقية اسلحتها الحديثة دون عناء فهي انفقت على حملتها في سوريا ما كانت تنفقه على التجارب والتدريب والتحديث والتطوير للجيش الروسي في اراضيها وبالتالي لم تخسر الكثير ماديا مقارنة مع مكاسبها المعنوية الاخرى كقوة كبرى عائدة للساحة الدولية.
3- استطاعت روسيا ان تخدع كل العالم بمن فيهم امريكا حيث انه وفي عهدها القصيرفي سوريا والشرق الاوسط استطاعت ان تثبّت نظام الاسد وتكشف حقيقة داعش لا بل ساعدت في تمكين النظام العراقي من دحر داعش في العديد من المناطق في الوقت الذي احتلت داعش الموصل والرمادي وثلث مناطق العراق في عهد التدخل الامريكي والذي كان في ظاهره محاربة داعش وفي باطنه دعمها وما عمليات انزال المعدات التي كشفها الشهيد الطيارمعاذ الكساسبة رحمه الله الا اكبردليل على القذارة والصلف والخيانة الامريكية في تعاملها المزدوج مع العرب السذج الذي يبصكون ويصفقون دون ان يقرأؤون!!!.
4-لقد استطاعت روسيا ان تجمع الاطراف السورية رغما اوطوعا في جنيف جديد يهيمن عليه النظام السوري في الوقت الذي عجزت امريكا والغرب عن جمع هذه الاطراف لصالح قوات المعارضة عندما كانت في اوج قوتها قبل التدخل الروسي العملي في سوريا.
5- ورغم مساهمة روسيا الكبيرة في جمع الاطراف السورية الا انها كانت ولا زالت تجمع ظاهرا وتعمل على دعم الاسد من جهة اخرى لكسر شوكة وارادة فصائل المعارضة. خلاصة القول … ان روسيا لن ترحل من سوريا ولن تترك الاسد حاليا ولن تسمح بتقسيم سوريا وما يحدث ما هي الا امورتكتيكية تهدف الى ارضاء المعارضات السورية المجتمعه في جنيف مؤقتا لاجل انتزاع تنازلات منها لصالح بقاء الاسد مرحليا ولفترة طويله في مقابل دعم وتدعيم وترسيخ قناعات لدى المجتمع الدولي بان نظام الاسد كطرف يعتمد عليه في محاربة داعش خصوصا وان قوات الاسد وبدعم روسي تتجه لتحرير مدينة الرقة من عصابات داعش وستكمل الطوق على مدينة ادلب بحجة ان هذه المدينة تحت سيطرة القاعدة ” النصره” وليس المعارضة السورية وهذا ما سيروق لامريكا نسبيا ولو عارضته علنا.
اذا ما تحقق هذا السيناريو – وهو الاقرب للتحقق – فان روسيا ستقدم نظام الاسد للمجتمع الدولي وكانه قاهر لداعش والقاعدة وبالتالي تسويقه كطرف لا غنى عنه في مكافحة الارهاب وبالتالي مكافاته على حساب المعارضة السورية وتخفيض سقف مطالبها بشكل كبير.
اختم كلماتي برسالة الى الشعوب والشباب العربي بالارتقاء في التعاطي مع الاخبار والاحداث والقضايا العربية بطريقة اكثر رقيا وحضارية من خلال قراءة ما بين السطور لكل ما نسمع ونرى او يطرح علينا من قضايا واحداث فيكفينا سلسلة ” خوازيقنا ” منذ عام 1948 وحتى اليوم.
د.ثابت المومني
رأي اليوم