عُرفتْ ببلاد شنقيط، عبر حجاجها لبيت الله الحرام وعلمائها ومحاظرها، كما أطلق عليها الشيخ محمد المامي، في القرن الثالث عشر الهجري، لقب "المنكب البرزخي"، وسماها قائد الحملة الاستعمارية الفرنسية "كزافيي كبلاني" ب"موريتانيا"، وهو عبارة عن كلمة رومانية، تعني أرض الرجال السمر.
استقلت موريتانيا عن فرنسا في نهاية سنة 1960 والتحقت بعضوية الجامعة العربية في عام 1970، ورغم مواقفها القوية من القضية الفلسطينية واحتضانها للبنك العربي الإفريقي، الذي أسِس من أجل دعم الدول الإفريقية وتعزيز مواقفها من قضية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، بالإضافة لموقعها الاستراتيجي كجسر للتواصل بين العالم العربي ودول غرب إفريقيا، إلا أنها ظلت تعاني من التجاهل العربي، نتيجة عوامل متعددة منها ما يتعلق باسمها وحالتها الاقتصادية والمعيشية ولعنة الجغرافيا، كما سماها المفكر المصري الراحل محمد حسنين هيكل .
في بداية الثمانينات من القرن الماضي، حدثني مدرس مصري عن رحلته من مصر إلى موريتانيا وكيف أن مودعيه كانوا يسألونه عن وجهته فيقول لهم: "أنا ذاهب إلى موريتانيا"، فيجيبونه تقصد "بريطانيا" أو "ألمانيا"، وبعد ذلك بسنين وحين كنت أتابع تدريبا في أقصى جنوب اليابان في مدينة "أوكيناوا"، التقيت مواطنا من الأردن ، فسألني من أي بلد أنت ، فأجبته :"أنا من موريتانيا"، فقال كيف تتكلم العربية، فقلت له "موريتانيا بلد عربي وأهله معروفون بارتباطهم بالشعر والأدب العربي".
غياب على مستوى شعوب العالم العربي وإهمال رسمي عانت منهما موريتانيا طيلة عقود من الزمن، جعل منها بلدا عربيا منسيا، إذا حضر لا يستشار وإذا غاب لا ينتظر.
لكن موريتانيا لم تعد اليوم ذلك البلد العربي الإفريقي الفقير الخاضع للفضاء الفرانكوفوني في غرب افريقيا، الذي لا يسمع عنه إلا وقت الأزمات من كوارث طبيعية أو انقلابات عسكرية.، بل إن النهضة الاقتصادية والبشرية، التي بدأ يعرفها منذ قرابة العقدين من الزمن وولوجه لعالم الاتصالات الحديثة، جعلت منه بلدا عربيا وإفريقيا واعدا، حيث أصبح يتمتع بحضور ثقافي وإعلامي وتمثيل متزايد في المحافل الدولية الرسمية والمدنية.
كما ساهم الربيع العربي في إظهار دول أطراف العالم العربي، بعد ما تفككت دول عربية مركزية مثل سوريا ولبنان وليبيا واليمن والعراق، مما مكن موريتانيا من لعب دور متزايد في قضايا العالم العربي، فقد لقي إنجاحها للانقلاب العسكري في مصر، من خلال رئاستها للإتحاد الإفريقي ترحيبا واسعا في مصر الرسمية ودول من الخليج العربي، وكان له الأثر الواضح في التحاق موريتانيا، بعد ذلك، بالتحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية ودول في الخليج العربي.
بعد اعتذار المغرب عن استضافة أعمال دورة القمة العربية السابعة والعشرين، جاء دور موريتانيا ولم تتردد، مستفيدة من مكانتها الجديدة بين دول القرار العربي ومستندة لما حققته من تقدم في مجال البنى التحتية، لتوافق على طلب من الجامعة العربية باستضافة القمة العربية في ظرف قصير لم يتجاوز ثلاثة أشهر.
قرار صعب، كما عبر عن ذلك الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في خطاب له في شرق البلاد، حين قال "سنستضيف القمة العربية ولو تحت الخيام"، لكنه قرار يحقق لموريتانيا مكاسب سياسية واقتصادية وإعلامية وثقافية، ويمكنها مستقبلا من استضافة مؤتمرات دولية هامة على مستوى العالم العربي وإفريقيا.
اعتذار المغرب عن استضافة القمة العربية لهذه السنة، يعبر عن هاجس انعدام الظروف والإمكانات الموضوعية لاتخاذ قرارات تخدم العمل العربي المشترك في ظل انقسام العالم العربي وضعف مراكز تأثيره السابقة.
فلا يمكن التأويل كثيرا على قمة نواكشوط لإنقاذ العمل العربي المشترك، في ظل واقع عربي مأزوم، كما أن الشعوب العربية لم تعد تتطلع لقرارات من قمم الجامعة العربية من شأنها ردع الكيان الصهيوني أو رفع الحصار الظالم عن سكان قطاع غزة أو إغاثة شعب عربي مظلوم، فذلك حلم لم يعد واقعيا في ظل الواقع العربي الحالي.
فماذا باستطاعة قمة نواكشوط أن تفعل إزاء حصار قطاع غزة ودمار سوريا و استمرار أزمة الرئاسة في لبنان، وهل بإمكانهم حل معضلة حرب الجبال في اليمن، تلك أزمات يبدو أنها أصبحت خارج نطاق القرار العربي.
لكن العرب اليوم يحققون انجازا مهما من خلال اجتماعهم في العاصمة نواكشوط، على بعد 30 كيلومتر من موقع "التيدره"، الذي انطلق منه رجال أسسوا مراكش وعبروا البحر الأبيض المتوسط، ليمدوا عمر الدولة الإسلامية في الأندلس ثلاثة قرون، فشكرا لهم لأنهم أعادوا الاعتبار لبلاد شنقيط وأرض المرابطين.
بقلم سيدي ولد سيد أحمد