حمزة براين: إبن المشايخ الذي قرّر ممارسة الغناء “المحرّم”

يتميز المجتمع الموريتاني بسيطره القبيله وقيمها علي نظره الناس لشؤون الحياه. وتنقسم القبائل في موريتانيا الي طبقات اجتماعيه عدّه، لكلّ منها ادوار ومهمات رسمتها العادات والتقاليد. وبحسب هذه القسمه يعدّ الغناء مهنه احدي الطبقات الدنيا. ولكن الشاب حمزه براين قرّر كسر القاعده عندما مارس، وهو ابن المشايخ، فنّ الغناء.

تنقسم القبائل الموريتانية الي طبقات عدّه. علي راس الهرم يتربّع العرب المهتمون بحمل السلاح والموكله اليهم مهمات الحرب والدفاع والتامين اضافه الي “الزوايا” المتخصصين في الشؤون الدينيه والثقافيه والتعليميه. بعد ذلك، تاتي طبقات اجتماعيه يُنظر اليها بازدراء، مثل فئه “ازناكه” التي اختصت تاريخياً برعي المواشي، وفئه “المعلمين” التي عرفت بقيامها بالاعمال الحرفيه وخصوصاً اعمال الحداده، وطبقه “العبيد” و”العبيد السابقين”.

وقد اختصت طبقه تدعي “ايكاون” بالفن والغناء ولعبت علي مرّ الزمن دور صوت القبائل ووسيلتها الدعائيه، بحيث كانت باغانيها تُمجّد شيوخ القبائل وتحيي افراحهم واعراسهم. وتملك اغلبيه القبائل الموريتانيه الكبيره عائلات من هذه الفئه التي ما زالت حتي اليوم تحتكر الغناء والطرب في موريتانيا وتقوم بدورها التاريخي.

وعليه، فان الاصوات التي تغنّي والتي لا تنتمي الي هذه الفئه تكاد تُعد علي اصابع اليد الواحده. فحتي الان، لا تزال ممارسه الغناء امر شبه محرم علي ابناء “الطبقات العليا” في المجتمع الموريتاني. وابناء العائلات المحافظه الذين يتجراون علي خوض غمار الغناء يكونون محط سخط وسطهم الاجتماعي.

تيسطر التقسيمات التقليديه علي النظره الي العاملين في عالم الغناء برغم ان المجتمع الموريتاني يقدر الفن في ذاته، ويرتبط وجودياً بالغناء. فالافراح والمناسبات لا تكتمل بدون الموسيقي والاصوات الشجيه. ولا تزال هذه التقسيمات قائمه في اوساط القبائل ولم تنجح الدوله في تغييرها. وهناك حراك مجتمعي ضدها يهدف بشكل خاص الي انصاف ابناء الطبقات التي تُعدّ في اسفل هرم المجتمع التقليدي والتوقف عن ازدرائهم.

من بين كل هذه التعقيدات الاجتماعيه المربكه، خرج الشاب الموريتاني حمزه براين محاولاً كسر القيود المفروضه علي ابناء فئته (ينتمي الي احدي قبائل الزوايا) ومطلقاً العنان لمواهبه وتطلعاته لان يكون احد نجوم موريتانيا، وبدا الغناء بالحسانيه (اللهجه المحليه للعرب) والفرنسيه والانجليزيه، متحدياً كل الصعوبات.

التقي رصيف22 الفنان الشاب حمزه براين واجري معه حواراً تحدث فيه عن التحديات التي واجهته بعد دخوله عالم الفن.

انا شاب موريتاني اسمه الحقيقي حماه الله ولد البشير، لكنه اختار اسماً مستعاراً ليختبئ خلفه ويمارس هوايته من خلاله، والسبب هو الخوف من المجتمع وتقاليده ونظره الاسره. فاسرتي كانت تعارض ممارستي للفن لاسباب عده اهمها كونها اسره محافظه وكوني لا انتمي الي شريحه “ايكاون”. في البدايه كانت لدي مخاوف لكنها تضاءلت مع مرور الزمن وتراكم التجارب. وما ساعدني علي الاستمرار في مجال الغناء والطرب وعلي تغيير نظره اسرتي الي عملي هو النجاح في دراستي. وانا الان سنه ثانيه في الهندسه الكهربائيه في تونس.

اثار “فيديو كليبك” It started from Nouakchott الذي ظهرت فيه الشابه ليلي مولاي من دون ارتداء الملحفه انتقادات كثيره. ما تقييمك لتلك التجربه؟ هل خرجت منها اكثر عزماً علي الاستمرار؟ وهل تجد ان تلك التهجمات مبرره؟

كنا نعرف ان “الفيديو كليب” سيثير ضجه عند خروجه الا ان ما فاجانا هو كثره تلك الانتقادات غير المتوقعه. فقد طالبت حركه لا للاباحيه بمعاقبتنا واعتبرت ان الفيديو يمس الدين والعادات. كان بعض النقد مبرراً وبعضه الاخر غير مبرر. مثلاً، لدينا عرق في موريتانيا لا تضع بناته غطاء الراس ولا نجد انتقاداً لذلك. وحين تجري احدي الصحفيات الزنجيات الموريتانيات المسلمات التي لا ترتدي الملحفه ولا تضع غطاء الراس، مقابلهً علي التلفزيون الرسمي، لا تُنتقد. ولكن تقوم الدنيا ولا تقعد حين يظهر “فيديو” يصوّر  فتاه لها ملامح “البيظان” ولا ترتدي الملحفه.

انت هنا تنتصر للعادات والتقاليد وليس للدين وهذا نفاق وتناقض واضح وغير مبرر. كان بامكاننا ايام الضجه ان نرد بفيديو علي تلك الهجمه لكن اخترنا الصمت، فموريتانيا حاله خاصه متعدده الاعراق وليست السعوديه ولا السنغال. اما بخصوص عزيمتنا فقد زادت. ولكنها لم تزد من اجل الصراع مع الناس حول الملحفه والدين، فلا نريد ان ينحصر النقد بمثل هذه المواضيع، ففي موريتانيا الكثير من المسائل الشائكه. وسنتطرق الي اكثر من موضوع في الالبوم التالي. وسنعتمد علي الفيديو كليب في هذا الالبوم ايضاً.

ما هو موقف عائلتك اليوم من استمرارك في الغناء خاصه انك ستصدر البوماً جديداً؟ وهل تتوقع ان يثير الالبوم الجديد والكليبات المرافقه له ضجه مماثله لما جري من قبل؟

أسرتي تساندني هذه المرة. في المرات الماضية لم يكن يعجبها أن إبنها يشتغل في هذا المجال والآن أصبحت متقبلة لعملي. لم أبدأ بالتحضير للألبوم الجديد قبل أخذ إذن والدتي وعائلتي. أتمنى أن يثير الألبوم ضجة، وموريتانيا فيها الكثير من القضايا التي يريد الشباب تغييرها ونحن سنسلط الضوء على بعضها.

 

كانت ممارسة الغناء في موريتانيا تقتصر على فئة "إيكاون". هل تجد أن خطوتك ستدفع شبابا اَخرين من عائلات محافظة إلى ترك العنان لمواهبهم؟

أحزن حين أشاهد المسابقات الكبرى مثل The Voice وArabs Got Talent ولا أرى مشاركة الموريتانيين فيها. دائماً ألتقي شباباً موريتانيين لديهم مواهب عالمية، لكن الأهالي يمنعون أبناءهم من ممارسة الفن ويعتبرون أن الفن والغناء غير محترمين.

 

في ألبومي الجديد حاولت كسر النمط التقليدي وتبنيت فكرة أنه يجب السماح للشاب بعمل ما يريد وبممارسة هواياته. ويعمل معي في الألبوم الجديد شابان من بيئة محافظة وأهلهما ملتزمون ويعتبرون أن الفن حكرٌ على طبقة "إيكاون".

 

وأرى أن الشباب سيجدون طريقهم إلى الفن حين نأخذ نحن الذين لا ننتمي إلى طبقة "إيكاون" المبادرة ونسلك طريقاً غير تلك التي رسمتها التقاليد لهذه الطبقة، فنتحلى ببعض المبادئ ونبتعد عن الغناء في الأعراس لكي لا نكرّس الصورة النمطية للفنّ.

رصيف

 

أحد, 01/05/2016 - 22:03

          ​