"تعلمت مع ما تعلمت في كتب الطب النظرية العلمية انه لا يصح إقامة حكم من دون حيثيات من الواقع والشواهد من الحس وان العلم يبدأ من المحسوس والمنظور والملموس و إن العلم ذاته عملية جمع الشواهد واستخراج القوانين « د. مصطفى محمود عرفت الساحة السياسية الوطنية منذ فترة أحداثا أبت إلا أن اخذ قلمي لأدلوا بدلوي أنا الأخر في ما بات يعرف بقضية لحراطين أو بعبارة أخرى مشكل العبودية الذي يصفه البعض بالمخلفات والبعض الآخر بأنه ما يزال ظاهرة معاشة وذلك لأعبر عن موقفي من مختلف الخطابات المهولة، القائلة بوجود هذه الظاهرة البدائية والنافية بوجودها بالجملة. ومن نافلة القول أن العبودية ظاهرة عرفتها جميع الشعوب والمجتمعات عبرمسارها التاريخي المختلف’ فالمجتمع الموريتاني لم يكن استثناءا عن غيره بل عرفها هو الآخر في جميع مراحل تطوره أثناء و قبيل إنشاء الدولة الحديثة.
إلا انه من جدير بالقول إن خطوات هامة اتخذت بعيد إنشائها الدولة تمثلت في تضمين الدساتير المتتالية مواد تنص على المساواة بين المواطنين وتحارب كل أشكال العبودية بدءا بدستور الجمهورية الأولى إلى دستور 1991 الذي كان أكثر صراحة في مواده وعبارته المجرمة لهذه الممارسات المشينة، خاصة تعديل عام 2006 الذي جاء لتتويج هذه الجهود وترسيخ القوانين الردعية والعقابية وأخرى ابتكرت تجرم كل أشكال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان .
روسو ج ج «لا يوجد احد من البشر يستطيع أن يصبر على مفارقاتي المزعو مة » أخشى أن وإذا عدنا خطوة إلى الوراء نلاحظ تعددا في الطرق التي انتهجها كل مجتمع على حدة للقضاء على هذه الظاهرة . ففى أمريكا مثلا جاء تحرير العبيد اثر حرب أهلية طاحنة دارت بين الولايات الجنوبية المتمسكة بالعبودية نظرا لنشاطها الرعوي والزراعي, والولايات الشمالية ذات النشاط الصناعي, وكان بطل عملية تحرير العبيد الرئيس الأندنوسى الأصل ابراهام لينكن الذي انتهج طرقا ووسائل متعددة منها ما هو تقليدي كالعتق والمكاتبة و القرارات الإدارية، مبتدع كإ نشاء وطن قومي للعبيد المحررين (ليبريا).
في حين أن عملية التحرير في فرنسا كانت عقب الثورة الفرنسية الشهيرة التي كان من الشعارات التي رفعتها الحرية والمساواة فقضت بذلك على جميع الترسبات والتراتبات الاجتماعية البدائية التي كانت سائدة في المجتمع الفرنسي التقليدي فشكلت بذلك الضربة القاضية على جميع أنواع الاستغلال البشرى و إلهاما للحركات التحررية عبر العالم رغم ما شاب تلك الثورة من تجاوزات. من يصدق مثلا أن رجلا وسيما وسياسيا مرموقا مثل ( دومنك دوفلبين) ينحدر من ذات الأصول بمعنى أدق من العامة roturier ) (وهو من (ال كالوزو)، آو يتخيل أن السياسي المتمرس نيكولا سركوزي، الهنكري الأصل وهومن (ا ل ناكي بوكسا) والذي ينحدر هو الأخر من أصول كانت مستغلة، قبل تحرر(anoblis) أجداده (رفعوا إلى مصاف الأشراف) من قبل الإمبراطور فردينه II عام 1628م ، سيتربع على أعلى هرم الدولة الفرنسية. في قارتنا الإفريقية نضرب المثل بتونس الخضراء إذ اصدر حاكمها(البي) بعد استشارة علماء الدين في عصره قرارا بتحرير جميع العبيد بتونس لما عانوه من معاملة لا إنسانية من طرف سادتهم. وكذلك فعلت دول المشرق العربي عموما في فترة لاحقة من زمن ضاربة بذلك مثلا هي الأخرى للعالم كله, فحررت من كانوا يستغلون كعبيد ( السعودية والأردن ) وكان لعلماء الدين الشجاعة الكافية للعب الدور الكبير المنتظر منهم.
ولم يكن المجتمع الموريتاني بمنئا عن حركة التطور التاريخي والمجتمعي، فقد عرفت ساحتها السياسية نضال النواة الأولى من كوادر لحراطين تمثلت في حركة الحر بجميع مشاربها ومنطقاتها الفكرية ، حيث كانت تلك النضالات المحرك الاسا سي للمياه الراكدة فدفعت القائمين على الشأن العام في تلك الفترة لا لتماس الطرق الناجعة من أجل اتخاذ خطوات هامة فى هذا المجال. وكان ذلك بداية ثمانينات فيما عرف في حينه ب" حرية هيداله ". حيث اتخذت وقتئذ بناءا على الفتوى الشهيرة لعلماء الدين التي تضمنت قرارات كسرت بعض القيود النفسية التي كانت تكمم أفواه العبيد و العبيد السابقين وتحول بينهم والمطالبة بحقوقهم السياسية والاجتماعية . وتتالت القرارات في هذا المجال إلى أن تولى الرئيس الحالي فخامة السيد محمد ولد عبدالعزيز سدة الحكم ، فأولي هذا الملف أهمية بالغة و أتيحت لهذه المكونة فرصا كثيرة مكنتها من الوصول إلى وظائف في كثير من الدوائر الحكومية،و مكنتها إلى حد كبير من السير في طريق الرقي والتقدم ومن التقليص من حالات الاسترخاء العام من اجل اللحاق بالمكونات الأخرى والتعويض عن حالات الحرمان والتهميش التي سادت في الماضي في ظل مجتمع بدوي تسوده كثير من حالات التفاوت و التراتب الاجتماعي والثقافي و العلمي " لان العدالة هي الهد ف الذي يجب أن تسعى إليه كل حكومة " ديتوك فيل.
وأنا إذ أقول هذا الكلام أثمن عاليا الخطوات الجبارة التي قيم بها ، وأعول على بعد نظر القيادة الوطنية لمزيد من منح فرص التوظيف في شتى المجالات والمناصب كما اعتبر أن خير وسيلة للنضال والمطالبة بالحقوق تبقى و ستظل هي الطرق السلمية بعيدا عن العنف ودعوات التفرقة بين الشعب الواحد ومجابهة السلطات وبذر الفرقة و الانشقاق بين المكون العربي . فبنظرة خاطفة من حولنا نرى كيف كانت عاقبة دعوات التفرقة و الفوضى،إذ لم ينتج عنها سوي الخراب والحروب الأهلية وضياع المكتسبات والتشرد وهجرة الأوطان و لنا فى دول كاليمن وليبيا وسوريا مثلا, وما حدث فى هذه البلدان ينبغي أن يكون لنا درسا وما مالى عنا ببعيد." لان الوطن أمانة ثقيلة وكلنا عنها مسئول " د. مصطفى محمود والحال، فإنه لا مكان بيننا لدعاة للتفرقة و العنصرية والاقتتال النعارات ودس الوقيعة’ هذا الشعب موحد بطبيعته ’فى كل شيء - العقيدة والأرض واللغة-ورغم كل شي سنظل شعبا واحدا فا لنكن إذا جبهة واحدة,و سدا منيعا ضد دعاة الغلو والتطرف والتفرقة حفاظا على اللحمة الوطنية والعيش المشترك في جو من الأمن والأمان الذي ينعم به وطننا بفضل الله أولا والجهود المبذولة من طرف حكومتنا ثانيا. فلا احد ينكر أن هذه الشريحة التي لم تعطى حقها من التعلم وعانت فترة طويلة من التهميش والحرمان والغبن انعكس ذلك بشكل كبيرو سلبي على واقعها الاجتماعي الاقتصادي وسيكون حجرة عثرة دون ولوجها لمكتسبتها الوظيفية والإدارية, إدارة المؤسسات الكبرى من الموانئ والشركات الحكومية.....الخ.
إلا انه في السنوات الأخيرة شهدنا تحسنا ملحوظا فى شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية تمثل فى تعيينات فى وظائف مهمة وذلك بفضل الجهود المقام بها على مستوى الدولة منذ تولى الرئيس محمد ولد عبد العزيزمقاليد الحكم ،و فى المشاريع الكثيرة ذات المردودية العامة على هذه الشريحة مثل بناء المدارس والنقاط الصحية وشق الطرق وبناء السدود وتأهيل الأحياء العشوائية في المدن والاستصلاح الترابي و خير مثال على ذلك انجاز مشروع- بكمون لزراعة الأرز في مقاطعة اركيز و تحديدا فى مركز انتيكان الادارى الذي انحدر منه. -وشهد شاهد من أهلها-’ إذ يعتبر هذا المشروع الأكبر من نوعه مول من الدولة. إذ لم يسبق قط لمنطقة شمامه أن عرفت مشروعا بهذا الحجم و بتمويل بما يقارب مليارين من الأوقية من الخزانة العامة والذي استفادت منه مئات الأسر الفقيرة من نفس الشريحة الكادحة ." لا يحكمون على قلب إلا بما كانت عليه قلوبهم إذ ليس فى هذه الدنيا من أوتي الكمال" ج.ج.روسو.
كمالا يفوتني أن انوه بالجهود المقام بها في مجال محاربة مخلفات وترسبات الاسترقاق مثل إنشاء المحاكم لمعاقبة كل الممارسين المحتملين للعبودية إضافة إلى المشاريع التي تنفذها وكالة التضامن في نقاط التواجد المكثف لهذه الشريحة وذلك تنفيذا لإرشادات رئيس الجمهورية من اجل التخفيف من وطأة الفقر والحرمان والجهل الذي عرفته شريحة لحراطين و للرفع من المستوى المعيشي لها. ومهما يكن من أمر فالفقر و التخلف يظلان ينخران جسم كل الشرائح المجتمع الموريتاني وخاصة شريحة لحراطين منها فالظواهر الاجتماعية عصية بطبيعتها رغم الجهود الحثيثة التي بذلتها و تبذلها الدولة في جميع المجالات.
وتبقى مفاهيم من قبيل العبودية وغيرها من الأفكار البالية متجذرة فى أذهان البعض لانها خيمت في أللاشعوري واللاوعي الجمعي لمجتمعنا إذ لا يزال بعض الآباء و الأمهات يرددون على مسامع صغارهم مفاهيم من قبيل ، حرطان، بظان، أزنا كي وامعلم ولان ذاكرتنا الجمعية لم تتقبل بعد التخلي عن مفاهيم من هذا القبيل بالرغم من إنها لا تساعد كثيرا على رص الصفوف " والخلاف بين صنف وصنف و بين مخلوق و مخلوق هو خلاف في العلاقات الكيفية والمعادلة و الشفرة التكوينية لكن الخامة واحدة-إن كل الوجود أفراد آسرة واحدة من أب واحد "د. مصطفى محمود وهنا تحضرني أبياتا تنسب للإمام على كرم الله وجهه يقول فيها: الناس من جهة التمثيل أكفاء أبــــوهم آدم والأم حـــــــــــــــــواء نفس كنفس وأرواح مـشاكله وأعظم خلقت فيـــهن أعـــــــــضاء وإنما أمـــــهات الناس أوعية مستودعات وللأحــــفاد أبـــــــــــاء ان يكن لهم من أصلهم شرف يفاخرون به فالطــــــــــين والماء و ما الفضل إلا لأهل العــــــلم إنهم على الهدي لمن أستهدي أدلاء وقيمة المرء ماقد كان يحسنه والجاهلون لأهل الــــــــــعلم أعداء ففز بعلم لا تـــــــطلب به بدلا فالناس موتى وأهل العلم أحــــــــياء بربكم كيف نقضى على ظواهر اجتماعية كهذه ونحن نلقنها أطفالنا صباح و مساء ونهيئ لها من حيث لا ندرى البيئة الصالحة والظروف الملائمة فتظل بذلك مصدرا يرجع إليه المتطرفون ودعاة التطرف والتفرقة والعنصرية من كل الجوانب.
فهؤلاء الانتهازيون’ دعاة الكراهية و العنصرية والعنف ومجابهة السلطات, يستغلون كل الفرص لا لشيء آخر سوى لمصالحهم الآنية تارة ولمآ ربهم الضيقة ، ونشاطات من هذا القبيل تضراكثر مما تنفع قضايانا العادلة . نعم للرفع من مستوى إشراك هذه الشريحة في كل دوائر ومفاصل الدولة والوظائف السامية في نفس الوقت لا للتطرف ولا للعنصرية والتفرقة بين الشعب الواحد فالعاقل من أخذ العبرة من غيره. " فكيف يسعني التأمل في ما أقامت الطبيعة من مساواة بين البشر وفى ما استحدثوه هم من تفاوت " ج ج روسو هذا من وحي قلم ،أحمدناه ولد بلال ولاية أنواكشوط الجنوبية