إن من السمات التي فطر الله عليها الإنسان سمة حب الحياة، والاستقلال، والتميز، ثم إنه مفطور بطبعه على الأنس ببني جنسه:
وما سمي الإنسان إلا لأنسه
ولا القلب إلا أنه يتقلب
ومن هنا نلاحظ أن شعوب الأرض وأممها وأجناسها تتآلف وتتكتل وتتعاون، مشكلة بذلك حلقات متواصلة في إطار التعاون الإنساني، والأممي الشامل.
وبنظرة سريعة على واقع العالم الآن نجده يتشكل من التكتلات الكبيرة التي تنضوي تحت لواء الأمم المتحدة، فهناك التكتلات الأوربية، والآسيوية، والأمريكية، والإفريقية، وداخل هذه التكتلات توجد شعوب قوية، وأخرى أقوى، وهكذا...
أما عندما نلتفت إلى أمتنا العربية التي حباها الله بأن جعلها وارثة الرسالات السماوية، ومؤصلة الحضارات الإنسانية، فإننا نجد بعض المفارقات العجيبة، فرغم عوامل الوحدة التي لا تحصى لدى هذه الأمة:
- وحدة الدين، وحدة اللغة وتميزها ونصاعتها، وحدة التاريخ والحضارة.
- وحدة الأهداف والمصالح، وحدة المستقبل المشرق.
لا تزال هناك بعض العوائق أمام هذه الوحدة وأمام هذا التكامل الذي يفرضه الدين ومنطق العصر الذي لم يعد فيه مكان للتقوقع، والانكفاء والضعف، والتخاذل، في تيار العولمة الجارف.
من هنا فإننا نلح على أن تكون قمة الأمل في انواكشوط عاصمة العرب عملا مباركا ينطلق منه تضامن عربي حقيقي يرتب الأولويات فيبدأ منها بالأهم قبل المهم، ويسعى للاتفاق على المشترك، ويرجئ المختلف فيه لحين إيجاد حل يرضي الجميع.
وإننا لواثقون من أن قادتنا ستدفعهم الحمية وحب الأوطان، والدين، إلى رفع التحدي الماثل في الفرقة والاختلاف، ومحاولة الأعداء إيقاع المزيد من الضربات للأمة، ومن المعروف عن أمة العرب أنها تتمادى لدرء الخطر كلما كان داهما، وذلك ما عبر عنه شاعرهم بقوله:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
للنائبات على ما قال برهانا
ونحن هنا في انواكشوط إنما نندبهم للتكامل والتآزر والتعاون في سبيل الخير حفاظا على الأوطان والأبدان والأديان، قال تعالى: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان..﴾.
وإن شعبنا الموريتاني الأبي بما يجري في دمائه من حب للعروبة والإسلام، وبما عرف به من مناصرة للقضايا العادلة وبمعرفته الصحيحة للإسلام في وسطيته واعتداله وبقيادته الرشيدة التي قادت محاور إقليمية وشبه دولية، وحلت أزمات مستعصية، وبما عرف عن هذا الشعب العظيم من جلد وصبر، وصلة للأرحام وإكرام للضيوف لقادر بإذن الله أن يكون البوصلة التي تساعد على الاتجاه الصحيح في الانطلاقة الجديدة لأمتنا العربية في ميادين السيادة، والقيادة والريادة العالمية.
وإنني على يقين بأن ما امتاز به قائدنا وملهم نهضتنا الحديثة الرئيس محمد بن عبد العزيز من حكمة ورزانة كفيل بأن يجعله مع إخوته ملوك ورؤساء الدول العربية يتوصلون إلى خطة عربية قابلة للتطبيق من أجل الانطلاق بمسيرتنا التنموية في توازن وتكامل وانسجام يبعد عن أمتنا أخطار العنف والإرهاب، والتهميش والإقصاء، ويجعلها عنصرا فاعلا في بناء السلم العالمي، والنهضة الشاملة.
وإنني لأدعو كل القيادات للتعاون في هذا المجال وأخص بالذكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وأهنئه على ما قام به من حزم وعزم في قيادته للردع العربي الذي وقف في وجه أعداء الأمة ومن يتربصون بها الدوائر.
وله وللمملكة العربية السعودية حكومة وشعبا منا كل التقدير والاحترام.
والشكر موصول لكل الزعماء والقادة ضيوف فخامة رئيس الجمهورية ضيوفنا الكرام.
وفي الختام أتوجه إلى كل فرد من أفراد شعبنا المعطاء أن يبذل الغالي والنفيس من أجل نجاح قمتنا المرتقبة، وأن يعتبر النجاح نجاحه والقضية قضيته، وأنا على يقين من أن شعبنا سيبيض وجوهنا ويرفع رؤوسنا عاليا ليس في العالم العربي فحسب وإنما في العالم أجمع.
وإلى الأمام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. أحمد بن اباه بن سيد احمد
مدير محو الأمية وتعليم الكبار
في وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي