بقلم : محمد محمود ولد محمد أحمد--------------
خلال سنوات دراستنا في الجامعات المشرقية، وتحديدا منطقة الشرق الأوسط،أمطرنا الزملاء العرب بوابل من الأسئلة مثل : << من وين حضرتك؟ >>... أين تقع موريتانيا؟ ما العلاقة بين موريتانيا وأريتيريا وبريطانيا ؟...إلى غير ذلك من الأسئلة التي نجد بعض أجوبتها ونعجز عن البعض الآخر.
وكانت أسماءنا المركبة محيرة للكثير من الأشقاء العرب وخصوصا كلمة << ولد >>، فهم لا يعرفون إن كانت << ولد >> هي إسم الأب أو الجد، أو أنها إسم << وليد >> حرفت عبر الزمن، هذه الاستشكالات كانت تحرج البعض منا، وخصوصا الطلاب القادمين حديثا من موريتانيا.
لكن الحال لم يكن على هذا النحو دائما، فهناك أناس عرفوا موريتانيا حق المعرفة، وطالعوا كتبا ومتونا ألفها شناقطة هاجروا إلى تلك الديار قبل قرون، وهم يعرفون أن شنقيط ماهي إلا موريتانيا الحديثة.
أذكر أنني قابلت أحد الدكاترة الذين حضرو أحد مجالس العلامة الموريتاني الكبير" الشيخ محمد الخضير ولد ميابة " في الأردن الشقيق، وهو والد الشيخ محمد الأمين ولد ميابة الذي كان سفيرا للمملكة الأردنية الهاشمية في السعودية، وقال لي بالحرف : << إن الشنقيطي كان ذو علم غزير وأخلاق رفيعة وعلى قدر كبير من الوقار والكياسة، وكان له فضل كبير علينا نحن الأردنيين، حيث أنشأ المدارس ونشر التعليم في كل أرجاء المملكة، فقد خوله منصبه الرفيع كوزير للمعارف ، أي التعليم، وسعة معارفه أن يقود النهضة العلمية في الأردن بكل اقتدار، وهو البدوي القادم من بلاد شنقيط حيث اكتسب معارفه الموسوعية تلك ، فأضحى لمسقط رأسه سفيرا فوق العادة>>.
كانت فرحتي لا توصف، فقد وجدت أحد الذين خبروا موريتانيا وعرفوا دورها الريادي في المشرق العربي، ولم أفوت تلك الفرصة الثمينة ، فقد بادرتُ إلى توثيق ذلك بالصوت والصورة، ولازلت أحتفظ بذلك التسجيل في مكتبتي الخاصة، وكلما شاهدته أكبرت تجربة الرعيل الأول من أبناء شنقيط، ورجوت الله أن يحفظ الأبناء ذلك الإرث الحضاري العظيم.مع مرور الأعوام استطعنا كطلاب موريتانيين أن نساهم – ولو بجزء بسيط – في التعريف بموريتانيا من خلال إقامة الأسابيع الثقافية وإقامة المعارض التي تصور الحياة الثقافية والبشرية لهذا البلد، واستطعنا – على الأقل - أن يعرف الزملاء العرب الدارسين معنا أن موريتانيا هي بلد إسلامي عربي إفريقي له عطاءه الحضاري في القارة السمراء والمشرق العربي، وهي غنية بثرواتها الطبيعية، وأن موريتانيا كانت معروفة لدى المشارقة بـ: بلاد شنقيط، وهي مسقط رأس العلماء الذين ازدانت بمؤلفاتهم رفوف مكتبات : إسطنبول والإسكندرية والقيروان والأزهر ومكتبات الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، ولازالت هناك أسر من أصل شنقيطي تسكن في مدينة القدس الشريف إلى يومنا هذا.