ليبيا في زمن “الهستيريا”!!

” زمن الهستيريا ” تعبير أطلقه العالم الجليل الدكتور مصطفى محمود في واحد من احاديثه التلفزيونية حينما تعرض لحادثة وقعت في مدينة نيويورك منذ بضعة أعوام حينما سقطت قطة صغيرة من احدى العمارات وأدى هذا السقوط الى كسر رجل القطة !! قامت نيو يورك و لم تقعد. و تجمع الناس حول القطة المسكينة وهم يصرخون و يولولون. و جاءت سيارات الإسعاف من كل حدب و صوب لإسعاف القطة الصغيرة. و انتشرت قوات الامن والشرطة حول الموقع لحراسة القطة و حمايتها. و ارتفع عويل صاحبة القصة الى عنان السماء. و شارك الحضور من الرجال والنساء و الأطفال صاحبة القطة في بكائها و حزنها و خوفها مما اصاب القطة الصغيرة. !! حملت سيارات الإسعاف القطة المصابة الى احد المستشفيات حيث تم جبر الكسر و تم تجبيس الرجل المكسورة و فرحت صاحبتها و فرح الناس بنجاة القطة الصغيرة من الموت و فرحت نيويورك و نقلت شاشات محطات التلفزة الامريكية هذا المشهد العظيم الى الأمة الامريكية كلها عبر الولايات الواحدة و الخمسين و منها الى العالم كله. !!

علق العالم الكبير الدكتور مصطفى محمود على ذلك بقوله ان هذه الجموع التي راعها ما جرى لتلك القطة الصغيرة هي نفسها الجموع التي لم تفعل شيئا ولم تصرخ و لم تولول حينما ألقت حكومتها القنبلة الذرية على هيروشيما و ناجازاكي في اليابان و قتلت في لحظات سبعة ملايين من البشر. !! و ربما مثلهم من القطط و الكلاب و الطيور. !! ثم وصف الزمن الذي يجري فيه ذلك كله بانه زمن الهستيريا. !!

ترى ماذا كان سيقول استاذنا الجليل مصطفى محمود لو راى ” الهستيريا ” الليبية المعتبرة التي يعاني منها الليبيون و الليبيات هذه الأيام السوداء!؟

ترى ماذا كان سيقول عن الطفل ألذي لم يتجاوز التاسعة من عمره و الذي تم اختطافه و قتله منذ ايام قليلة دون وازع او ضمير و دون أدنى اعتبار للطفولة البريئة و للانسانية و للدين و الاخلاق بعد ان عجز والده المكلوم عن دفع مائتي الف دينار فدية طلبها الخاطفون ظلما و عدوانا. !؟

ترى ماذا كان سيقول عن مئات الأرواح التي أزقتها العصابات المسلحة في معظم مدن ليبيا المنكوبة باهلها وبالغرباء الذين جلبهم ليبيون لقتل اخوتهم المواطنين و هتك أعراض الماجدات من نساء و بنات ليبيا. !؟

ترى ماذا كان سيقول عن الأطفال الليبيين المخطوفين و الشباب الليبيين المحتجزين في السجون غير الشرعية.!؟ ترى ماذا كان سيقول عن الاغتيالات العشوائية التي تجري كل يوم في مدن ليبيا شرقا و غربا و جنوبا لرجال القوات المسلحة و لرجال القضاء و لنشطاء حقوق الانسان و غيرهم من الرجال و النساء.!؟

ترى ماذا كان سيقول عن مسخرة الصخيرات و مهزلة حكومات خيال المآتة الثلاث و عن مجلس النواب العاطل عن العمل و عن المؤتمر الميت الحي و عن مجلس الدولة الذي لم يلد و لم يولد و لم يعترف به احد. !؟

ترى ماذا كان يمكن ان يقول عن مهزلة المجتمع الدولي الذي يتلاعب بأعصاب الليبيين و الليبيات مع سبق الإصرار والترصد كما يقولون. !؟ لقد حار الليبيون و الليبيات في هذا المجتمع الدولي الذي يقول مرة ان الحكومة المؤقتة التي تحظى بثقة مجلس النواب هي الحكومة الليبية الشرعية التي يعترف بها المجتمع الدولي ثم يقول اليوم ان حكومة ” الوفاق الوطني ” التي لم يتم اعتمادها بعد من مجلس النواب هي الحكومة الشرعية لليبيا.!! اي ان المجتمع الدولي المذكور اصبح يعتمد حكومة معدومة و يعتبرها شرعية و يتخلى عن الحكومة القائمة والتي كان هو نفسه يعتبرها الحكومة الشرعية الوحيدة لليبيا.!!

ترى ماذا كان سيقول حينما يرى هذا الصراع السياسي بين اطراف ليبية تتقاتل و تتصارع ليس من اجل الوطن والشعب و لكن من اجل المغانم و المصالح الخاصة و من اجل النهب و السلب و من اجل سرقة المال العام.!؟ تَرَى ماذا كان سيقول وهو يشاهد الانقسام و الجهوية و انعدام الحس الوطني بين ابناء شعب واحد تقتله “داعش” و تذبح ابناءه و تستحي نساءه و تدمر منشآته الحيوية و تحرق نفطه و غازه و تصادر ممتلكاته وتفرض عليه الجزية عن يد وهم صاغرون. !؟ و عندما تقرر فئة من هذا الشعب ان تقاتل هذا العدو نجد من البعض من يناصر العدو على ابناء شعبه و نجد من تبلغ به الجراة على الله و على الوطن ان يدعو علنا الى دعم أعداء الوطن و يدعو الى الكف عن قتالهم بدعوى انهم من ” انصار الشريعة ” بينما هم يرتكبون جميع الجرائم و الآثام التي تحرمها الشريعة الاسلامية السمحاء و تحرمها جميع القوانين و القيم العليا التي تعارف عليها الناس و جاءت بها الرسالات السماوية كلها. !!

اجل. نسي الأمريكيون الملايين من البشر الذين قتلوهم في هيروشيما و ناجازاكي و تجمعوا في احد ميادين نيويورك ليبكوا على قطة صغيرة وقعت من احد المباني في هستيريا إنسانية غريبة كما يقول مصطفى محمود. اما نحن الليبيون فلا يمكننا ابدا ان ننسى الجرائم البشعة التي ارتكبها بعض المجانين و الجهلة من ابنائنا الذين ولدوا او عاشوا في ظل الطغيان و نشأوا في مدارس الطغيان و شربوا لبن الطغيان فاستحوذ عليهم الشيطان و انساهم ذكر الله و أصمهم و اعمى ابصارهم.!!

ان الهستيريا التي يعيشها شعبنا المنكوب ببعض ابنائه هي هستيريا لا مثيل لها في التاريخ و لابد لشعبنا ان ينتفض و يقضي على اوكار الجريمة و المجرمين و ينقذ الوطن العزيز من كارثة بدأت تلوح في الأفق وقانا الله من شرورها ما علمنا منها و ما لم نعلم ووفق الصالحين منا الى تحقيق وفاق حقيقي يتبناه المخلصون من ابناء ليبيا الابرار المخلصين لله و للوطن دون الحاجة الى اي ممثل للأمم المتحدة او للمجتمع الدولي.

اللهم ابعد عنا شرور المجتمع الدولي و شرور أعداء الله و الوطن من علمنا منهم و من لم نعلم. و ليعلم الجميع انه لا احد من الأجانب ولا من المتاجرين بالدين و الدنيا يحس بمأساة الليبيين و الليبيات كما يحس بها اؤلئك المواطنين والمواطنات الذين يقفون في طوابير طويلة امام المصارف و امام المخابز و امام الصيدليات يبحثون عن الراتب و عن الرغيف وعن الدواء.

اللهم ارفع مقتك و غضبك عنا و لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا و هب لنا من لَّدُنك رحمة انك انت الوهاب.

"رأي اليوم"

ثلاثاء, 17/05/2016 - 10:14

          ​