أخيرا حسم الرئيس محمد ولد عبد العزيز الجدل الدائر داخل بعض الأوساط السياسية الموريتانية بخصوص عزمه الالتفاف على الترتيبات الدستورية التي تحدد عدد المأموريات الرئاسية في اثنتين غير قابلتين للتمديد.
فبعد أن أكد من مدينة النعمة أنه لن يكون عقبة أمام ترسيخ الديمقراطية في موريتانيا؛ عاد فأكد لبعض وسائل الإعلام الأجنبية أن فكرة المأمورية الثالثة "لا وجود لها إلا في أذهان بعض قادة المعارضة ممن يسعون إلى زعزعة استقرار البلاد"، مؤكدا أنه أقسم في مناسبتين على احترام الدستور وأن "هذين اليمينين أهم بكثير من أي تصريح يقوله في المستقبل ومما تقوله المعارضة".
غير أن تأكيد رئيس الجمهورية تقيده التام بترتيبات الدستور من خلال قطع الشك باليقين بشكل علني صريح لا لبس فيه، يثير جملة من علامات الاستفهام داخل أوساط الرأي العام الموريتاني، خاصة فيما يتعلق بملامح مرحلة ما بعد رئاسيات 2019..
ذلك أن عديد المراقبين يعتبرون أن الساحة السياسية الموريتانية ما تزال تفتقر بشكل ملحوظ إلى بدائل مقنعة لتولي إدارة شؤون البلد في ظل غياب أي رؤية وطنية مقنعة لدى من يتقدمون المشهد السياسي في معسكر الداعين لتنحي الرئيس وضمان التناوب الديمقراطي الشفاف على السلطة.
ويذهب هؤلاء إلى حد التساؤل عما إذا كان من الوارد تماما أن تشهد الساحة السياسية الوطنية بروز حراك شعبي واسع للوقوف في وجه رغبة مغادرة الرئيس للسلطة بانتهاء مأموريته الثانية والأخيرة في غضون سنتين تقريبا؛ بالنظر إلى غياب بديل مقنع بين معارضيه من جهة؛ وحصيلة الإنجازات التي تحققت طيلة فترة توليه السلطة وما برهن عليه من صدق في التزاماته ووفاء بتعهداته.
فعلى صعيد الإنجازات نجح ولد عبد العزيز في فرض مكانة موريتانيا ودورها المحوري الفاعل على المستوى الإقليمي والقاري والدولي؛ إذ باتت رقما صعبا في المعادلة الجيوإستراتيجية في شبه منطقة الساحل والصحراء، وشمال غرب إفريقيا؛ وتولى رئاسة الاتحاد الإفريقي سنة 2014 وفرض استضافة نواكشوط للقمة العربية المرتقبة بعد ما تم حرمانها من ذلك على مدى 55 عاما خلت.
ولعبت الدبلوماسية الموريتانية في عهد الرجل أدوارا محورية على الصعيد الدولي، سياسيا وأمنيا؛ فكانت فيالق القوات الموريتانية في طليعة قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في دول تعصف بها الصراعات الداخلية المسلحة، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وكوت ديفوار؛ بعد أن تم بسط الأمن على عموم الحوزة الترابية للجمهورية بإبعاد التنظيمات المتطرفة الإرهابية التي ظلت تنشط على تخوم حدودنا وتستبيح أراضينا إلى غاية سنة 2008؛ وجاء تأسيس مجموعة دول الساحل الخمس بمبادرة وتنسيق من موريتانيا التي تحتضن هذه الأيام لقاءات للتعاون والتنسيق الأمني بين بلدان المجموعة ودول من شمال البحر الأبيض المتوسط.
وعلى الصعيد الاقتصادي شهدت البلاد نموا غير مسبوق نال تزكية وتضمين مجموع الشركاء الدوليين؛ وظهرت ثمارها جلية على أرض الواقع عبر إنجازات عملاقة في مجال البنية التحتية الطرقية والصحية والتعليمية؛ إلى جانب بناء مدن حديثة كانت إلى أمد قريب عبارة عن صحاري جرداء أو قرى متناثرة لا وجود فيها لأي من مقومات الحياة الأساسية (انبيكة لحواش، الشامي، بورات).
وأدت النهضة العمرانية في نواكشوط إلى تحويلها من ولاية واحدة إلى ثلاث ولايات؛ فيما تم إنشاء أول قطب تنموي في البلاد تمثل في منطقة نواذيبو الحرة في عاصمة البلاد الاقتصادية.
عوامل يرى جل المحللين أنها كفيلة بدفع الموريتانيين إلى الضغط والإلحاح في المطالبة بتمديد فترة حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز؛ بحيث لا يستبعد هؤلاء ظهور حراك جماهيري واسع في نواكشوط وعلى مستوى مختلف ولايات الداخل لرفض تنحي الرئيس؛ عبر الخروج في تجمعات جماهيرية حاشدة ترفع شعارا من قبيل "ثورة حماية المكاسب"؛ بما يستوجب ـ لاحقا ـ مراجعة ترتيبات الدستور الوطني ضمن مرحلة انتقالية جديدة تسفر عن توافق وطني واسع يرسي ضمانات حقيقية لاحترام وحماية إرادة الشعب وخياراته.
وبصرف النظر عن هذا التحليل، تتحدث مصادر قريبة من دوائر صنع القرار في موريتانيا عن وجود طرح داخل أوساط الأغلبية الرئاسية بقيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم مؤداه أن رئيس الجمهورية مصمم على احترام الترتيبات الدستورية بدقة وصرامة؛ وبالتالي فإن أبرز الأسماء المرشحة لحمل لواء الأغلبية في رئاسيات 2019 باتت محصورة بين كل من الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية، د. مولاي ولد محمد لقظف؛ ورئيس الحزب الحاكم، ذ. سيدي محمد ولد محم؛ بعد أن اعتذر الفريق أول محمد ولد الشيخ محمد أحمد الشيخ الغزواني عن الترشح لخلافة الرئيس ولد عبد العزيز حسب مصادرخاصة..
وأيا كانت القراءات والتأويلات فإن مما لا مراء فيه أن الرئيس حريص على التقيد بنص الدستور فيما يتعلق بالمأموريات الرئاسية؛ مثلما يحرص ـ كل الحرص ـ على خلق الظروف المثلى لتناوب سلمي ديمقراطي توافقي عبر حوار وطني جامع وشامل بمشاركة كافة الأطراف السياسية والمدنية الفاعلة في البلد..
اتلانتيك ميديا