قال مسؤولين عالميين كبيرين أمس أن سيناريو سيطرة اليمين العنصريّ على السلطات التنفيذية في الغرب صار متوقّعاً أكثر منه احتمالاً. التصريح الأول كان للرئيس الأمريكي باراك أوباما وقال فيه إن قادة العالم «منزعجون» من المرشح للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، والتصريح الثاني كان تغريدة لمارتين سيلماير مدير مكتب رئيس المفوضية الأوروبية على موقع «تويتر» قال فيه إن اجتماع قمة مجموعة الدول العظمى السبع عام 2017 بمشاركة ترامب ولوبان وبوريس جونسون وبيبي جريلو «سيناريو مرعب».
ما قصده أوباما كان يتعلّق، تحديداً، بتعليق لترامب يطالب فيه اليابان وكوريا الجنوبية بامتلاك ترسانات نووية، وبأنه لا يستبعد استخدام أسلحة نووية في أوروبا، وهو تعليق يمكن أن يتقصّد منه ترامب تصدّر التغريدات والعناوين ولكن صدوره عن مرشح لرئاسة الدولة الأعظم في العالم يكفي ليُشعر العالم كلّه بالخوف.
أما تصريح المسؤول الأوروبي فيضيف إلى ترامب كلا من رئيسة «الجبهة الوطنية الفرنسية» مارين لوبان، وعمدة لندن السابق الذي هو أكبر وجوه الحملة المناهضة للاتحاد الأوروبي في بريطانيا بوريس جونسون، وزعيم حزب «حركة الخمس نجوم» الإيطالي بيبي جريلو المعارض بدوره للاتحاد الأوروبي، وهو لم يذكر زعيمي بولندا وهنغاريا اليمينيين، ولا نوربرت هوفر المرشح المهزوم بفارق ضئيل في انتخابات الرئاسة النمساوية.
هذه الأسماء كلّها أمثلة مهمة على ظاهرة كبرى تجتاح أوروبا وأمريكا وهي تفرض نفسها بقوّة على معادلات السياسة العالمية والداخلية في بلدانها وتعبّر عن مزاج شعبيّ عامّ جديد.
ورغم تصريحات التأييد والتعاضد بين أطراف اليمين هذه فإن ما يوحّد هؤلاء جميعهم هو عداء كبير للآخرين، بمن فيهم نظائرهم في البلدان الأخرى، فترامب عبّر بدون أي مواربة عن رفض للمهاجرين واللاجئين والأقلّيات القومية والدينية، وإذا كان أبدى رضاه الضمنيّ عن مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، فإنه، من جهة أخرى، طالب حلفاءه جميعاً، وبينها بريطانيا طبعاً، بتحمّل مسؤوليات أكبر في الدفاع عن بلدانهم وأقاليمهم، في لهجة تشبه لهجة البلطجيّة الكبار الذين يفرضون الخوّات على أتباعهم الصغار.
في حالة جونسون أيضاً، الذي يستعرض أحيانا تاريخ جذوره الأوروبية واليهودية لينكر الطابع العنصريّ لحملته، لا يصعب على المحلّل لمقالاته وتصريحاته، التأكيد على شعبويّة ماكرة فيما يخصّ الموضوع الأوروبي، واستشراقية مناصرة للاستبداد فيما يخص مواضيع العالم العربيّ.
ما يثير القلق في هذه الظاهرة هو أنها تتصادى مع مزاج شعبيّ عامّ يذكّر بأجواء الفاشيّة والنازيّة اللتين سادتا بعد الحرب العالميّة الأولى واللتين استهدفتا الأقلّيات الدينية والعرقيّة، ولكنّها، في هذه الأيّام تتوجّه باستهدافها للمسلمين خصوصاً، واللاجئين الهاربين من سوريا والعراق وأفغانستان، وهي بلدان كان للغرب، إضافة إلى طغم الاستبداد التي يحالفها، اليد العليا في مصيرها البائس الذي آلت إليه، وبذلك فإن العنصرية الغربية تريد معاقبة المسلمين مرّتين، مرة بتدمير بلدانهم وتدعيم السلطات الطاغية فيها (ودورها الذي لا ينسى في «الهولوكوست» ثم في استخدامه لدعم إنشاء إسرائيل وحمايتها)، ومرّة بمطاردتهم في بلدان اللجوء.
كان صعود النازيّة الألمانية على علاقة وطيدة بالصراع على نهب العالم واستعماره بين الدول الصناعيّة المتطوّرة، وكذلك بأزمات الرأسمالية الاقتصادية التي اندلعت في ثلاثينيات القرن العشرين، ولكن اقتصادات البلدان الغربية حاليّاً لا تشكو من أزمات خطيرة، كما أن اللاجئين، على عكس السرديّات العنصرية البغيضة، يضيفون قيمة كبرى لتلك الاقتصادات ويجدّدون خصوبة وشباب البلدان التي يهاجرون إليها.
العنصريّة الغربية المستجدّة إذن تعبّر عن عوامل أكثر تعقيداً من الأساطير التي يتداولها محازبوها الجدد، وهي لذلك، ترفع سقف التحدّي لأساطير أوروبا الأخرى، والتي تتصارع فيها المصالح الضيّقة والمخاوف الألفيّة من المسلمين، مع نظم الديمقراطية وحقوق الانسان والمجتمعات المدنية الحديثة، التي يشهرها اللاجئون والمهاجرون في وجه عنصريي أوروبا، الذين يرفعون بالمقابل راياتهم ضد أولئك الهاربين المساكين، وضد الإنسانية جمعاء.